غرابيل مشدودة فى شوارع مصر
مر ما يقرب من الأسبوع فى عمر الحكومة الجديدة.. الناس منبهرون بأداء بعض المحافظين الجدد فى المنيا وأسيوط وسوهاج والدقهلية.. «الحكومة فى الشارع» عنوان لطيف لصفحات السوشيال ميديا.. هذا أمر مفرح ولا شك.. ويحتاجة الناس ولكن.. هل هذه البداية السعيدة تصلح عنوانًا لمرحلة جديدة من الأداء الحكومى؟.. عنى.. لم أتعود الفرح بهذه البدايات.. خاصة أن بعضها شكلى.. لطيف أن تخبر الناس بأنك معهم من أول لحظة.. وأنك ستكون بينهم دومًا.. لكن هل هذا هو ما نحتاجة فعلًا؟
لقد لفت نظرى سؤال لأحد المواطنين.. يقول: تعليقًا على ذلك النشاط وتلك الحركة السريعة.. من بعض المحافظين الجدد.. إذا كانت الحكومة قادرة على فرض إرادتها على الأسواق العشوائية.. فلماذا تعجز عن ضبط الأسعار عند المحلات ذاتها؟.. وإذا كان المحافظون على استعداد لقيادة المحليات لتجميل مداخل القرى ونظافتها، فلماذا هم عاجزون عن تنفيذ مبادرة الرئيس لتشجير الطرق والشوارع؟ الناس يقولون ببساطة إنها الغرابيل الجديدة.. وكل غربال جديد وله شدة.. ربما يقول البعض إنها لغة تشاؤم غير مطلوبة فى هذه الساعات، وعلينا أن ندعم هذه الحركة ومساندتها والوقوف إلى جانبها وهذا صحيح.. لكننى كنت أتمنى أن يسهر هؤلاء المحافظون والوزراء الجدد لدراسة ملفات محافظاتهم ووزاراتهم لشهر على الأقل.. وأن يجلسوا مع النواب وشركاء العمل الأهلى وقيادات الأحزاب.. عليهم أن يستمعوا أولًا.. وأن يبحثوا.. وأن يفكروا فى حلول غير تقليدية فما يصلح بسوهاج لا يصلح لأسيوط رغم أنهما متجاورتان.. لقد عانى الناس من شغف المحافظين بالنوافير وتجميل مداخل المدن فيما تعانى البيوت بطالة شديدة وتعانى محافظاتهم ترديًا واضحًا فى أحوال مستشفياتها وقدراتها.. كنت أتمنى أن يبحث محافظو الجنوب تحديدًا عن ملفات التصنيع.. وعراقيلها.. ما الذى يجعل من المناطق الصناعية خرابات يهجرها الجميع؟.. كنت أتمنى بعد أن يذهبوا إلى تلك المناطق وسماع العاملين بها.. أن يجلسوا مع كامل الوزير.. فالرجل أعلن من اللحظة الأولى لإنجاز هذا الملف.. ونفس الأمر فيما يخص ملف المصالحات والتراخيص وتقنين الأراضى.
الغرض.. لم تعد هناك ثقة فى أى شو.. يصنعه مسئول ما فى موقع ما لأيام وسرعان ما تعود ريما لعادتها القديمه.. الناس تسأل: لقد ذهب أحد المحافظين إلى سوق عشوائية.. وهو يقود حملة للمرافق.. تمام.. فهل فكر بعدها فى إيجاد مكان لهؤلاء الناس يبيعون فيه ويشترون.. لقد نشر هؤلاء المعلقون على جولة المحافظ صورًا لأسواق شعبية من قلب باريس.. وعلقوا عليها.. بأن الأسواق الشعبية فى كل العالم.. فى أرقى الدول.. لكن العالم ليس به من يفرض الإتاوات من موظفى الأحياء.. فى مقابل أن يختفى النظام وتسود العشوائية. لم يعد تفكير المواطن المصرى محدودًا.. لقد أعجبنى مثلًا أن يصر بعض أهلنا فى محافظة سوهاج على إرسال برقيات شكر للمحافظ الذى رحل.. اللواء طارق الفقى.. رغم أنه رحل.. لا لشىء سوى أنه كان حريصًا على فتح تليفونه طوال الوقت.. ولأنه كان يفتح أبواب مكتبه طوال الوقت لكل من يريد مقابلته.. الناس لا تنسى من يسعى لخدمتها حتى وإن لم تخدمه الظروف..الناس لا تستعجل النجاح، لكنها تحتاج إلى علاج دائم لمشكلاتها.
بحذر شديد.. لا حزن ولا فرح.. استقبل الكثيرون أسماء الوزراء والمحافظين فى التشكيل الحكومى الجديد.. لأن الناس تدرك أننا فى مرحلة فارقة وصعبة.. الناس تدرك أن التحديات مهولة.. لن يقدر عليها فرد بعينه.. ومستعدون للصبر.. لكنهم يحتاجون الى لغة جديدة.. يعنى بالبلدى شغل النافورات وإقالة رئيس حى من أجل نظافة شارع فى أول يوم عمل للمحافظ الجديد.. مش واكل معاهم.
لقد سألنى أحدهم: لماذا يقال رئيس المدينة فيما يظل العاملون بهيئة النظافة فى مواقعهم؟.. لماذا لم يسأل المحافظ عن عدد العربات العاملة فى هذه المدينة؟.. وهل يوجد وقود كافٍ لتشغيلها؟.. لقد ضحك الرجل قبل أن يضيف.. السيد الوزير لو كان استنى عشر دقايق كان هيعرف إن المدينة بالكامل مافيهاش غير لودر واحد شغال.. ومافيش سواقين.. والسواق لو خد إجازة.. مافيش لودر هيشتغل.
باختصار.. ماحدش طالب منكم الاستعجال.. الناس تحتاج منكم دراسة حقيقية لمشاكل قراهم ومدنهم وبعدها اشتغلوا.
لقد حكى لى صديق، من نفس المحافظة، أن رئيس جامعتها الجديد مشغول بالشو.. لدرجة أنه ترك العمل فى جامعته وسافر للقاهرة على حساب مصالح الناس.. ليقضى ثلاثة أيام كاملة فى اللف على دواوين الوزارات الجديدة للتهنئة وحرص على نشر صور هذه الزيارات.. فيما يعانى مرضاه فى المستشفى الكبير من سوء الخدمات وتدنيها بعد استقالة مديره الكفء وأربعة آخرين من أهم أطبائه بسبب معاملة هذا المسئول المهووس بالشو على حساب أى عمل حقيقى.
لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى سلاحًا مهمًا فى يد الناس.. ما يكتبونه ليس عبثًا.. وعلى الحكومة الجديدة أن تسمع لهم.. وبلاها من شغل الغرابيل المشدودة.. فالأمر لا يحتمل تجار اللقطات ومحبى الصور عمال على بطال.