دلوقتى ولا فى سبتمبر
لا أعرف ماهية الخيال الذى دفع عمنا صلاح جاهين وهو يتغزل فى الربيع أن يستنكر تأجيل الأفراح إلى سبتمبر.. لا أعرف لماذا يرتبط هذا الشهر فى أذهان العامة بأنه شهر السكون والغربة والحزن.. على كل حال أحاول فى كل عام أن أستبعد أنه بداية تساقط أوراق الشجر، وأنه مقدمة لشيخوخة قادمة لا محالة.. وكلما تذكرت أنه شهر رحيل بليغ حمدى سيد الألحان فى بلدى وبلاد العرب أجمعين.. أستغفر الله لى ولكم، وأتشبث بمقولة صعيدية سمعتها صغيرًا: ما تعاديش الأيام تعاديك.. لكن يبدو أن شركة الكهرباء فى الجيزة تصر على أن نحزن.
منذ ربع قرن أعيش فى شقة صغيرة بحى شعبى.. ولا أود مغادرته.. ولا أستطيع أيضًا.. ولأنها شقة بسيطة بطبيعة الحال.. أستهلك الكهرباء فى حدود العادى.. عندى تكييف واحد صغير الحجم والقيمة، وسخان ماء، لأننى أخاف من سخانات الغاز، وكفى.. فكيف تطالبنى شركة الكهرباء بألفى جنيه ونصف دفعة واحدة؟.. إنه ربع مرتب موظف كبير بالحكومة بالحوافز والبدلات.. الأمر ليس مقصورًا علىّ بالتأكيد.. ولا على جيرانى ومن هم فى مثل حالتى.. الكثيرون قرروا استبدال العدادات القديمة بعدادات الكارت؛ ربما كان العيب فى العداد.. والأغلبية قررت سرقة التيار بالعند فى إعلانات الشركة.. السرقة يعرف البعض كيف يقننها ولن يكشفها خبراء الكهرباء.. أما أمر الحلال والحرام فقد تكفل به أحد شيوخ التيك توك، وأحل سرقة كهرباء الحكومة؛ ما دام مش عارف تاخد حقك.
كونى عنيدًا ومش غاوى وجع قلب.. ولأننى لا أحب مشايخ التيك توك ولا أثق بهم.. أكتفى بأن أشكو الشركة إليكم فى ليل سبتمبر؛ ربما تختشى على دمها وتتخلص من ألاعيب بعض موظفيها الذين يبحثون عن التارجت؛ ليحصلوا على حوافزهم بإدخالنا فى شرائح أكبر من استهلاكنا الحقيقى.
سألت المحصل، وهو رجل طيب ومهذب: وهل تقبل الشركة التقسيط؟.. فأخبرنى ربما.. وعاودت السؤال: لماذا ربما؟.. فقال إن وجدت أنها حالات قليلة ستفعل.. لكن الاتجاه هو التحصيل كاش أو شيل العداد.. قلت فى سرى يشيلوه رغمًا عن أنف زوجتى التى ترفض تمامًا التغيير إلى العدادات الجديدة؛ لأنها لا تجيد التعامل معها، ولأنها تخشى من السيستم.
ليست الكهرباء وحدها سبب أحزان وغمقان سبتمبر.. أكذب لو حمّلت شركة الكهرباء الأمر برمته.. لكن أصحاب المدارس الخاصة الذين رفعوا أسعارهم بمزاجهم وأجبرونا على دفع ثلثى أقساط المدارس مرة واحدة، وقبل أن يبدأ العام الدراسى.. يتفننون فى مضايقة الأهالى.. لقد قرروا تغيير الزى المدرسى أيضًا، وحددوا مولات بعينها للشراء منها وبأرقام مبالغ فيها.. ربما كان أصحاب مدرسة نجلى هم سبب إضافى للحزن وليس سبتمبر.
منذ أسبوع وأكثر وأنا أتلقى الاتصالات من معارف وأقرباء وأصدقاء من محافظات مختلفة يشكون اختفاء أدوية بعينها، أبرزها أنواع من الإنسولين وبعض أدوية الأورام.. وكلما سألت صديقًا له صلة بالأمر أخبرنى بأن شركات الدواء تضغط على الحكومة وتمارس ألعابًا قذرة فى هذه السوق طمعًا فى أسعار جديدة مرتفعة.. سلمت الأمر لله ودخلت إلى الصيدلية لتسلم علاجى الشهرى.. ففوجئت بأن أكثر من ثلثيه غير موجود وليس أمامى إلا أدوية بديلة لا أعرف مدى تأثيرها على جسدى.. أخذتها ومضيت، وبعد أن تناولت جرعاتها الأولى أصابنى ما أصابنى من دوار ودوخة وغثيان.. فنمت مضطرًا وأنا أغنى مع سعاد حسنى: أُمال هنفرح إمتى أُمال.. دلوقتى ولا فى سبتمبر.