القوة المصرية التركية وتغيير موازين الإقليم والمنطقة
زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تركيا ولقاؤه مع الرئيس رجب طيب أردوغان ليست زيارة عادية بالمفهوم السياسى المتعارف عليه، وليست من باب توطيد العلاقات بين البلدين وكفى، وإنما هذه الزيارة لها مغزى شديد الأهمية فى ظل هذه الظروف الراهنة التى تمر بها المنطقة. وقد تمثل ذلك فى البنود الأساسية لمجلس التعاون الاستراتيجى بين البلدين، والذى تم توقيعه وتضمن ٣٦ بندًا تؤكد أهمية العمل المشترك بين البلدين فى جميع المجالات والقضايا التى تشغل المنطقة والإقليم. إن زيارة الرئيس السيسى ولقاءه الرئيس التركى تدل دلالة قاطعة على تحول جديد ليس فى العلاقات بين البلدين، إنما فى اتخاذ المواقف المشتركة تجاه القضايا الإقليمية. وهنا يأتى دور البراعة المصرية فى اتخاذ القرار فى الوقت المناسب.
صحيح أن هذه العلاقات بين مصر وتركيا بدأت بدايات على تمهل وانتهت بترفيع العلاقات السياسية بين البلدين وزيارة الرئيس التركى إلى مصر فى فبراير الماضى. لكن الأهم من ذلك كله هو قيام الرئيس السيسى بزيارة تركيا فى هذا التوقيت لما لها من العديد من المغازى فى ظل التهاب المنطقة واشتعال الإقليم بشكل يدعو إلى الوقوف مليًا أمام هذه القضية بعين فاحصة. والحقيقة التى يجب ألا تغيب على أحد أن التقارب والالتحام فى العلاقات بين مصر وتركيا يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك أن الرؤية المصرية بعد ثورة ٣٠ يونيو صائبة ١٠٠٪. وتتحرك بمعايير وطنية بالدرجة الأولى، وهذه الزيارة فى هذا التوقيت لها دلالة قوية وقاطعة على توطيد أسس التعاون، خاصة فيما تضمنه البيان الاستراتيجى الأول الذى ضم العديد من الموضوعات والقضايا. أعتقد أن هذا البيان لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وتحدث عنها، وبالتالى هناك خطة عمل دءوبة خلال الفترة المقبلة فى ظل اشتعال المنطقة، وقد رأينا فى البنود الأخيرة حديثًا صريحًا وواضحًا عما يحدث من الحرب الإسرائيلية الغاشمة، وكيفية الاتفاق بين البلدين الكبيرين على عدة أمور، أبرزها على الإطلاق التمسك بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، إضافة إلى أمر بالغ الأهمية أيضًا هو التنديد والرفض القاطع بكل السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطينى، سواء فيما يتعلق بالحرب الغاشمة على غزة أو الضربات العسكرية الأخيرة على قطاع الضفة الغربية.
وكان هناك تطرق واضح وصريح بشأن القدس والرفض القاطع لكل المخططات الصهيونية التى تقوم على عملية الاستيطان وتهويد المدينة المقدسة.
كل هذه الأمور لها دلالة قاطعة على أن الفترة المقبلة فترة حزم وحسم، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تتخلى مصر ولا تركيا عن أداء دوريهما تجاه قضايا الإقليم وتفعيل بروتوكولات عمل كثيرة خلال المرحلة المقبلة، ما يعطى زخمًا وقوة كبرى للدولتين فى مواجهة تحديات كثيرة، سواء كانت فى القارة الإفريقية فيما يتعلق بالغذاء والمياه أو فيما يتعلق بالمناخ والبيئة أو فيما يتعلق بشتى الأمور.
وكما قلت من قبل فإن نتائج القرارات التى تمت فى المجلس الاستراتيجى الأعلى بين الدولتين، أخذت منحنى جديدًا لم تأخذه الدولتان من ذى قبل. والمعروف أن علاقة مصر بتركيا منذ قيام الجمهورية التركية على يد كمال أتاتورك عام ١٩٢٣، تؤكد أنها علاقات متجذرة، وتعطى قوة للمنطقة بأكملها والإقليم بأسره. وبالتالى كل ما نستطيع قوله إن النتائج ستعود آثارها الإيجابية فيما هو مقبل. واللافت للأنظار أن الحديث تطرق أيضًا إلى ليبيا وسوريا والسودان والعراق، والاتفاق المصرى التركى، فيها سيعطى لها نتائج بالغة الأهمية على المدى القريب إن شاء الله.
اهتمام مصر وتركيا بقضايا الإقليم بات ذا أهمية ويعطى زخمًا قويًا فى تغيير أحداث كثيرة قد لا تخطر على بال أحد، والقوة المصرية التركية بدا لها دور بالغ الأهمية خلال المرحلة المقبلة وستغير الكثير من المفاهيم، لأن العلاقات المصرية التركية ليست وليدة صدفة، وإنما علاقات قائمة على مواثيق وأسس راسخة. صحيح أنه فى فترة من الفترات قد شاب هذه العلاقات الفتور والتغير وما شابه ذلك لأسباب ليس الآن مجال لذكرها. أما الآن فنحن أمام قوة جديدة متمثلة فى مصر وتركيا ستعيد للمنطقة هيبتها من جديد، والأيام ستكشف ذلك.