ما حدش طايق حد
لست من أنصار الصيف.. ولا من أنصار الشتا.. فكرة أن يصبح للمواسم أنصار ورُباطيات وقبائل فكرة لم ترد على ذهنى فى يوم من الأيام.. أثق فى الجغرافيا وأحترم علومها وعلوم المناخ.. لكننى لا أدمن متابعة نشرات الأخبار.. طول عمرى أدين بما تعلمته من الأهل أيام الطفولة فى الصبا.. يعنى ماتمشيش فى الشمس فى أيام الشتا لأن شمس الشتا حامية.. وماتمشيش فى القيالة.. لا أخالف ما عرفت وخبرته وعشته.. وهكذا كانوا يعيشون ويتجنبون ضيق الخلق فى حر أغسطس.. حتى لا يقع القتلى من هنا أو من هناك عشان ماحدش بيستحمل حكة منخاره ف الحر.. رغم أننا كنا نتحمل بطيب خاطر كل الأعمال الصعبة والتى لا يمكن تأجيلها فى ذلك القيظ.. كنا نحصد القمح وندرسه فى عز الحر.. ونعزق القطن ونطلع اللطعة فى عز الحر.. وأول ما عرفنا البرانيط عرفناها مصنوعة من زعف النخيل للوقاية من شمس اللطعة.. ولمن لا يعرفها فهى عملية تنقية ورق القطن المصاب بالدودة.. وعرفنا الطواقى.. والشيلان.. وضل شجر السنط.. لم نكن نشكو.. ولم تكن بيوتنا قد عرفت أجهزة التكييف.. وعرفنا المراوح على كبر.. وكانت سهرات الصيف أجمل ما فيه.. لم نكن نعرف الرطوبة نعم.. لكننا لم نكن بهذه الحالة أبدًا.. الآن لا أحد يطيق أحدًا.. وإن كان الصيف هو الحجة.. تغيرنا قبل أن يتغير المناخ.. ربما للمناخ تأثير على قدراتنا الذهنية والنفسية نعم.. لكننا مؤهلون للقطيعة.. لاختلاق أسباب الشجار حتى لو لم يكن هناك صيف من أصله.
تابعت مثل غيرى ترندات الأيام الأخيرة.. وهالنى أن تسبق أخبار خناقة عمرو دياب وشقيق كهربا أخبار التغيير الحكومى المنتظر.. هالنى أن تحولنا إلى مشاركين فى المعركة مدفوعين بوجهات نظر غير منضبطة على الإطلاق.. أحاول منع نفسى من التعليق على موقعة المطرب والشاب الصعيدى لأن شهادتى فى عمرو مجروحة.. ولكن ما يعنينى فى الأمر هو الحدة التى يتحدث بها الجميع من أنصار كل طرف.. البعض فى صفحات منسوبة للصعايدة ولقرى قنا والأقصر تحديدًا يشن هجومًا على المطرب ليس باعتباره بشرًا يعيش بيننا يخطئ ويصيب.. ولكن باعتباره من الصفوة.. وكذلك هو الأمر بالنسبة لشقيق كهربا.. باعتباره شقيقًا لنجم رياضى من الصفوة أيضًا.. ورغم تلك المحبة التى أعرفها وأدركها وأعيشها.. من أهلنا فى الصعيد للفن والرياضيين.. فإننى أستغرب فكرة التقسيم هذه.. وعلو نبرة أن أصحاب الملايين هؤلاء لا يجب السكوت عن تجاوزاتهم، لأنهم يتصرفون باعتبارهم بشرًا غير البشر.. وتجاهلهم ومقاضاتهم غير كافية.. هناك نبرة انتقام تتصاعد بشكل لا علاقة له بالصيف أو تقلبات المناخ.
هناك مَن يؤمن الآن بأن فى مصر طبقات جديدة تكونت ثرواتها فى غفلة.. وبطرق يؤمن العاديون بأنها حتمًا غير مشروعة.. ذلك السياق يجعل الكثيرين يستعيدون أيام ما قبل يوليو ١٩٥٢.. لكنهم يضيفون أن باشوات زمان كان عندهم أخلاق.. أحدهم وفى سهرة طالت وعلت فيها الأصوات فى ظل انقطاع الكهرباء فى موعد تخفيف الأحمال.. ذكرنى ببعض باشوات زمان وتلك الكرابيج التى كانوا يقتنونها للتعامل مع مخدوميهم فى السرايات والأبعاديات.. مضيفًا أن باشوات زمان مكانوش ملائكة.. هكذا يسيطر على عقول الناس الآن فى سهرات الصيف الحارة أساطير ما سمعوه عن زمن الأجداد.. ذلك الزمن الذى يستدعيه البعض للدلالة عن ليبراليته وجماله وذوقه.. وفى كل الأحوال هناك مَن ينظر إلى ذلك الزمن والى حاضرنا أيضًا فى غضب..
ما حدش طايق حد.. وما حدش مبسوط بحاله.. هذه ليست قصة من وحى الحر.. ولا هو استباق لأيام عيد نتمناه خاليًا من مشاكل الجيران والقرايب.. نتمناه فرصة لالتقاط الأنفاس فى منتصف عام صعب.. عام نعرف أنه الأصعب فى مصر.. فلا أحد سواء كان مهتمًا بالاقتصاد أو غير مهتم لا يعرف أن الاقتصاد وظروفه باتا يؤثران فى كل بيت.. لذا نتمنى أن تأتى الحكومة الجديدة وفى ذهنها أن تحاول.. أقول تحاول تخفيف الضغط عن الناس.. تراقب الأسواق.. تحاصر ذلك الانفلات الرهيب فى الأسعار.. تقاوم أصحاب الضمائر الخربة فى المواقع التى يتعامل معها المواطنون بشكل مستمر.. نتمنى أن نعبر جميعًا.. شعبًا وحكومة.. النصف الباقى من سنة ضاغطة على أعصاب الكل.. عيد نتمناه نهاية لفوضى المحليات وسوق اللحوم والدواء.. عيد نتمناه أكثر هدوءًا.. ورحمة.. وربنا يهدى علينا الطقس.. وكل عام وأنتم فى خير.