تضامن غير مسبوق
لم تشهد مصر تضامنًا عربيًا وإقليميًا، بل ودوليًا مثلما يحدث معها على جميع الأصعدة والأزمات والمواقف التى تتعرض لها حاليًا.. ففى الوقت الذى أطلق فيه رئيس الوزراء الإسرائيلى ادعاءاته وأكاذيبه بأن مصر تساند المقاومة الفلسطينية بشكل أو بآخر كشفت مصر عن الوجه الكذوب لهذا القاتل، وأكدت فشله فى عدم قدرته على السيطرة على النجاحات والضربات التى توجهها حركة حماس، خاصة على ضوء مقتل 6 من الرهائن التى كانت تحتجزهم للتفاوض عليهم فى وقف القتال والتدمير فى قطاع غزة، والإفراج عن مجموعات من الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن الرهائن.. ومنذ هذا الحادث والإضرابات والاعتصامات لم تهدأ فى إسرائيل وعلى جميع الأصعدة، سواء بين أهالى الرهائن أم المواطنين الإسرائيليين الذين سرت بينهم قشعريرة الخوف من المصير المجهول، الذى يقودهم نتنياهو حاليًا إليه، والذى يسير فيه ضد التيار الداخلى، الذى ينادى بوقف إطلاق النار، والإفراج عن المحتجزين، فضلًا عن الدعوات إلى إجراء انتخابات جديدة؛ بهدف الإطاحة بالحكومة اليمينية الحالية، خاصة بعد توجيه الاتهامات إليه مرارًا وتكرارًا منذ فترة طويلة بالمماطلة فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس، بل إن العديد منهم اتهمه اتهامًا مباشرًا بأنه السبب الرئيسى لمقتل العديد من الإسرائيليين بسبب عناده وتعنته؛ أملًا فى تحقيق أى انتصار سياسى أو أمنى له، وهذا لن يتحقق إطلاقًا فى عهده المشئوم.. المهم هنا هو ذلك الموقف العربى الموحد، الذى أعلن تضامنه مع الدولة المصرية ورفضه جميع الأكاذيب والادعاءات الباطلة التى يحاول ترويجها؛ للتأثير على الموقف المصرى فى المفاوضات الخاصة بالوضع فى فلسطين، ورفضها الكامل للوجود الإسرائيلى، سواء فى معبر رفح أو محور فيلادلفيا بشكل قاطع وحاسم.. حيث شكلت رسائل التضامن العربى مع مصر ضد تصريحات نتنياهو الاستفزازية حائط صد واصطفافًا عربيًا غير مسبوق مع مصر فى محاولاته اليائسة لتشويه الدور المصرى الريادى والتاريخى فى المنطقة، وجهودها الواضحة فى الوساطة لحل الأزمة فى غزة وإنهاء معاناة الشعب الفلسطينى، حيث أكدت جامعة الدول العربية- لسان حال الوطن العربى- أن محاولات نتنياهو تستهدف التغطية فى رغبته على إطالة أمد الحرب لأسباب سياسية وشخصية وطالب السيد أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، الأطراف الدولية لممارسة الضغوط على إسرائيل؛ للتوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار فى أسرع وقت ممكن.. وفى ذات الاتجاه كان الموقف السعودى والقطرى، بل وجميع الدول الأعضاء فى مجلس التعاون الخليجى، حيث أعلنت جميعًا رفضها لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى غير المسئولة، التى لا تخدم السلام فى المنطقة، بل وتسهم فى زيادة التوتر وتفاقم الأوضاع، وأكدت ضرورة التزام إسرائيل بالمبادئ الدولية والاتفاقيات الموقعة، وكذلك وقف النهج العدوانى على الشعب الفلسطينى فى غزة وجميع المناطق الفلسطينية، ولم يغفل البيان الصادر من المجلس ذلك الدور المحورى والمهم الذى تقوم به مصر فى تعزيز الاستقرار الإقليمى والدولى، من خلال الجهود المتواصلة فى الوساطة لتحقيق التهدئة فى المنطقة.. وفى بيروت أصدرت الخارجية اللبنانية بيانًا تستنكر فيه تلك الإيحاءات والاتهامات الإسرائيلية وتثمن جهود مصر لخفض التصعيد فى المنطقة.. كذلك الحال بالنسبة للعراق، حيث انضم لحملة التضامن العربى مع مصر وأدان عرقلة الاحتلال جهود وقف إطلاق النار، وأكد تضامنه الكامل مع مصر فى مواجهة هذه المزاعم الباطلة ورفضه محاولات الاحتلال الإسرائيلى تزييف الحقائق وتضليل المجتمع الدولى عبر الأكاذيب المتعلقة بالشريط الحدودى بين قطاع غزة ومصر، مما ينذر بتصعيد خطير فى المنطقة.. وفى الأردن قالت الخارجية الأردنية إن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة وتهدف إلى عرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار الجارية، والتى تلعب فيها مصر دورًا رئيسيًا فى الوساطة بين الجانبين.
هكذا كان الموقف العربى الذى أكد التضامن والاصطفاف، بل والغضب والاستنكار والتأييد لموقف مصر تجاه القضية الفلسطينية، وهو موقف لم نشهده منذ عدة سنوات، لكنه يؤكد أن العرب فى وقت المحِن الحقيقية تتوحد مواقفهم وسياساتهم طالما كانت لصالح الأمن القومى لأى دولة منهم، خاصة إذا كانت مصر هى تلك الدولة التى تحملت وما زالت تتحمل الكثير والكثير من تداعيات الاحتلال الإسرائيلى الغاشم للأراضى الفلسطينية.
وفى زيارة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى التاريخية إلى تركيا كان الدعم الكامل لمصر تجاه المهاترات والادعاءات الإسرائيلية تجاه مصر، حيث أكدت أن نتنياهو يواصل أكاذيبه للتلاعب بالرأى العام؛ من أجل التغطية على جرائمه فى غزة ومنع وصول مفاوضات وقف إطلاق النار إلى نتيجته.. وهنا يجب أن أشير الى أن نجاح زيارة الرئيس إلى تركيا وتلك التصريحات الإيجابية المتبادلة بين الطرفين سوف تزعج أطرافًا عديدة بالمنطقة، على رأسها إسرائيل بالطبع.. ولا شك أن التوترات التى تشهدها المنطقة فى الوقت الحالى، والناتجة عن حرب الإبادة الجماعية التى تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى تتطلب تنسيقًا على أعلى مستوى بين الدولتين المصرية والتركية، وهو ما تناولته بالفعل مباحثات الرئيسين، التى اشتملت على كيفية التعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى يرفض إيقاف المذبحة فى غزة ويعاند حتى شعبه الراغب فى التوصل إلى حل لإعادة المحتجزين الإسرائيليين فى مقابل وقف المذابح.. وهنا نشير إلى ما جاء فى البيان الصادر عن الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجى بين مصر وتركيا بشأن الدعم التركى للموقف المصرى فى القضية الفلسطينية وتعزيز التعاون بين البلدين لإنهاء العدوان الإسرائيلى والمطالبة بالوقف الفورى له وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين وتدفق المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطينى.
أقولها وبكل الصدق والأمانة إن كل هذا الدعم والتضامن العربى والإقليمى لمصر ودورها فى القضية الفلسطينية لم يكن ليحدث إلا نتيجة تلك السياسة الشريفة والرشيدة التى ينتهجها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى جعلت مصر فى عهده مرجعًا حقيقيًا وواقعيًا ورئيسيًا وعن قناعة دولية أن القضية الفلسطينية، بل ومعظم قضايا المنطقة لن تجد لها طريقًا للحل إلا عن طريق سياسته الحكيمة الرائدة التى أعادت لمصر قوتها وهيبتها فى المنطقة العربية والإقليمية.