مدبولى: الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد تعتمد على سعر صرف مرن وضبط السياسات المالية
شارك الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، صباح اليوم، في الجلسة الافتتاحية لاحتفالية "يوم مؤسسة التمويل الدولية، بحضور عدد من الوزراء، و سيرجيو بيمنتا، نائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية لقارة إفريقيا، وعدد من ممثلي مؤسسة التمويل الدولية، وممثلي القطاع الخاص في مصر.
وخلال الجلسة الافتتاحية، بدأ سيرجيو بيمنتا، نائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية لقارة إفريقيا حديثه بالترحيب برئيس الوزراء، معبرًا عن سعادته لإدارة هذه الحلقة النقاشية، وقال: لدينا العديد من الأسئلة التي يمكن طرحها أمام رئيس مجلس الوزراء، خاصة أن حضوره في يوم مؤسسة التمويل الدولية يعبر بشكل واضح وخير دليل على دعم الحكومة لدور القطاع الخاص في التنمية، كما يبرهن على التعاون الوثيق بين الحكومة المصرية ومؤسسة التمويل الدولية، مشيرًا في هذا السياق للجهود التي تقوم بها الحكومة المصرية في مجال الإصلاحات الاقتصادية الملموسة. واستهل الحوار بتوجيه استفسار لرئيس الوزراء عن تقييمه للإصلاحات والإجراءات العديدة التي قامت بها الدولة المصرية مؤخرًا.
من جانبه، بدأ الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بالإعراب عن ترحيبه بجميع الشركاء الضيوف الحضور في يوم مؤسسة التمويل الدولية، كما رحب بممثلي القطاع الخاص المصري، الذين وصفهم بأنهم أهم اللاعبين الرئيسيين فيما يشهده الاقتصاد المصري من نمو، مستهلًا الحديث بالإشارة إلى التحديات الاقتصادية العديدة التي واجهت الدولة المصرية خلال الفترة الماضية سواء نتيجة التطورات الإقليمية أو الدولية، مؤكدًا أن مصر محاطة بكم كبير من الصراعات الجيوساسية في المنطقة، كما أنها تواجه العديد من التحديات الخارجية والداخلية، فنحن بالفعل لدينا الكثير من التحديات التي تواجهنا.
وفي هذا الإطار، قال رئيس الوزراء: "تعين علينا مواجهة واستهداف تلك التحديات من جذورها، وذلك عن طريق اتخاذ القرارات والإجراءات الجريئة، ونحاول أن نتعامل مع تلك التحديات من خلال هذه الإجراءات، لافتًا في هذا الصدد إلى أن الحكومة المصرية تمكنت من التعامل مع تلك التحديات بنجاح، من خلال العديد من الإجراءات التي اتخذتها خلال الأشهر الماضية، مشيرًا كذلك إلى أنه خلال مارس الماضي، انتهينا من المراجعتين الأولى والثانية مع صندوق النقد الدولي، وهذه تعد خطوة مهمة للغاية للحكومة المصرية".
وفي الإطار نفسه، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري تعتمد على عدة ركائز رئيسية، أولًا: أن يكون هناك سعر صرف مرن يخضع للعرض والطلب، وأيضًا ضبط السياسات المالية وتشديد السياسات النقدية لمواجهة التضخم، وكذلك ضبط الإنفاق العام على البنية التحتية وبعض البرامج الوطنية الأخرى، بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص على أن يلعب دورًا مهمًا وقياديًا في التنمية الاقتصادية، فضلًا عن وضع أهداف طموحة للغاية في مجال الاستثمارات، وأن تتخطى مشاركة القطاع الخاص نسبة 65% من إجمالي استثمارات الدولة خلال السنوات المقبلة.
سد الفجوة الدولارية
وقال رئيس الوزراء: من خلال هذه الركائز، تسير خطط الحكومة، مستشهدًا بما اتخذه البنك المركزي منذ مارس الماضي وتبنيه سعر صرف مرن، وكذا تمكن الحكومة بالتعاون مع البنك المركزي في سد الفجوة الدولارية، ما مكّن من دفع المتأخرات والمستحقات على الدولة، سواء للسوق المحلية أو للشركاء الدوليين، كما نجحنا في رفع مستوى الاحتياطي من النقد الأجنبي.
وأضاف: استطعنا بالتعاون مع المجموعة الاقتصادية وعلى رأسها وزارة المالية في اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تستهدف ضبط السياسات المالية، فنجحنا في التحكم في نسبة الدين العام، سواء كان داخليًا أو خارجيًا للحكومة المصرية، والذي نستهدف أن يصل إلى أقل من ۸۰% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي خلال العامين القادمين حتى ۲۰۲۷، كما تم وضع الكثير من القيود على المصروفات والنفقات الحكومية، وكذا الالتزام بتحقيق فائض أولي خلال الأعوام المقبلة مع مستهدفات لأن يكون معدله لهذا العام 3.5% وأكثر من 5% خلال السنوات المقبلة، وهو ما يمثل رقمًا جديدًا لم يسبق أن تم تحقيقه.
وخلال حديثه، أشار رئيس الوزراء إلى أننا في ظل ما نواجهه من تحديات نقوم بتنفيذ المزيد من الإصلاحات المختلفة للمؤسسات والشركات الخاضعة لملكية الدولة، من خلال وضع وتنفيذ العديد من الأهداف، منوهًا إلى ما تم بشأن تعديل قانون المالية العامة للدولة، وهو ما مكن من وضع موازنة موحدة للدولة تشمل الهيئات الاقتصادية، سعيًا للعمل بشكل مستدام، والوصول لحلول لمختلف المشكلات والتحديات وتطبيق المزيد من معايير الحوكمة والشفافية.
وفي الوقت نفسه، أكد الدكتور مصطفى مدبولي على الجهود التي يتم بذلها من أجل توسيع أطر التعاون مع الشركاء الدوليين، من بينهم صندوق النقد الدولي، وكذا ما تم توقيعه من عقد اتفاق يتعلق برأس الحكمة بنحو ٣٥ مليار دولار مع الجانب الإماراتي الشقيق، مضيفًا: تمكنا أيضًا من عقد اتفاقات مع البنك الدولي، والاتحاد الأوروبي، تستهدف التركيز على كيفية الحفاظ على مرونة الاقتصاد المصري، وجعله أكثر تكيفًا مع الصدمات العالمية، إلى جانب العمل على رفع مستوى مساهمات القطاع الخاص بالاقتصاد المصري، إلى جانب التحول إلى الاقتصاد الأخضر، من خلال عدد من الأهداف المحددة، عبر الحصول على تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار مع البنك الدولي إلى جانب الدعم المالي من جانب الاتحاد الأوروبي بقيمة 5 مليارات يورو.
وأضاف رئيس الوزراء أن من بين أهم الأمور التأكد من إتاحة مصادر العملة الأجنبية بالاقتصاد المصري؛ ونستطيع أن نؤكد مواصلة مسيرة الإصلاحات، على الرغم من وجود الكثير من التحديات، والتأكيد أيضًا أن الاقتصاد المصري يسير بشكل مستدام ومستقر بالمشاركة مع مؤسسات القطاع الخاص.
وخلال الجلسة الافتتاحية، تم طرح استفسار بخصوص أهمية دور القطاع الخاص خلال الفترة القادمة، حيث أوضح الدكتور مصطفى مدبولي أنه في ضوء رؤية مصر ۲۰۳۰، قامت الحكومة بتحديد بعض القطاعات ذات الأولوية التي يمكنها الإسهام بشكل واضح في عملية التنمية، حيث تم تحديد قطاعات: الزراعة، والصناعة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة، وفي هذا الصدد أكد رئيس الوزراء أن الحكومة تؤمن بأهمية إسهام القطاع الخاص في تلك القطاعات، وفي سبيل ذلك قامت خلال الفترة الماضية بتنفيذ عدد من التعديلات على القوانين واللوائح التنفيذية، خاصة فيما يتعلق بقانون الاستثمار، وغيره من القوانين الأخرى التي يمكنها تيسير وتسريع عملية إسهام القطاع الخاص وقيادته للنشاط الاقتصادي في تلك القطاعات؛ حيث شملت تلك التيسيرات تسهيل الحصول على التراخيص والموافقات من مختلف جهات الدولة، بالإضافة إلى إطلاق الرخصة الذهبية، والتي من خلالها يمكن الحصول على موافقة واحدة للبدء في أعمال المشروع، حيث تم إصدار أكثر من ٤٠ رخصة ذهبية، وفي أقل من عام واحد كانت هذه الشركات قد بدأت بالفعل العمل في مصر، ومنها شركات عالمية تمتلك علامات تجارية كبرى.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن مصر لديها فرص كبيرة لمشروعات الطاقة، كما تتوافر لديها العمالة الماهرة، والكثير من المميزات العديدة الأخرى، لافتًا إلى أن الرخصة الذهبية تعد ميزة مهمة أيضًا، بالإضافة إلى تعديل بعض الحوافز الخاصة بالضرائب، والكثير من الحوافز الأخرى، التي يمكن أن يتحدث عنها الوزراء المعنيون كل في تخصصه بالتفاصيل.
كما أشار إلى أن كل هذه المميزات ساعدت في رفع إسهامات القطاع الخاص في العام الماضي، ونحن نلمس الكثير من التقدم في هذا الإطار، ونعمل على تحقيق مستهدفاتنا خلال الأعوام الثلاثة القادمة، من أجل الوصول بإسهامات القطاع الخاص إلى ٦٥% في القطاعات ذات الأولوية.
وأضاف أنه تم وضع سقف لإجمالي النفقات الاستثمارية العامة بجميع أنواعها، من خلال قرار من رئيس مجلس الوزراء، بنحو تريليون جنيه مصري تنفق كسقف من جميع الوزارات والهيئات، وسيكون هذا هو الحد الأقصى لهذه النفقات العامة، ليكون للقطاع الخاص المساهمة المتبقية.
وثيقة سياسة الملكية العامة للدولة
وتطرق رئيس الوزراء كذلك إلى أنه في ديسمبر ٢٠٢٢ قامت الدولة بإصدار وثيقة سياسة الملكية العامة للدولة، وهي وثيقة تم إعدادها بالتعاون مع القطاع الخاص، وتضمنت صياغة أهداف ومؤشرات محددة للقطاعات التي سيسهم فيها القطاع الحكومي، وكيفية رفع مساهمة القطاع الخاص خلال الأعوام الثلاثة القادمة، حيث إن بعض القطاعات في الاقتصاد المصري سيتاح بها فرصة للقطاع الخاص، مشيرًا إلى أنه ناقش مع وزير المالية وثيقة السياسة الضريبية لمدة ٥ أعوام مقبلة، والتي ستتمتع بالشفافية والجميع سيعرف ما سيتم تطبيقه من سياسات ضريبية خلال السنوات الخمس المقبلة.
واعتبر أن هذه الإصلاحات والإجراءات- خصوصًا المعنية بالقطاع الخاص ـ ستدفع إلى مساهمته بشكل أكبر خلال الأعوام القليلة القادمة، مؤكدًا حرصه بشكل أسبوعي على زيارة العديد من المنشآت والشركات التي يقوم بتشغيلها القطاع الخاص، حتى يستمع إلى احتياجات هذا القطاع، وتخطي أي عقبات أو تحديات تواجهه، مضيفًا أن هناك وحدة تحت إشرافه الشخصي لتخطي هذه العقبات.
التعاون مع مؤسسة التمويل الدولية
كما أشار إلى أنه بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، تعمل مصر من خلال وحدة الطروحات الحكومية بمجلس الوزراء على التخارج من الأصول الحكومية وإشراك القطاع الخاص في ملكية هذه الأصول الحكومية، بالنظر إلى قدرته على إدارة وتشغيل تلك المنشآت بفاعلية، ونسعى للعمل بجدية من خلال دور هذه الوحدة، وصندوق مصر السيادي، للقيام بطرح المزيد من الأصول الحكومية للقطاع الخاص.
كما تحدث الدكتور مصطفى مدبولي عن التحديات الخارجية وتأثيرها على الاقتصاد المصري، موضحًا أن الاقتصاد سينمو بشكل مستدام ومستقر ولكن الخطر الأساسي يأتي من الخارج، فما يحدث الآن في المنطقة يُمكن أن يشكل ضررًا على الاقتصاد المصري، مؤكدًا أن الحكومة المصرية تبذل العديد من الجهود في محاولة تهدئة الوضع والنزاعات والحروب التي تحدث في المنطقة، والتي أثرت على التجارة الدولية، وانخفاض موارد قناة السويس من العملة الأجنبية.
وتطرق رئيس الوزراء إلى قضية تغير المناخ ومشكلة ندرة المياه والاحتباس الحراري وتأثير ذلك على عدة مناطق في الساحل الشمالي والدلتا في مصر، والتي تتعرض لارتفاع مستوى البحر، موضحًا أن هذه الأمور تدفع الحكومة المصرية لتنفيذ مبادرات ومنصات وطنية تركز على القضايا المعنية بالمياه والطاقة والغذاء مثل منصة "نُوفي"، كما تعمل الحكومة مع شركاء التنمية عن قرب حتى يمكنها أن تتخطى المخاطر الخارجية التي تحدث بسبب الاحتباس الحراري.
وفي ختام حديثه، أعرب الدكتور مصطفى مدبولي عن شكره وتقديره للمشاركين في الحلقة النقاشية، التي ناقشت عددًا من الموضوعات التي تقع في دائرة اهتمام الحكومة المصرية، كما أشاد بدور مؤسسة التمويل الدولية في مصر في دعم عملية التنمية بالتعاون مع مختلف شركاء التنمية، مؤكدًا استعداد الحكومة للتعاون المستمر.
كما توجه رئيس الوزراء بالشكر لجميع الحضور والمشاركين، سواء من الجانب المصري أو من الجهات الدولية، مؤكدًا التزام الحكومة المصرية بتسهيل مسار التعاون مع القطاع الخاص خلال الأعوام القليلة القادمة، ومشيرًا إلى حرص الحكومة على دعم القطاع الخاص بشكل جدي، وقال: مكتبي مفتوح 24 ساعة يوميًا لتلقي أي طلبات أو شكاوى ومواجهة أي تحديات والعمل على حلها.