رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحكومة الجديدة والوضع الاقتصادى: ما وراء الأرقام

مع تشكيل الحكومة الجديدة وتغيير المحافظين، يسود الشعب المصري شعور بالتفاؤل. لم يكن هذا التفاؤل مبنيًا على آمال غير ملموسة، بل على تصريحات رئيس الوزراء حول تخفيف أحمال الكهرباء وتأكيده على حل المشكلة نهائيًا خلال الأسابيع القادمة. لاحظ المواطنون بالفعل تقليل ساعات انقطاع التيار الكهربائي، مما يمثل بداية لتحسن ملموس في حياتهم اليومية.

لكن التحسن في قطاع الكهرباء ليس إلا جزءًا من الصورة الأكبر. إذا نظرنا إلى مؤشر مديري المشتريات، الذي ارتفع إلى 49.9 نقطة، نجد أنه يعكس انتعاشًا في قطاعات التصنيع والبناء والخدمات. هذه القطاعات تمثل عصب الاقتصاد، وارتفاع هذا المؤشر إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات يعني أن هناك نشاطًا اقتصاديًا متزايدًا. إنه يشير إلى زيادة الإنتاجية وتحسن الظروف التجارية، مما يعزز الثقة بين المستثمرين والشركات. ليس فقط المستثمرين المحليين، بل الدوليون أيضًا، الذين يرون في هذا التحسن فرصة لدخول السوق المصرية أو التوسع فيه.

وعندما نتحدث عن الثقة الدولية، لا يمكننا تجاهل زيادة الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي إلى 46.4 مليار دولار، وهو الأعلى في تاريخ مصر. هذا الرقم ليس مجرد رقم في دفاتر الحسابات، بل هو مؤشر على الاستقرار المالي والقدرة على مواجهة الأزمات. يعزز هذا الاحتياطي من استقرار الجنيه المصري ويزيد من قدرة الحكومة على التدخل في الأسواق المالية عند الحاجة، مما يبعث برسالة طمأنة للمستثمرين الأجانب والمحليين.

ولكن الاستقرار المالي لا يتوقف عند هذا الحد. انخفاض حجم الدين العام الخارجي إلى 160.6 مليار دولار يعكس نجاح الحكومة في تخفيف الأعباء المالية على الدولة. هذا التخفيض يترجم إلى تكاليف أقل للفوائد على القروض الخارجية، مما يتيح المزيد من الموارد المالية للاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة. إنه خطوة نحو تحقيق توازن مالي مستدام يعزز من قدرة الدولة على النمو الاقتصادي.

ولعل أحد أبرز مؤشرات التعافي هو تحول عجز الأصول الأجنبية لدى الجهاز المصرفي إلى فائض بنحو 14.3 مليار دولار لأول مرة منذ 28 شهرًا. هذا التحول يعكس نجاح السياسات المالية في جذب التدفقات النقدية الأجنبية وزيادة الاحتياطيات الأجنبية. إنه إنجاز يعزز من قدرة الجهاز المصرفي على دعم الاستثمارات والمشروعات الكبرى، ما يسهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام.

وإذا ما نظرنا إلى الفائض الأولي الذي ارتفع إلى 5.6% مقابل 1.6% خلال نفس العامين، نجد أن هذا الارتفاع يعكس تحسن الأداء المالي للحكومة. الفائض الأولي يعبر عن الفرق بين الإيرادات والنفقات الحكومية قبل سداد فوائد الديون، وارتفاعه يشير إلى قدرة الحكومة على تحقيق توازن مالي وتحسين كفاءة الإنفاق. هذا الأداء المالي القوي يعزز من قدرة الحكومة على تنفيذ برامج اجتماعية وتنموية تعود بالفائدة على المواطنين.

لكن الأرقام لا تتوقف هنا. تراجع عجز الموازنة العامة للدولة إلى 3.6% في عام 2023/2024 مقابل 6% في العام السابق يعكس نجاح الحكومة في تحسين إدارة الإنفاق وزيادة الإيرادات. هذا التراجع في العجز المالي يبعث برسالة طمأنة للمستثمرين ويعزز من قدرة الدولة على تمويل المشاريع التنموية والبنية التحتية دون اللجوء إلى المزيد من الديون.

وأخيرًا، ارتفعت سندات مصر الدولارية في الأسواق، مما يعكس زيادة الثقة الدولية في الاقتصاد المصري. هذا الارتفاع يعبر عن تقييم إيجابي من قبل المستثمرين الدوليين لأداء الاقتصاد المصري، مما يزيد من فرص جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتوفير التمويل اللازم لمشروعات البنية التحتية والتنمية الاقتصادية.

تأجيل زيارة البنك الدولي إلى وقت لاحق من هذا الشهر يعكس التزام الحكومة بالعمل الجاد والشاق لتحقيق البرنامج الاقتصادي المتفق عليه. إنه ليس مجرد تأجيل، بل فرصة للتحضير الأفضل واتخاذ خطوات إضافية نحو تحقيق الأهداف المرجوة.

كل هذه المؤشرات مجتمعة تمثل مكتسبات هامة وحقيقية يجب على الوزارة الجديدة الحفاظ عليها وتطويرها للأفضل. الآمال معقودة على رؤية مستقبلية تخفف سريعًا من معاناة المواطن الاقتصادية، وتحقق التنمية المستدامة والشاملة لجميع فئات المجتمع.