اختراق الصفوف
قال نتنياهو فى رسالة إلى إيران: «السنوار والضيف لم يفهما هذا، نصرالله لم يفهم هذا، وربما هناك من فى طهران لا يفهم ذلك، ولكنكم ستفهمون»، الحقيقة إذا أردنا حقًا أن نفهم فإن علينا العودة إلى الوراء فقط أسابيع قليلة. عندما تغيرت قواعد الاشتباك.. وأصبحنا على حافة اشتعال على كل الجبهات.
بعد عام من التراخى الإسرائيلى فى الجبهة الشمالية، قبضت إسرائيل على زمام المبادرة فى المواجهة، وأظهرت قدراتها التكنولوجية والعملياتية، ورغم عدم الحسم العسكرى على الأرض فى غزة، فإن العمليات الاستخباراتية الدقيقة والنوعية تحكى قصة أخرى، فكما لدى حماس الأنفاق، فلدى إسرائيل الاستخبارات.
بدأت القصة من الاغتيالات المتكررة فى صفوف حزب الله، ثم اغتيال هنية فى قلب طهران ومؤخرًا عملية تفجير أجهزة الاتصال للآلاف من نشطاء حزب الله، ثم العملية الكبيرة باغتيال حسن نصرالله، التى كشفت بشكل دقيق عن اختراق واضح فى صفوف حزب الله وإيران، وهى بشكل لا يقبل الشك نتاج عمليات تجنيد واسعة لإسرائيل فى قلب طهران والضاحية.
وحول العملية النوعية لتفجير أجهزة الاتصال فإنه يبدو أن أحدًا نجح فى التسلل إلى داخل شبكة الاتصالات السرية لحزب الله، وأخفى فى أجهزة الاتصال عبوة ناسفة، يمكن تشغيلها عن بُعد عند الحاجة. وتُعرف هذه العمليات فى المنظومة السيبرانية، وفى إطار عمليات الاغتيالات باسم «الزر الأحمر»، وهى العملية المُعدّة منذ وقت طويل، ويمكن تفعيلها عندما يحين الوقت.
حسب تقرير فى «الفاينانشيال تايمز» فإن إسرائيل استغلت الحرب الأهلية فى سوريا من أجل زرع جواسيس فى صفوف حزب الله، وذلك بعد أن اضطر الحزب إلى تجنيد عدد كبير من المقاتلين من أجل مواجهة وتيرة القتال فى سوريا، وكان من السهل لإسرائيل أن تُدخل حينها عملاء فى صفوفه.
بسبب الحرب فى سوريا، انتشرت معلومات كثيرة عن حزب الله، وقد استغلتها إسرائيل، فعلى سبيل المثال؛ تمكنت إسرائيل عبر نشر أسماء قتلى حزب الله فى سوريا من معرفة البلدة التى أتوا منها، وكيف قُتلوا، والتعرف على رفاقهم عبر نعيهم على وسائل التواصل الاجتماعى، وكذلك معرفة هوية قادتهم الكبار، فى وقت كان الحزب مضطرًا فيه إلى مشاركة معلوماته مع الاستخبارات السورية، والبقاء على تواصل مع الاستخبارات الروسية التى يراقبها الأمريكيون عن كثب، وهو كما يبدو ما سهل عملية اختراق الصفوف.
الضربات التى تلقاها حزب الله، أوضحت أن المنظومة العملياتية للحزب مُخترقة بصورة كبيرة، وتعرّضت لأضرار كبيرة، الأمر الذى يمكن أن يثير عدم الثقة بين صفوف الحزب، ويُضعف منظومة القيادة والتحكم فى الفترة المقبلة.
وبنظرة إلى الخلف، يتضح أن زعيم «حماس» يحيى السنوار كان محقًا فى قراره عدم إشراك إيران وحزب الله فى توقيت هجوم ٧ أكتوبر، فلربما لو كان قد كشف سره للجبهة الشمالية، كان سيوقظ المنظومة الاستخباراتية الإسرائيلية من سباتها العميق فى القطاع.