رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشقاء تاو فى ملاعب مصر

مَن ينكر أن لعبة كرة القدم صارت جزءًا من الحياة الحديثة يتجاوز الواقع.. ومَن يتجاهل أنها أصبحت صناعة خطرة منذ سنوات ليست قليلة فقد تجاوز الواقع نفسه.. لهذا تهنا فى تفاصيلها الصغيرة دون أن ندرك كيف تسللت هذه المستديرة إلى مخ الحياة اليومية وأقعدته عن أى تفكير عاقل يعود بها إلى سيرتها الأولى.. مجرد لعبة نستمتع بها لسويعات قليلة ثم نعود سيرتنا الأولى كبشر نسعى فى مشارقها ومغاربها.. أصبح الأمر مستحيلًا الآن وبعيدًا جدًا إن أردنا ذلك ولا حل لنا إلا بتقويم جموحها لتظل فى حدود آمنة لا تدمر حياتنا.. ولنستفيد من سطوتها وقدرتها المهولة فى التأثير على الجماهير.. فيما يفيد مخاليق الله. 

فى ظنى أن أول ما تسعى له الحكومات والدول فى هذا الشأن هو دمج المجموع فى الواحد الصغير الذى سميناه الوطن.. وشاورنا عليه بعزف السلام له فى مطلع كل مباراة.. صارت الرياضة عمومًا وكرة القدم بشكل خاص أقرب الطرق إلى عقل وقلب الناس ليسكن ذلك الغامض الواضح الذى نسميه الانتماء.. الانتماء إلى وطن نحلم به فى مكان أفضل فيما بين المتنافسين على محبة أوطانهم.. وحتى لا تتحول مباريات الكرة إلى ملهاة لا طائل منها.. بل قد تصبح عمدًا إحدى وسائل التشرذم والتفتيت.. والانسحاق.

أمامنا طريقان إذن فى التعامل مع هذه المجنونة التى اخترعناها فى القرن قبل الأخير لنتسلى بها.. فإذا هى تتسلى بنا وبحركة أعصابنا وأيامنا.. فلتكن إذن إحدى وسائل تميزنا واقترابنا من ملامحنا كأبناء بلد يسعى إلى الخروج من صحراء جدباء إلى براح الأخضر فى مستقبل قريب. 

بهذا الفهم تزعجنى تلك التسريبات التى تتردد فى جنبات نادى الأهلى عن طلبه زيادة مشاركة الأجانب فى الفرق المصرية إلى سبعة لاعبين.. قد يبدو الأمر عاديًا ومتكررًا.. لا خطر منه، بل إنه سيدر على الأندية أموالًا.. وبطولات جديدة.. وهذا صحيح فى ظاهره.. ومن حق الأندية التى تنفق المليارات أن تبحث عن المليارات.. لكن ما لا يدركه هؤلاء الباحثون عن العمولات والسمسرة وعن الألقاب التى يخزنونها فى الدواليب مثلما يخزنون الأخضر فى البنوك.. وفى عقاراتهم وسياراتهم.. أنهم يذهبون بالهدف الذى نمارس الكرة من أجله.. منتخب مصر.. بالبلدى كده.. إذا ما سمح تجار الكرة فى الوزارة والاتحاد بهذه المهزلة فلن تجد مصر لاعبين لمنتخبها بعد أقل عدد من السنوات.. وهيطلع مجاهيل السوشيال يقولوا وإحنا مالنا.. يعنى إحنا كان عندنا منتخب أصلًا.. هذا اللغو الفارغ هو بداية انهيار فكرة أن يلتقى المصريون على هدف حتى وإن كان مباراة كرة. 

الانجراف وراء دعاوى العنصرية والجهوية.. والأهلى والزمالك.. سيكون البداية لخراب أكبر.. مثلما حدث عندما تركنا السينما والمسرح والفنون لشوية تجار حتى بتنا نولول على القوى الناعمة التى افتقدناها.. حذارِ من الانسياق لما يفكر به الخطيب ومجلسه وبعض المضاربين فى بورصات الكرة.. رحمة بأجيال قادمة تقاوم حتى النفس الأخير للبقاء فى ظل ما نسميه الوطن.

لقد فرح المصريون بكل تنويعاتهم بوجود محمد صلاح.. وتحولت المقاهى لسنوات لتشجيع ليفربول.. ليس لأنه ليفربول.. ولكن لأنه الفريق الذى يضم محمد صلاح المصرى.. الذى يحقق لنا يومًا تلو يوم انتصارًا نفسيًا نحتاجه لنعرف أننا نستطيع أن نتفوق.. وفرح المصريون الأسبوع الماضى بكل تنويعاتهم بإبعاد بعض الوجوه التى تجاوزت حدود الرياضة وأفسدت المناخ العام وكان فرحهم أكبر بما جاء فى بيان المتحدة بأنها بداية وقف، لضبط المفكوك فى مفاصل هذه الصناعة.. وأتصور أن من يفكرون فى قرار زيادة الأجانب فى ملاعبنا لم يدرك أحدهم مدى حاجة المصريين لاستعادة الخطوط الصحيحة وليس العكس.