رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحوار وقضية الدعم.. خطوة على الطريق الصحيح

إن قضية الدعم تعد من أهم القضايا والملفات، وتزداد أهميتها لارتباطها بشكل مباشر بملايين المواطنين والفئات الأكثر احتياجًا ومحدودى الدخل والفقراء، والظروف الاقتصادية والاجتماعية فى الدولة، ففى ظل الظروف والتحديات الاقتصادية الصعبة التى تمر بها الدولة المصرية فى السنوات الأخيرة، بسبب تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية المتتالية، إلا أن الدولة كانت وستظل حريصة على أن يصل الدعم إلى الفئات المستحقة.
وفى ضوء ذلك يثار الحديث من حين لآخر عن الدعم ومدى أهميته وإمكانية تحويل الدعم العينى إلى دعم نقدى، وطرح الأسباب الوجيهة لتفضيل أى منهما على الآخر، والهدف واحد، وهو تحقيق الصالح العام للوطن والمواطن، بأن يصل الدعم إلى مستحقيه وحوكمة منظومة الدعم والتصدى لأى أوجه قصور أو فساد تمنع وصول الدعم للمستحقين أو حصول غير المستحق عليه.
ونظرًا للأهمية المُلحّة والقصوى لهذا الملف الحيوى، تُولى القيادة السياسية اهتمامًا كبيرًا به، وتم توجيه الحكومة لدراسة هذا الملف بكل أبعاده وجوانبه. وتعزيزًا لفكرة الحوار والاستماع إلى كل وجهات النظر أحالت الحكومة مناقشة قضية الدعم إلى الحوار الوطنى؛ لفتح نقاش موسع حوله ورفع التوصيات بشأنه إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى لاتخاذ اللازم.
ولذلك جاءت الخطوة المهمة من مجلس أمناء الحوار الوطنى بإعلان بدء الاستعدادات لمناقشة قضية الدعم، وأنه سوف يعقد اجتماعًا يوم الإثنين، 30 سبتمبر، ستتم دعوة المقرر العام والمقرر العام المساعد للمحور الاقتصادى له، لاستعراض وإقرار الإجراءات المطلوبة لضمان مناقشة القضية من كل جوانبها، وعلى نطاق واسع يضمن مشاركة جميع المعنيين من خبراء ومتخصصين وجهات سياسية ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية. 
والحقيقة أثمّن هذه الخطوة المهمة التى تؤكد حرص الدولة على مصلحة المواطن وحوكمة منظومة الدعم، بجانب الحرص على الاستماع إلى الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين وجميع المعنيين بهذا الملف، بالإضافة إلى التعامل معه بتجرد وحياد من القائمين على إدارة الحوار الوطنى دون الميل لتطبيق أحد النظامين العينى أو النقدى، ليكون دوره هو توفير بيئة حوارية تتسع لمشاركة كل الآراء والمقترحات، وللوصول لتوصيات تعبّر عن كل مدارس الفكر والعمل فى مصر، يتم رفعها لرئيس الجمهورية.
إن إعلان الحوار الوطنى عن إدراج قضية التحول للدعم النقدى على طاولة المناقشات المرحلة المقبلة فرصة حقيقية لتحقيق توازن بين مصلحة المواطنين محدودى الدخل وتحقيق إدارة أكثر كفاءة لموارد الدولة، كما أن تطبيق التحول من الدعم العينى إلى النقدى، وفقًا لدراسات ومزيد من المناقشات وطرح مختلف الآراء ووجهات النظر بحضور ومشاركة خبراء ومتخصصين على مائدة الحوار الوطنى، يضمن دعمًا أكثر استهدافًا وفاعلية، ويسهم فى اختيار النظام الأفضل للدعم لحماية حقوق الفئات الأكثر احتياجًا والأولى بالرعاية وعدم إهدار موارد الدولة.
ومن وجهة نظرى فإن التحول إلى الدعم النقدى أفضل لأنه سيُعزز من العدالة والحماية الاجتماعية للمستحقين، ويوفر للمواطن البسيط القدرة على اختيار كيفية إنفاق هذا الدعم بناءً على احتياجاته الفعلية، على العكس من النظام العينى الحالى، ففيه تحدد الدولة نوع السلع والخدمات المدعومة، كما أن الدعم النقدى يتيح للمواطن مرونة أكبر فى إدارة نفقاته واختيار ما يناسب أسرته، سواء كان ذلك فى شراء الطعام أو تسديد فواتير أو تلبية احتياجات أخرى مُلحّة، بهذه الطريقة يشعر المواطن بتمكين حقيقى وحرية اقتصادية له فى شراء ما يحتاجه ويضمن للدولة وصول الدعم للمستحقين الفعليين.
والتحول إلى الدعم النقدى، بإلغاء الدعم العينى للسلع الأساسية والغذائية والتموينية والخبز ليصبح دعمًا نقديًا، سيؤدى إلى حوكمة منظومة الدعم السلعى ووصول الدعم للمستحقين، والأمر يتطلب تشديد الرقابة وإعداد قاعدة بيانات دقيقة لمستحقى الدعم.
ولعل من أبرز مميزات الدعم النقدى أنه يتم تحويل الأموال مباشرة إلى المستفيدين، ما يقلل من التكاليف والهدر، ويؤدى إلى وصول الدعم للمستحقين فقط والحد من الفساد، وخفض معدل الفقر ودعم الأسر الأولى بالرعاية والأكثر احتياجًا، فضلًا عن المساعدة على تمكين المرأة اقتصاديًا، وتحويل الأسر متلقية الدعم إلى أسر منتجة تعتمد على نفسها فى إيجاد مصدر دخل، ما يسهم فى تحفيز النمو الاقتصادى وتعزيز ثقافة الإنتاج لدى المواطنين وترشيد الاستهلاك، وكذلك الاستثمار فى رأس المال البشرى والارتقاء بالمستوى التعليمى لأفراد الأسرة.
الدعم النقدى يساعد فى تحقيق الضمان الاجتماعى للأسر والمساهمة فى تحقيق الأمن المجتمعى، فضلًا عن تحسين مستوى تغذية الأطفال الصغار والرعاية الصحية للأم والطفل، وإنهاء الدعم النقدى للأسر التى حدث لها تغير إيجابى فى مستوى المعيشة وتحولت إلى أسر منتجة، وبالتالى يحافظ على موارد الدولة ويمنع إهدارها، ويُسهم فى تقوية الاقتصاد وتحسين معيشة المواطنين بشكل مباشر، وهو ما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.
لذلك هناك ضرورة مُلحّة للعمل على سرعة حوكمة منظومة الدعم وضمان وصوله لمستحقيه، من خلال سرعة الانتهاء من حوكمة المنظومة وتفعيل التحول الرقمى والميكنة، وإعداد قاعدة بيانات دقيقة لمستحقى الدعم، وحوكمة منظومة إصدار البطاقات التموينية، واستكمال استخراج البطاقات التموينية وإضافة المواليد الجدد بالنسبة للفئات الأكثر احتياجًا.
كما أن هناك تجارب لدول طبقت الدعم النقدى بدلًا من الدعم العينى، ويمكن الاستفادة من إيجابيات هذه التجارب، ومنها البرازيل، المكسيك، كينيا، الهند، ولدينا فى مصر تجربة الدعم النقدى من خلال برنامجى «تكافل وكرامة» والضمان الاجتماعى، ويمكن البناء على هذه التجربة مع تدقيق بيانات المستحقين وحصرهم.
ورغم ذلك لا يختلف أحد على أن التحول إلى فلسفة الدعم النقدى بدلًا من الدعم العينى يحتاج إلى نقاش واسع، حيث يتعلق بإعادة هيكلة نظام الدعم الحكومى لتوزيع الموارد بشكل أكثر كفاءة وعدالة، وهو ما يتطلب إجراء دراسة وافية تتضمن استعراضًا لمزايا وعيوب كل من الدعم العينى والدعم النقدى، وسبل التحول، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منه، وتجنب أى تداعيات سلبية.