رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السودان فى قلوبنا

جاء لقاء السيد بدر عبدالعاطى وزير الخارجية، مع السيد حسن عوض وزير خارجية السودان، ليؤكد أن ما بين مصر والسودان علاقات تاريخية ليس لها نظير بين أى دولتين على سطح الكرة الأرضية على مر العصور.. فالارتباط بينهما يشمل كافة مناحى الوجود، سواء كان وحدة الدم أو التاريخ أو المصير أو الثقافة وأيضًا المستقبل، وهو ما يجعل الأمن القومى للبلدين جزءًا لا يتجزأ، ويكفى أن شريان الحياة "نهر النيل" يربط بيننا برابط الوجود ذاته.. ومن هنا كان اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بمتابعة ما يحدث فى السودان عن كثب وعلى مدار الساعة دافعًا لاستضافة أى مؤتمر أو تجمع يهدف إلى إنقاذ السودان من حالة الانقسام التى يعانى منها والحرب الأهلية الدائرة هناك بين الجيش السودانى وما يسمى قوات الدعم، والتى انطلقت شرارتها فى 15 أبريل 2023، وراح ضحيتها آلاف القتلى والمصابين فى حرب سودانية- سودانية للأسف الشديد، بالإضافة إلى وجود ما يقارب من 18 مليون سودانى يعانون من الفقر والجوع الحاد.
احتضنت مصر مؤخرًا مؤتمرًا دوليًا حضره الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أكد أهمية السودان بالنسبة لمصر، وضرورة العمل لوقف الحرب الدائرة به ومعالجة الأوضاع الإنسانية هناك، وأن تكون هناك رؤية سياسية مشتركة بين أطراف النزاع لتحقيق الاستقرار والأمن فى السودان.. كما شدد الرئيس على أهمية إعلاء المصلحة الوطنية للتوصل إلى حل للأزمة غير المسبوقة التى يعيشها السودان الشقيق.. وقد أشار البيان الذى صدر عن هذا المؤتمر إلى أن القوى السياسية التى شاركت فى المؤتمر، والتى تمثل فيها معظم القوى السياسية السودانية، توافقت على ضرورة العمل على وقف القتال وتغليب دور العقل ومصلحة البلاد فوق أى اعتبارات أخرى، والعودة إلى سودان جديد موحد للحفاظ على مقدرات الدولة السودانية التى تمتلك مقومات واعدة تمكنها من تحقيق الاكتفاء الذاتى، والدفع بالسودان نحو مصاف الدول القوية والفاعلة فى محيطها العربى والإفريقى.
والغريب هنا، والذى يؤكد أن مصر والسودان تواجهان مقاومة كبيرة لتنسيق المواقف بينهما والعمل على إيجاد تصور موحد لوقف نزيف الدماء بين الفرقاء السودانيين، أنه ما إن عادت الوفود السودانية إلى الخرطوم، وبعدما اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى بالرئيس السودانى عبدالفتاح البرهان، حتى وصل الرئيس الإثيوبى أبى أحمد إلى السودان واجتمع مع الرئيس السودانى لعدة ساعات، اتفقا خلالها على ضرورة تنسيق المواقف بين السودان وإثيوبيا وتقديم كافة التسهيلات المطلوبة من الجانب الإثيوبى إلى السودان، فى محاولة واضحة لسحب القضية السودانية من دائرة الاهتمام المصرى بها إلى دائرة الاهتمام الإثيوبى، خاصة أن إثيوبيا لها تدخلات عسكرية على الحدود بين البلدين، بالإضافة إلى تحكمها فى سد النهضة واحتياج السودان إلى المياه المتدفقة من خلالها، وأغلب الظن أن هناك قوى خارجية طلبت من الرئيس الإثيوبى القيام بتلك الزيارة، وذلك فى إطار الضغوط التى تمارس على مصر من الجنوب والموقف الإثيوبى المتعنت فى مباحثات سد النهضة.
يأتى هذا فى الوقت الذى تحاول فيه القوى المعادية لمصر فى الخارج والداخل تأجيج المشاعر بين السودانيين الذين حضروا إلى مصر هروبًا من الحرب الدائرة هناك، وبين أشقائهم المصريين، وذلك لتعكير صفو العلاقات السودانية- المصرية، حيث تصاعدت على وسائل التواصل الاجتماعى نداءات مجهولة المصدر تنادى بعدم السماح للأشقاء السودانيين بدخول البلاد أو تقنين إقامتهم بها بدعاوى عنصرية، متجاهلة بذلك التاريخ المشترك والأخوة الضاربة فى أرض وادى النيل بين البلدين.. ومن هنا فإننا يجب أن نحذر من انتشار هذه الدعاوى التى لن تجلب سوى توتر الأوضاع بين الأشقاء هنا وهناك.. ونؤكد أيضًا أن تلك المحاولات لن تنجح سواء على المستوى السياسى أو الشعبى، على الرغم من محاولات دول الجوار الأخرى للعمل على زيادة مساحة تواجدها فى السودان فى سبيل تحقيق أكبر قدر من الاستفادة الاقتصادية التى تتمتع بها طبيعة الأراضى الزراعية فى السودان.
لقد لاحظت على مدى الأيام الماضية محاولات البعض بشكل شبه ممنهج ومنظم على السوشيال ميديا ببث بعض المشكلات الفردية للسودانيين المتواجدين فى القاهرة باعتبارها سلوكًا من السودانيين ضد مصر، وما صاحب ذلك من انتشار العديد من الوقائع السلبية المختلفة المسيئة لمصر، وبشكل غير مبرر، لتلغيم العلاقات بين الشعبيين.
وهنا فإننى أجد من واجبى ضرورة التنبيه بعدم الانجرار لمثل تلك الشائعات والحكايات التى لا تهدف إلا لإثارة الرأى العام وإحداث شكل من أشكال الفوضى والتوتر وعدم الاستقرار، وهو ما تتمناه القوى المعادية فى الخارج، والتى تحاول الضغط على مصر بأى صورة من الصور.. ولكن يبقى أخيرًا أن الشعب السودانى هو أقرب الشعوب المجاورة للعقل والوجدان المصرى، ونتمنى للسودان ألا يتحول إلى ملعب جديد لبعض الدول التى ترى فى وجودها هناك تحقيق المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية.