قمار بالملايين| «الدستور» تقتحم عالم المراهنات: تلاعب فى النتائج.. وانتحار بسبب الخسائر
مؤخرًا، انضمت ظاهرة المراهنات فى عالم كرة القدم إلى الآفات التى ابتلى بها عالم الرياضة المصرية، مع افتضاح التلاعب فى نتائج بعض المباريات، سواء على يد لاعبين أو مسئولى الأندية، خاصة فى دوريات القسمين الثانى والثالث، بل وصل الأمر إلى حد ارتكاب المراهنين جرائم بشعة أثناء بحثهم عن وسائل الكسب السريع.
ومع انتشار الظاهرة السلبية، التى أصبحت تمثل تحديًا ظاهرًا للدولة المصرية، تفتح «الدستور» هذا الملف الشائك، وتدق ناقوس الخطر، وتستعرض بعض الألاعيب والوسائل التى تتدخل بها شركات المراهنات للتأثير على الرياضة المصرية وتخريبها، داعية لتدخل حاسم وعاجل من جميع الجهات المسئولة، لمواجهة تلك الظاهرة، وإيقافها عن التغلغل فى المجتمع، بعد أن اتضحت تأثيراتها السلبية عليه، فضلًا عن المخالفات الكثيرة التى تشوبها، والتى يحرمها الشرع ويجرمها القانون.
البداية مباراة ودية للمنتخب قبل 14 عامًا.. و«الرعاية» طريق التأثير على «المظاليم»
ظاهرة المراهنات التى انتشرت، فى الآونة الأخيرة، داخل مصر، كانت بدايتها الحقيقية منذ ما يقرب من ١٤ عامًا، وتحديدًا قبيل مباراة مصر وأستراليا الودية، التى أقيمت فى نوفمبر من عام ٢٠١٠، وانتهت بفوز الفراعنة بثلاثية نظيفة.
ورغم أن المباراة كانت ودية، إلا أنه تم التلاعب فى نتيجتها، وذلك وفقًا لشهادة ويلسون راج بيرومال، وهو لاعب سنغافورى سابق احترف القمار والتلاعب فى نتائج المباريات، لدرجة أنه يؤكد تلاعبه فى نتائج نحو ١٠٠ مباراة دولية.
وقال «بيرومال»، فى مذكراته الشخصية، إن الحكم البلغارى أنتون جينوف، الذى أدار مباراة مصر وأستراليا الودية، احتسب ركلة جزاء لصالح منتخب مصر فى الدقائق الأخيرة من اللقاء، فيما توضح اللقطات التليفزيونية عدم وجود أى دفع من جانب اللاعب الأسترالى ضد اللاعب المصرى، ما ترتب عليه هدف أحرزه نجم الفراعنة محمد زيدان، لتنتهى المباراة بفوز منتخب مصر بنتيجة «٣-٠».
ويؤكد المقامر السنغافورى أن احتساب ركلة الجزاء تم؛ لأن المباراة كان ينبغى أن تنتهى بتلك النتيجة بالتحديد، كما أرادت شركات المراهنة التى تحدد نتيجة المواجهات سلفًا.
ورغم المطالبات الإعلامية وقتها للتحقيق فى تلك الواقعة، إلا أنه تم تجاهل الأمر فى النهاية، ومرت مرور الكرام، لكنها عادت لتطل برأسها من جديد عندما استحوذت شركة روسية على رعاية الاتحاد المصرى لكرة القدم، عن طريق أحد أشهر المسئولين فى الكرة المصرية، الذى لم يكن على علم كاف بطبيعة هذه الشركة.
ومع الوقت، تم اكتشاف طبيعة الشركة من قبل رئيس اتحاد الكرة وقتها، الذى لاحظ نشاط الشركة غير الطبيعى فى الدورى الممتاز، وتوغلها بطرق غير مباشرة فى الدوريات الأدنى.
وبعد تدخل من وزارة الشباب والرياضة ولجنة تقصى الحقائق تمت التوصية بفسخ التعاقد مع الشركة، خاصةً أن عمل مثل هذا النوع من الشركات غير مقبول فى مصر على الإطلاق، شكلًا وموضوعًا، بالإضافة لوجود شبهة التلاعب فى نتائج المباريات.
الغريب فى الأمر أنه رغم إصرار رئيس الاتحاد على فسخ التعاقد، عملًا بقرار لجنة تقصى الحقائق، إلا أن الشركة أكملت رعايتها للجبلاية بشكل طبيعى، بل صبت تركيزها على دوريات القسمين الثانى والثالث بشكل أكبر، وتسببت فى توجيه الفوز فى المباريات لصالح فرق بعينها، والاتفاق مع لاعبين من أجل «التفويت» للمنافس.
ووصلت المسألة إلى حد دخول بعض المراهنين بمبالغ طائلة لدورى القسم الثانى، على اعتبار أنهم رجال أعمال يستثمرون فى شراء الأندية وتوفير جميع المستلزمات للفرق الفقيرة، مثل الملابس والأدوات الرياضية، وهذا ما حدث مثلًا مع نادى المجد السكندرى، منذ أكثر من عام، عندما خرج رئيس النادى يدّعى أن أحد الوسطاء فى شركة مراهنات قد عرض عليه الهزيمة بنتيجة «١-٤» من أجل الحصول على مبلغ مالى قيمته ٤٠٠ ألف جنيه.
وهناك أيضًا الكثير من الوقائع فى دورى الدرجة الثانية، الذى صار بيئة خصبة للمراهنات، بسبب الإمكانات المادية الضعيفة للأندية واللاعبين.
ومن ضمن أشهر وقائع المراهنات فى الكرة المصرية ما حدث فى مباراة شباب طامية والألومنيوم، التى أقيمت يوم ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٢، والتى اكتشف فيها مدرب طامية أن بعض اللاعبين فى صفوف فريقه يتعاملون مع أحد المندوبين فى إحدى شركات المراهنات من أجل الخروج بنتيجة معينة من المباراة.
وحينها، قرر مجلس إدارة نادى طامية التقدم بشكوى لاتحاد الكرة ضد «أ.ر»، لاعب فريق الألومنيوم، و«م.س»، لاعب فريق مركز شباب طامية، وذلك لاتفاق الأول مع الثانى على تفويت المباراة لصالح الفريق الأول مقابل مبلغ ٣٠ ألف جنيه، وهو ما حدث بالفعل، وانتهت المباراة وفقًا لنتيجة المراهنة المحددة سلفًا بفوز الألومنيوم بنتيجة «٣-١».
كما تقدم المجلس ببلاغ فى النيابة ضد لاعب الفريق، ووقتها أعلن اتحاد الكرة عن إيقاف اللاعبين فى الدرجة الثانية.
بجانب استخدام المندوبين ووكلاء اللاعبين عملت شركات المراهنات على الوصول إلى مسئولى أندية القسمين الثانى والثالث، وإقناعهم بقبول المراهنة مقابل إعلانات على قمصان أنديتهم ورعايتها ماديًا.
وهذا ما حدث بالفعل مع فريق طهطا، عندما قدمت شركة «1Xbet» ملابس وأدوات ومعدات للتدريب، وكان الوسيط بين الشركة ومجلس إدارة النادى هو أحد وكلاء اللاعبين، الذى تم التقدم ببلاغ ضده من قبل إدارة النادى بعد التأكد من وجود شبهة مراهنات.
ولم تتوقف محاولات تلك الشركة على رعاية أندية بعينها، أو حتى التواصل مع أندية الأقاليم الفقيرة؛ من أجل تقديم الدعم المالى لها مقابل رعاية قمصانها، بل وصل الأمر إلى رعاية مباريات أيضًا فى الدرجة الثانية.
وظهر إعلان الشركة كراع لمباراة الترسانة وسيراميكا كليوباترا فى موسم ٢٠١٨/٢٠١٩، وحينها اضطر اتحاد الكرة لتوضيح أن رعاية المباريات تخص الفريق المستضيف وليس الاتحاد.
وكلاء اللاعبين وسيلة اختراق الدورى الممتاز.. وحسابات مزيفة لأندية كبرى على تطبيقات القمار
بالنسبة لعالم المراهنات فى الدورى الممتاز، فإن الأمر يختلف كثيرًا عن دورى الدرجة الثانية أو الثالثة، لأن دورى الأضواء والشهرة لا يضم أندية شديدة الفقر، ما يسهل التأثير عليها.
ولفهم الأمر، تواصلت «الدستور» مع أحد المصادر العارفة بخبايا وأسرار شركات المراهنات، والكشف عن طرق قيامها بالتأثير على نتائج الدورى.
وأوضح المصدر، خلال حديثه لـ«الدستور»، أن نشاط الشركة المذكورة سابقًا فى الدورى الممتاز بدأ عمليًا منذ قرابة ١٠ سنوات، لكن بشكل متحفظ وحذر، وذلك من خلال توزيع عدد من المندوبين التابعين لها والتواصل مع وكلاء اللاعبين المشهورين فى الوسط الرياضى أو المقربين من بعض اللاعبين لعرض الأمر عليهم.
وقال المصدر: «فى حال موافقة اللاعبين على المشاركة والقيام بعمليات المراهنة، يتم التواصل بين مندوبى الشركة واللاعبين المتورطين والاتفاق معهم على القيام ببعض الأمور فى المباريات، مثل التسبب فى أهداف أو الحصول على بطاقات صفراء أو حمراء مقابل الحصول على مبلغ محدد مسبقًا».
وكشف عن تورط أحد أندية الدورى الممتاز هذا الموسم ٢٠٢٣/٢٠٢٤، ومشاركة عدد كبير من لاعبيه، بل بعض أعضاء مجلس إدارته فى عمليات المراهنة، من خلال تدشين حسابات مزيفة على تطبيق المراهنة وتوقع نتائج المباريات، والحصول على عروض تصل إلى ١٠٠ دولار فى الشهر الواحد.
كما كشف عن تورط أحد لاعبى الأندية الكبيرة فى الدورى الممتاز فى تلك العملية بشكل غير مقصود، قبل أن يتدخل أحد أعضاء مجلس إدارة ناديه لتحذيره قبل الوقوع فى الفخ.
ويعد باسم مرسى، مهاجم نادى الإسماعيلى، أشهر من اعترف فى تصريحات صحفية بوجود مراهنات واتفاقات مع بعض اللاعبين؛ من أجل ارتكاب أخطاء فى دقائق معينة من المباريات أو الحصول على كروت صفراء أو حمراء من أجل كسب المال.
وأوضح مهاجم الإسماعيلى أن اللاعب، وفقًا للمراهنة، قد يحصل على مبلغ ٢٠ ألف جنيه مقابل الحصول على كارت أصفر فى دقيقة معينة، أو التسبب فى استقبال فريقه أهدافًا من أجل أموال.
ووفقًا للمصادر، فإن عدد المشتركين بالمراهنات فى مصر يصل إلى ١٠ ملايين مواطن، ويتورط فيها لاعبون ومسئولون من داخل المنظومة، ومواطنون من عامة الشعب، خاصة من محافظات الصعيد، ومن الباحثين عن الربح السريع.
وتسببت تلك الآفة فى حدوث عدد من الجرائم، منها قيام مدرس بقتل تلميذه، لرغبته فى الحصول على فدية من ذويه بعد علمه بمقدرة والده المالية؛ نظرًا لتعرضه لخسارة مالية كبيرة نتيجة مشاركته وتعامله مع تطبيق المراهنات الرياضية.
كما انتحر شاب منذ أسابيع قليلة بعد خسارته مبلغ ٥٠ ألف جنيه فى لعبة مراهنات إلكترونية، تُدعى «أوليمبيك ترند»، ما أدى لإصابته بأزمة نفسية حادة انتحر على إثرها.
وهناك أيضًا حادثة الأب الذى اختطف ابنته كوسيلة منه لابتزاز عائلته والحصول على فدية، بعد تعرضه لخسائر فادحة فى تطبيقات المراهنات، ما أسفر عن قتله ابنته ورمى جثتها فى مصرف مياه.
مناشدات للجهات الرقابية بمنع التطبيقات المشبوهة فى مصر
أكد الدكتور صفوت عمارة، الواعظ بالأزهر الشريف، أن قضية المراهنات تعد قضية خطيرة للغاية، أصبحت تهدد المجتمع المصرى فى ظل إقبال كثير من الشباب عليها، مشيرًا إلى أن مواقع الربح السريع والمراهنات تعد جزءًا من مخططات أهل الشر لتدمير الشباب العربى.
وشدد على أهمية دور الإعلام فى توعية المجتمع، سواء على الجانب الثقافى أو حتى الجانب الدينى، من أجل مواجهة تلك الظواهر السلبية حتى تندثر تمامًا، مشيرًا إلى أن دور الإعلام فى توعية الأطفال والشباب فى الوقت الراهن أصبح أهم من دور الأسرة، الذى يتضاءل كثيرًا كلما كبر الطفل الصغير واحتك بالعالم الخارجى.
واستشهد الواعظ الدينى بالحديث الشريف عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال «الحَلَالُ بَيِّنٌ، والحَرَامُ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشَبَّهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ فى الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أنْ يُوَاقِعَهُ، ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا إنَّ حِمَى اللَّهِ فى أرْضِهِ مَحَارِمُهُ، ألَا وإنَّ فى الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهى القَلْبُ. متفق عليه».
ولمواجهة ذلك، أكد مصدر داخل وزارة الشباب والرياضة ضرورة التعاون مع اتحاد الكرة فى هذا الملف، للحد من انتشار تلك الظاهرة السلبية، موضحًا أن وزارة الشباب والرياضة تتخذ إجراءات حاسمة حال ثبوت أى تجاوز.
كما شدد على ضرورة التعاون مع وزارة الاتصالات والبنك المركزى، وتدخل الجهات الرقابية فى الدولة؛ لمنع تداول تطبيقات المراهنات نهائيًا فى مصر، ومنع سحب أو إيداع أى أموال لمثل هذه التطبيقات، ومعاقبة أى مسئول يشارك فيها.