حديث عن الشعور بالسعادة
على مدار التاريخ، ظل الناس يبحثون عن الوصفات الموثقة والمؤكدة النجاح للحصول على السعادة المطلقة. واليوم تنتشر وصفات السعادة على العديد من المواقع حتى أصبحت تجارة رائجة وجزءًا من الثقافة الشعبية. آلاف الدولارات تنفق على العلاج بالروائح، وعلم طاقة المكان المعروف بالفانج شواى «إحدى الممارسات الصينية المعنية بترتيب الأشياء داخل الغرف على وجه يحقق الرضا النفسى»، وحضور الندوات التحفيزية، وشراء الكريستالات المحسنة للمزاج، «نظام فليتشر الغذائى» الذى يقول: إن مضغ كل قطعة من الطعام ٣٢ مرة «أى مرة لكل سِنّة» سيحقق لنا الصحة والسعادة، يناقش كتاب «أشهر ٥٠ خرافة فى علم النفس: هدم الأفكار الخاطئة الشائعة حول سلوك الإنسان»، هذه الصيحات ويوضح مدى انتشار فكرة: أن سعادتنا تتوقف إلى حد بعيد على ظروفنا الخارجية. وأن هذه الفكرة الأساسية تقف وراء الكثير من المعتقدات الشائعة فى علم النفس الشعبى، تقول هذه الفكرة إنه من أجل أن نحصل على السعادة، لا بد أن نعثر على «التركيبة» المناسبة لها، التى توجد فى الأساس بالخارج. وتتضمن هذه التركيبة الكثير من المال غالبًا، ومنزلًا رائعًا، ووظيفة عظيمة، وعددًا من الأحداث الممتعة فى حياتنا.
ويعود هذا الرأى إلى القرن الثامن عشر، إذ ذكر الفيلسوفان البريطانيان جون لوك وجيريمى بينثام أن السعادة هى النتيجة المباشرة لعدد من الأحداث الإيجابية التى يعايشها الأشخاص.
ويورد الكتاب رأيًا لمارثا واشنطن، «أول سيدة أولى» لأمريكا، يتعارض بشدة مع الكثير من الثقافة المعاصرة الشهيرة، وينص على أن: «الجزء الأكبر من شعورنا بالسعادة أو بالتعاسة يعتمد على مواقفنا وليس على ظروفنا».
ويؤكد ذلك ما كتبه شكسبير فى مسرحية هاملت: «ليس هناك شىء سيئ أو جيد، ولكن تفكيرنا هو الذى يجعله كذلك».
ويؤكد المؤلفون: أن سعادتنا تتأثر بسماتنا الشخصية ومواقفنا أكثر من تأثرها بتجاربنا فى الحياة، وتتأثر بدرجة كبيرة بتكويننا الجينى. وتشير بعض الدراسات إلى أن الجينات تسهم إسهامًا كبيرًا فى الشعور بالسعادة، وتزيد من احتمالية أن كلًا منا وُلد ولديه «نقطة ضبط» محددة خاصة بالسعادة، أو بمعنى آخر مستوى أساسى من السعادة يتأثر بجيناته ويعلو أو يهبط عنه وفقًا للأحداث قصيرة الأجل فى الحياة، ولكن ما إن يتكيف مع هذه الأحداث يعود مرة أخرى إلى هذا المستوى. فمثلًا، رابحو الجوائز الكبرى فى مسابقات اليانصيب يطيرون من السعادة فور حصولهم على الجائزة الكبرى، ولكن ما إن يمر شهران حتى تنخفض معدلات السعادة التى يشعرون بها لتتماثل مع المعدلات التى يشعر بها الآخرون. وأعضاء هيئة التدريس الشباب الذين حُرموا من التثبيت فى العمل وفقدوا وظائفهم، تحطموا بعد تلقيهم الأخبار، ولكن فى غضون سنوات قليلة أصبحت مستويات سعادتهم تتماثل مع أعضاء هيئات التدريس الشبان الذين ثُبتوا فى وظائفهم.
وهذا يؤيد ما أطلق عليه فيليب بريكمان ودونالد كامبيل اسم «مشّاية المتعة». فمثلما نسرع فى تعديل سرعة مشينا أو ركضنا لتتماشى مع سرعة سير المشّاية الكهربائية أو جهاز السير فى المكان «لأننا إذا لم نفعل فسنسقط على وجوهنا»، حيث تتأقلم حالتنا المزاجية سريعًا مع معظم ظروف الحياة.
ويشكك كتاب: «أشهر ٥٠ خرافة فى علم النفس: هدم الأفكار الخاطئة الشائعة حول سلوك الإنسان»، فى صحة الرأى الشائع القائل إن المال يمكن أن يشترى لنا السعادة.
وهو الرأى الزائف الذى يروج له الكثير من الكتب الإرشادية إلى توجهنا إلى كيفية تحقيق السعادة بالمال. بلغ متوسط معدل الشعور بالرضا عن الحياة لدى أغنى ٤٠٠ أمريكى ذكرتهم مجلة «فوربس» ٥٫٨ من ٧ نقاط، وهو المتوسط نفسه لمعدل الشعور بالرضا عن الحياة لدى «طائفة الأميش» ببنسلفانيا على الرغم من أن متوسط دخلهم السنوى يقل عن أغنى ٤٠٠ أمريكى بعدة ملايين من الدولارات. فالأشخاص الذين تزيد دخولهم عما يكفى للنفقات الأساسية مثل الطعام والسكن تختفى تقريبًا عندهم العلاقة بين السعادة والمال.
وحتى مع الأحداث المصيرية مثل: الانفصال أو وفاة شريك الحياة أو التسريح من العمل يتأقلم معظم الناس فى النهاية مع مرور الوقت بصورة كاملة تقريبًا.
فالسعادة ترتبط بما نصنعه بحياتنا ونحققه فيها على الأقل بقدر ارتباطها بحياتنا نفسها.