رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل المقترح الأمريكى حول غزة بين «أهداف حماس» و«تخبط إسرائيل»

جريدة الدستور

تستمر جهود الوساطة التى تقودها مصر وقطر والولايات المتحدة، من أجل التوصل إلى صيغة نهائية لاتفاق وقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل فى قطاع غزة.

وتدور المفاوضات فى الوقت الحالى حول المقترح الذى طرحه الرئيس الأمريكى جو بايدن لوقف إطلاق النار، الذى يتضمن ٣ مراحل تضمن إنهاء الحرب بشكل كامل.

وتشمل المرحلة الأولى وقفًا فوريًا تامًا وكاملًا لإطلاق النار، وإطلاق سراح المحتجزين بمن فيهم النساء وكبار السن والجرحى، وإعادة رفات بعض الرهائن الذين قتلوا، وتبادل الأسرى الفلسطينيين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان فى غزة، وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى منازلهم وأحيائهم فى جميع مناطق القطاع، بما فى ذلك الشمال، بالإضافة إلى التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع.

وتتضمن المرحلة الثانية من المقترح تنفيذ وقف دائم للأعمال العدائية، مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين الآخرين الموجودين فى غزة، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من القطاع. أما المرحلة الثالثة فتشمل الشروع فى خطة كبرى متعددة السنوات لإعادة إعمار غزة، وإعادة ما يبقى فى القطاع من رفات أى محتجزين متوفين إلى أسرهم.

الحركة الفلسطينية ترغب فى ضمانات تمنع استئناف الحرب مرة أخرى

أعلنت حركة «حماس» عن تسليم ردها حول مقترح الرئيس الأمريكى إلى الوسيطين مصر وقطر، متضمنًا تعديلات على بعض البنود فى المقترح، بما يضمن «وقفًا تامًا لإطلاق النار، والحصول على ضمانات لعدم استئناف الحرب مرة أخرى».

وقال قيادى كبير فى «حماس»، لم يكشف عن اسمه، فى تصريحات لوكالة «رويترز»، إن «التعديلات التى تضمنها رد الحركة الفلسطينية ليست كبيرة»، موضحًا أنها تشمل «تضمن الاتفاق بندًا يحقق الانسحاب الكامل لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلى من قطاع غزة، وأن يكون تنفيذ المراحل الثلاث على مراحل متتالية متصلة الخطوات، لتحقيق وقف إطلاق النار».

وأضاف أن «حماس» أبدت تحفظها على استثناء ١٠٠ أسير فلسطينى من ذوى الأحكام العالية ممن سيفرج عنهم فى إطار تبادل الأسرى والمحتجزين، مع التحفظ أيضًا على تحديد أسمائهم من قبل إسرائيل، متابعًا: «تحفظنا على تقييد إسرائيل المدة الزمنية للإفراج عن ذوى الأحكام العالية بألا تزيد المدة المتبقية من محكوميتهم على ١٥ عامًا».

وشملت تعديلات «حماس» أيضًا، بحسب تصريحات القيادى فى الحركة، المطالبة بإعادة إعمار قطاع غزة، ورفع الحصار بما يشمل فتح المعابر الحدودية، والسماح بحركة السكان ونقل البضائع دون قيود.

تل أبيب تسعى لكسب وقت أطول لصالح العملية العسكرية فى رفح

رغم إعلان الإدارة الأمريكية عن أن إسرائيل تدعم مقترح «بايدن»، فإن المواقف والتصريحات الرسمية الصادرة عن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وأعضاء حكومته، أن تل أبيب ترفض أى وقف كامل لإطلاق النار قبل تحقيق جميع أهدافها داخل غزة، فى تلاعب واضح من جانبها تجاه أى مقترحات مطروحة لوقف إطلاق النار.

وقال مسئول إسرائيلى إن «المفاوضات حول الهدنة فى غزة وإطلاق سراح المحتجزين هناك مستمرة بالفعل مع مصر وقطر، بالتعاون مع الولايات المتحدة»، مضيفًا فى تصريحات لصحيفة «هآرتس» العبرية: «إسرائيل تعتبر رد (حماس) وتعديلاتها المطلوبة بمثابة رفض كامل من جانب الحركة الفلسطينية للمقترح الأمريكى».

وتسعى إسرائيل إلى تصدير موقفها المتشائم من رد «حماس» على المقترح الأمريكى، فى محاولة لكسب وقت أطول يسمح باستمرار عملياتها العسكرية داخل مدينة رفح الفلسطينية.

الخلاف الجوهرى الحالى يدور حول «استئناف القتال» بعد وقف إطلاق النار

من المتوقع استمرار «حماس» فى خطواتها للحصول على أكبر ضمانات ممكنة لعدم استئناف إسرائيل إطلاق النار مرة أخرى، بعد تنفيذ أى مراحل من الاتفاق المطروح لوقف إطلاق النار.

تعمل الحركة كذلك على تحقيق عدد من البنود التى يمكن اعتبارها «مكاسب» تحسب لها من عملية «طوفان الأقصى»، أبرزها الإفراج عن عدد ليس بالقليل من الأسرى الفلسطينيين مقابل استخدام ورقة المحتجزين لديها، مع تمسكها بوجود مرونة أكبر فى تحديد أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين سيُفرج عنهم.

وتشدد «حماس» على أن يكون الانسحاب الإسرائيلى من أراضى قطاع غزة بشكل كامل، كشرط أساسى فى عملية وقف إطلاق النار، بل وعملية إعادة إعمار القطاع، لإنهاء الوجود العسكرى الإسرائيلى هناك.

والخلاف الجوهرى بين الطرفين حاليًا هو رغبة «حماس» فى الحصول على تعهد صريح من جانب إسرائيل بعدم استئناف الحرب مرة أخرى، بينما ترى الأخيرة ذلك على أنه تقييد لحرية عملها العسكرى الذى اكتسبته من الحرب الحالية داخل غزة. ويشمل الخلاف كذلك أن يكون الانسحاب الإسرائيلى كاملًا من أراضى قطاع غزة، وليس من المناطق المأهولة بالسكان فقط.

وتعمل جهود الوساطة من جانب مصر وقطر على التوصل إلى صيغة تحقق أقرب نقطة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وهو ما يعنى أن الجهود قد تستمر لوقت حتى يتمكنا، بالتعاون مع واشنطن، من حلحلة هذه النقاط، والوصول إلى وقف كامل للحرب.

أما على الجانب الإسرائيلى، فرغم التصريحات التصعيدية المتعمدة من المستوى السياسى، خاصة «نتنياهو»، تشير التقديرات إلى أن المستوى الأمنى يرى أن وقف الحرب فى غزة بات أقرب الآن من أى وقت مضى.

ويعتقد الجيش الإسرائيلى أن الإنجاز التكتيكى الحالى يسمح لإسرائيل بالتحرك خلال مرحلة ما، وإنهاء الحرب فى غزة بشكل أساسى، من خلال اتفاق لإعادة المحتجزين.

وقال مسئولون أمنيون إسرائيليون، فى تصريحات لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، إن «نهاية الحرب لا تعنى بالضرورة نهاية القتال»، لأن «المعلومات الاستخبارية ستستمر فى التدفق، وكذلك احتمال الهجوم من الجو أو حتى من الأرض». 

ويقدر جيش الاحتلال الإسرائيلى أن «حماس» فقدت أكثر من ثلث قوتها القتالية، مع تدمير حوالى ٦٠٪ من بنيتها التحتية العسكرية، ما يعنى أنها لم تعد قادرة على شن هجوم يقترب من أبعاد ما حدث فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ مرة أخرى، وأن قواتها الموجودة فى مدينة رفح على وشك التفكك الكامل.

وقال مسئول أمنى إسرائيلى، فى محادثات مغلقة، إن «إسرائيل حققت إنجازًا تكتيكيًا، ومن ثم يجب أن يكون هناك هدف استراتيجى واضح، وعدم مواصلة التنقل من نقطة إلى أخرى دون اتخاذ قرار».

ويعتبر الموقف الأمنى الإسرائيلى أن «الإنجاز التكتيكى الممتاز» فى قطاع غزة الآن «يتيح لإسرائيل اجتياز مرحلة، وإنهاء الحرب، من خلال اتفاق على عودة المحتجزين، الذى هو من أهم أهداف الجهاز الأمنى». وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن ذلك الرأى تتفق عليه أغلبية مطلقة فى هيئة الأركان العامة، خاصة مع وجود اعتقاد بأن «إسرائيل هزمت حماس».

وأضاف المسئولون الأمنيون: «كجزء من الصفقة، لا ينبغى الخوف من القول صراحة إن هذه هى نهاية الحرب، ونهاية الحرب ليست نهاية القتال، وستكون هناك شرعية كاملة للعمل حتى بعد انتهاء الحرب، إذا حاولت حماس العمل ضدنا».

ورغم ذلك الموقف الواضح، فإن النظام الإسرائيلى الحالى يبدو متخوفًا من رد الفعل الداخلى، وليست لديه طريقة أو آلية، حتى الآن، لكيفية الإعلان عن وقف الحرب فى غزة، بعقد اتفاق مع «حماس» ذاتها التى وعدوا بإنهاء وجودها بشكل كامل داخل القطاع.