رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النزوح إلى المجهول.. نازحون من محرقة رفح يكشفون لـ"الدستور" مصيرهم بمدينة الأشباح

نزوح أهالى غزة -
نزوح أهالى غزة - آرشيفية

الأوضاع كارثية وأصعب من أي وضع عاصرناه من قبل حتى في بداية العدوان وأيام اجتياح الشمال وخان يونس ما عشنا مثل تلك الأيام الحالية نهائيًا، تلك الكلمات قالها سامح أبودية صحفي فلسطيني من مخيم جباليا، نزح أكثر من مرة، مرتين في الشمال مع بداية الحرب، ومرتين من الشمال إلى رفح ومؤخرًا من رفح إلي دير البلح عقب اجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح.

وأكد أبودية خلال حواره لـ"الدستور"، أن نوعية القصف والمجازر وحتى الأوضاع المعيشية الحالية صعبة جدًا فوق الخيال، وأصبحت هي الأرق الأكبر للمواطنين، متابعًا المواطن أصبح لا يأبه القصف ونوعية القصف والمجازر على قدر اهتمامه بظروفه وتفاصيل حياته اليومية الدقيقة الصعبة جدًا.

وتابع أبودية، "الأوضاع صعبة جدًا بداية من توفير المياه الصالحة للشرب، فهناك أزمة طاحنة في المياه الصالحة للشرب، والآن لا توجد مياه صالحة للشرب نهائيًا"، مشيرًا إلى "أن مدينة رفح كانت صامدة لفترة طويلة أمام القصف والحرب الشرسة الحالية، ولكن عقب اجتياحها وتدميرها أصبحت كل البنية التحتية مدمرة، ولم يعد هناك مكان صالح للحياة والمعيشة ليس فقط في رفح ولكن قطاع غزة بشكل كامل، لا شبكة مياه ولا شبكات  صرف صحي ولا شبكات إنترنت ولا شبكات اتصالات وكل مقومات الحياة مدمرة الآن".

وأشار أبودية إلى أن هناك حوالي مليون ونصف مليون مواطن نزحوا كلهم من رفح وتوجهوا إلى مناطق في دير البلح وأصبح بها تكدس كبير جدًا ومساحتها صغيرة جدًا مقارنة بمساحة رفح ومساحة خان يونس، لافتًا إلى أن المناطق الوسطى غير صالحة للحياة وغير آمنة  ومنها المناطق الشرقية من المحافظة الوسطى شرقًا وخان يونس والزوايدة وشرق المغازي والنصيرات، ولا يوجد بها سكان والاحتلال وجههم لمناطق أخرى في الغرب. 

وأوضح أبودية أن أغلب النازحين اليوم يسكنون على شاطئ البحر بخيام من دير البلح وحتى خان يونس، شاطئ البحر كله عبارة عن خيام وأوضاع معيشية صعبة، لافتًا إلى أنها مناطق غير مهيأة للمعيشة، يعني شاطئ البحر مش مهيأ يكون فيه شبكات صرف صحي ولا شبكات مياه صالحة للشرب ولا مياه للنظافة، ولا توجد هناك مراكز طبية ولا مستشفيات، مشددًا على أن الأوضاع كارثية وأصعب بكثير مما كان عليه الوضع في المناطق الشمالية.

وأشار أبودية إلى أن هناك نازحين توجهوا إلى الشمال مرة أخرى على الرغم من عدم وجود مناطق هناك صالحة للمعيشة، فالاحتلال الإسرائيلي دمر مدن الشمال على رءوس ساكنيها ومنها مخيم جباليا الأكبر مساحة للاجئين الفلسطينيين والأكثر من حيث عدد السكان، والمخيم دمر بالكامل، كل شيء المنازل والبنى التحتية وكل الشبكات فيه مدمرة، متابعًا "وهناك من نزحوا إلى المناطق الغربية من مدينة غزة مثل الشيخ رضوان، منطقة الشاطئ والمخابرات والمناطق الغربية كل الساحل الغربي من الساحل البحري لمدينة غزة توجه الناس إليها، وأيضًا الأوضاع هناك كارثية أكبر بل والمجاعة تعود هناك، وخاصة أنه لا يوجد أي شىء متوفر بالشمال ولا توجد مساعدات منذ حوالي أكثر من ثلاث أسابيع، لافتا إلى أن هذا الوضع ينطبق على جنوب القطاع، ولكن الفرق في دير البلح وفي خان يونس، أن الاحتلال يسمح بالحركة التجارية.

وأكد أبودية أن الوضع المعيشي والوضع الإنساني سيئ جدًا لا تتوفر خدمات، والبلديات تم تدميرها والطواقم الطبية أيضًا والخدماتية التابعة للقطاعات الخدماتية والبلديات تتم ملاحقتها وقصفها وتهديدها، يعني استهدافها بشكل مباشر أو غير مباشر منذ بداية العدوان، وحتى الآن هناك أوضاع معيشية صعبة جدًا وليس هناك مراكز إيواء ولا مراكز إنسانية أو مناطق إنسانية، ومراكز الإيواء كلها عشوائية والخيام بدائية كلها، ولا تتناسب مع الظروف سواء الشتوية أو الصيفية والآن الصيف يداهمنا والطلب على المياه يزداد والأزمة تزداد ودرجات الحرارة تلتهم الناس في خيامهم، والخيام تحولت إلى ما يشبه المقابر، نظرًا للارتفاع الكبير في درجات الحرارة داخلها وخارجها.

ريهام القيق: مدينة رفح تحولت لمدينة أشباح ولا نعرف مصيرنا خلال الأيام المقبلة

من جانبها، قالت ريهام القيق، نازحة من مدينة غزة إلى مدينة رفح، قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي الخيام خلف بركسات وكالة أونروا، واشتعلت النيران بشكل سريع نظرًا لأنها خيام ووجود أنابيب الغاز الصغيرة أدت إلى إشعال النيران أكثر، والعديد من النازحين تأثرت خيامهم واحترقت بالفعل، وهناك من فقد عائلته في هذه المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني، والنازحون أخلوا فورًا بعد تلك المجزرة، وتوجهوا إلى مناطق أخرى.

وتابعت "القيق" في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أنا حتى الآن لم أنزح رغم تواجد الاحتلال على أبواب حي تل السلطان وتوغله في أكثر من منتصف  مدينة رفح، وما زلت داخل خيمتي حتى هذه اللحظة مع أطفالي الأربعة، وأغلب السكان وحتى السكان الأصليون أخلوا المناطق خوفًا من التوغل البري في هذه المناطق، وخوفًا من القصف العشوائي الذي استمر طول الليلة الماضية، وكذلك بين الحين والآخر يتم القصف في هذه الأثناء أيضًا، كان هناك قصف قوي على غرب مدينة رفح في حي السلطان.

وتابعت: "رفح أصبحت مدينة أشباح، حتى اللحظة متواجدون رغم الصعوبات والتحديات التي تواجهنا بسبب القصف المستمر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى انقطاع تام للمياه الصالحة للشرب داخل مدينة رفح، وكذلك عدم توفر المخابز والمواد التموينية"، متابعة "لا نعلم ما سيحدث معنا في الأيام المقبلة، هل سنستمر في النزوح داخل مدينة رفح أم سنقوم بالنزوح للمرة العاشرة على التوالي منذ أن بدأت هذه الحرب التي نتعرض لها في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى اللحظة!".

فداء عوض: المعيشة في الخيام صعبة للغاية مع قلة الطعام وشح مياه الشرب

فيما قالت فداء عوض ناشطة نسوية مجتمعية، نازحة من المحافظة الوسطى، الحديث عن تجربة النزوح المريرة سيبقى عالقًا في الذاكرة، لأنها من أصعب محطات الحياة مأساة وألمًا التي مر بها أهالي قطاع غزة، حيث النزوح لأكثر من مرة وحيث النزوح لأكثر من منطقة وسط ظروف قاسية وصعبة وخصوصًا على النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، والأصعب من ذلك هو التأقلم والعيش في خيمة في ظل أجواء شتوية قارسة لحقتها أجواء صيفية حارة، ونحن نتحدث عن الشهر السابع للحرب.

وأضافت "عوض" خلال حوارها لـ"الدستور"، أن واقع العيش المأساوي والعيش في الخيمة في ظل ظروف إنسانية صعبة مع قلة الطعام وشح المياه وانعدام الكهرباء وعدم توفر الدواء والغاز يجعل الإنسان النازح يقف عاجزًا أمام كل هذه المعضلات والمشاكل التي بحاجة لحل، لأنها مقومات الحياة الطبيعية اليومية.

وتابعت "عوض" "رغم النزوح في مخيمات الخيام إلا أن الاحتلال الاسرائيلي ما زال مستمرًا بالحرب والقصف بشكل متواصل ومستمر، ولم تسلم من قذائف طائراته ودباباته حتى خيام النازحين، وتعرض العديد منهم للقتل والإصابات وخير شاهد مجزرتا رفح وهي مستمرة حتى الآن، في مشاهد لأجساد محترقة متفحمة من شدة القصف، التي لا يستطع العقل تحملها أو تصورها، ومعظم الشهداء والإصابات من النساء والأطفال العزل الأبرياء".

وأكدت "عوض" أن استمرار الحرب والعدوان على محافظات قطاع غزة وخصوصا على مدينة رفح التي فر منها ما يقارب من مليون إنسان نازح لمناطق أخرى بحثًا عن الأمان، يجعل الواقع في قطاع غزة أكثر صعوبة ودمارًا ومأساة، والخوف المستمر من قبل النساء والأطفال من الموت بطائرات ودبابات الاحتلال.