سياسيون وخبراء لـ"الدستور": مؤتمر الاستثمار الأوروبى المصرى تفعيل للشراكة الاستراتيجية الشاملة
أكد سياسيون وخبراء أهمية مؤتمر الاستثمار الأوروبي المصري الذي انطلق اليوم السبت وعلى مدار يومين في القاهرة، مشيرين إلى أن المؤتمر تفعيل للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
عبدالغني العيادي: العلاقات المصرية الأوروبية نتاج خلاصة جيوسياسية
بداية قال عبدالغني العيادي خبير الشئون الأوروبية والمستشار السابق في البرلمان الأوروبي، إن العلاقات المصرية الأوروپية ليست وليدة اللحظة، فهي نتاج خلاصة جيوسياسية منطقية.
وأضاف العيادي في تصريح خاص لـ"الدستور"، أن مصر تمثل قوة إقليمية ذات وزن كبير كما أن موقعها الجغرافي يجعل منها دولة فريدة من حيث أهميتها الجيوسياسية في أعين أوروبا، فضلًا عن كونها دولة كبرى وسوقًا كبيرة وتاريخًا وحضارة عظيمة، فهي دولة مخضرمة جغرافيًا ومؤهلة للانتماء المشروع لمختلف التكتلات الجيوسياسية الممكنة مع الاتحاد الأوروبي.
وتابع أن الاتحاد الأوروبي واعٍ بهذه الأهمية الاستراتيجية لمصر، موضحًا أن هناك مجموعة ملفات لا يمكن النجاح في معالجتها دون مصر قوية وفاعلة ومنها ملفات ذات طابع عسكري أو اقتصادي أو أمني أو اجتماعي بحت، ففي مارس 2024 وتفعيلًا لمقتضيات تقرير 2017 الإطار العام للشراكة المصرية الأوروبية، وفي إطار سياسة "رابح/ رابح" ستدخل المجموعة الأوروبية في عقد اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة مع مصر تشمل التعاون السوسيو اقتصادي، البحث العلمي، الطاقات المتجددة والنظيفة، مواجهة الإرهاب والتطرف، والملف الشائك المتعلق بالهجرة غير النظامية عبر المتوسط وملفات إقليمية حساسة.
واستكمل أن اتفاقية 2024 والتي تقضي بضخ ما يعادل 7.5 مليار يورو في الاقتصاد المصري، تعد بداية عهد استراتيجي جديد بين الاتحاد الأوروپي ومصر، فهي اتفاقية استراتيجية شاملة تسمو بالعلاقات المصرية الأوروبية إلى مقام الشراكات الاستراتيجية الكبرى للنهوض بالاقتصاد المصري، وتطوير آليات الشراكة بين دولة مصر بثقلها والاتحاد الأوروبي بأهدافه المستقبلية الواعدة، لأن في نهضة مصر وقوتها قوة الاتحاد الأوروبي.
وقال العيادي إنه للوصول لهذا الهدف، كان لزامًا وضع خطة عملية وبراجماتية خدمة لدولة وشعب مصر مناسبة لتجديد العهد بين المستثمرين الأوروبيين وبين الثروة المادية واللامادية المصرية خدمة لرفاهية واستقرار المنطقة ككل وتأكيدًا على التواجد الأوروپي في المنطقة في عالم متحرك تتوفر فيه الريادات وتصنع فيه خارطة جيوسياسية جديدة وأضاف أن أوروبا تريدها شراكة استراتيجية شاملة وكاملة الأركان.
وأوضح من أبرز الملفات التي تتم مناقشتها ملفات استراتيجية كتدبير الهجرة غير النظامية عبر المتوسط أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالتدبير المفوض لملف الهجرة الذي يؤرق أوروبا ويشجع تنامي خطوط سياسية متطرفة قد تأتي على الاتحاد الأوروبي كليًا، وتدبير هذا الملف يعتبر استراتيجيًا لكلا الطرفين عملًا بسياسة رابح رابح.
وأشار إلى أن العالم السائر نحو النمو، ومصر من هذا العالم، في حاجة للأطر التي تصرف الملايين لتكوينها وتستفيد منها شبكات الاتجار بالبشر ودول أخرى، وهجرة العقول إشكالية كبيرة للدول النامية وليس فقط لأوروبا، إذ حين نتحدث عن الهجرة ليس معناه فقط هجرة السواعد بل هجرة الشواهد أيضًا. تدبير هذا الملف يقتضي معالجة ملف ثان وموازٍ هو التنمية السوسيو اقتصادية. لأن عمليًا، الإجابة عن الهجرة تكمن بالأساس في تحسين ظروف العيش للطبقات المؤهلة اجتماعيًا للهجرة، كذلك التنمية جزء مهم من الحل ومن استراتيجية تدبير ملف الهجرة عمومًا.
وأردف أنه في إطار الاستراتيجية الشاملة للانتقال من حضارة البترول، إلى حضارة الطاقات المتجددة من ضمن المجهودات الدولية لمواجهة آثار التقلبات المناخية الناجمة أساسًا عن حضارة الكربون، أي تحقيق أهداف استراتيجية الانتقال الطاقي، يتوجه الاتحاد الأوروبي إلى استغلال المؤهلات المناخية والجغرافية لمصر وللإرادة السياسية التي عبرت عنها القيادة المصرية، من أجل الدفع في المشاريع الخضراء من طاقة ومظاهر متفرعة تخدم الأهداف البيئية لمصر ولأوروبا، وهذا واحد من الملفات الاستراتيجية التي ليس فقط ستثار في اللقاء الاستثماري الأورو مصري بل سيكون بداية لتعزيز ما تم قبلًا في هذا المجال، فمصر تتوفر على واحدة من أهم المحطات الطاقية الخضراء في العالم.
وأضاف "أن مثل هذه المؤتمرات مناسبة لتعميق الشراكات والخروج بالمشاريع من دائرة النظري للتطبيق، فالشعوب تنتظر سياسات براجماتية ونتائج اقتصادية، لذا مثل هذه المؤتمرات مناسبة لرص الصفوف الاقتصادية من الجهتين وتطبيق ما اتفق عليه من خلال نسج علاقات مادية بين المسثمرين وبين الأسواق، متابعًا: الاتفاقات السياسية تبقى حبرًا على ورق حتى تطبق بنودها وتشتغل على أهدافها القوى الاقتصادية الحية من المستثمرين، ولهذا المؤتمر بمثابة جسر بين المستثمرين الأوروبيين ودولة مصر ومستثمريها أيضًا تفعيلًا لمقتضيات اتفاقية الشراكة الشاملة والاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ومصر".
وشدد على أن مصر، كما العديد من دول العالم، تعاني من مخلفات الصراعات الإقليمية وتداعيات التقلبات المناخية، ما يجعلها عرضة للفقر الطاقي ممثلًا في مظاهر من قبيل الانقطاع الكهربائي، وأعتى الدول تعاني من هذه المعضلات الطاقية ومن أجل الطاقة تقام حروب وتباد شعوب، وأوروبا ذاتها عانت بعد انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية من هذه المعضلة في شتاء 2023 /2024. تأتي هدة الشراكة الشاملة والاستراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي للإجابة على مثل هذه التحديات. دائمًا في إطار رابح رابح، فاليوم مصر تعاني من انقطاع الكهرباء وغدًا ستحتاج أوروبا الطاقة المتجددة الممكنة الإنتاج في مصر لما لها من مؤهلات.
جمال بيومي: العلاقات الأوروبية المصرية تاريخية
من جهته قال السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق لـ"الدستور: إن علاقتنا مع الاتحاد الأوروبي سليمة للغاية، وبدأت من تسعينيات القرن الماضي، حينما تم توقيع اتفاق التعاون الاقتصادي وكانت هناك مزايا اقتصادية لصادراتنا، وفي 2001 وقعنا اتفاق المشاركة المصرية الأوروبية، وهو اتفاق يشمل تعاونًا ثقافيًا وتجاريًا واقتصاديًا وسياسيًا وهو اتفاق ناجح منذ دخوله حيز التنفيذ في 2004 حيث تضاعفت الصادرات المصرية والمصرية أربع مرات للاتحاد الأوروبي وصادراته لمصر تضاعفت ثلاث مرات، لافتًا إلى أن الاتحاد الأوروبي أصبح أكبر شريك تجاري لمصر وأكبر كتلة تعمل استثمارات في مصر وأكبر مساهمة في مشروعات التنمية في مصر لا سيما ومعظم الأموال من الاتحاد الأوروبي منح وليست قروضًا.
وقال بيومي إن الاتحاد الأوروبي له باع طويل في مجال الاستثمارات في مصر ويعلمون مزايا مصر خاصة مع إنشائهم عددًا من محطات الكهرباء في مصر سواء بتمويل ألماني أو غيره، فضلًا عن إسهاماتهم في تنمية قطاع الاتصالات في مصر ولدينا المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والاتحاد الأوروبي يستطيع جذب المزيد من الاستثمارات لمصر رغم ظروفها إلا أنها أكبر دولة عربية جاذبة للاستثمارات.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق أن مصر دولة لها مقومات جاذبة للاستثمارات وبها اتفاقية تجارة حرة مع إفريقيا ولدينا منطقة تجارة حرة عربية أيضًا، وكذلك مع بعض دول أمريكا اللاتينية وبالتالي مصر لديها انفتاح دون جمارك على أسواق مختلفة، فضلًا عن وجود الأيدي العاملة بوقرة في مصر.
محمد أنيس: المؤتمر الاستثماري المصري الأوروبي تفعيل للشراكة الاستراتيجية الشاملة
فيما قال محمد أنيس الخبير الاقتصادي، إن المؤتمر ناقش الاستثمارات الأوروبية الموجودة بالفعل في مصر وتسهيل جذب استثمارات من القطاع الخاص الأوروبي ومشاريع الطاقة المتجددة والأمونيا الخضراء والهيدروجين الخضراء لا سيما والقارة الأوروبية مستورد لهذه الطاقة النظيفة من مصر، والملف الثاني سيكون التعاون المرتبط بمكافحة الهجرة غير الشرعية، لأن هناك توافقًا بين مصر والاتحاد الأوروبي على ضبط الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية واتفاقيات دعم مشاريع البينة التحتية ودعم الاتحاد الأوروبي للمشاريع ذات البعد الاجتماعي مثل مشاريع حياة كريمة التي لها تمويلات طويلة الأمد من الاتحاد.
وتابع في تصريح خاص لـ"الدستور" أن المؤتمر مهم لأنه تفعيل للشراكة الاستراتيجية الشاملة، وهناك شكل من أشكال التكامل بينها مصر بالنسبة للاتحاد الأوروبي لأن مصر دولة مهمة في جنوب البحر المتوسط بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ولها قدرة على ضبط الهجرة وإنتاج مواد بتروكيمياويات يريدها الاتحاد الأوروبي ويريد استيرادها من مصر وليس روسيا كما أن هناك تنسيقًا أوروبيًا مصريًا للمواقف بخصوص قضايا الشرق الأوسط.