الاستفزاز الإسرائيلى وضبط النفس المصرى!
لم يتوقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقة حماس على المقترح المصري لوقف إطلاق النار في غزة بهذه السهولة.
الموافقة المبدئية التي أبدتها حكومة الاحتلال على مقترح الهدنة المستدامة الذي قدمه الجانب المصري كان غرضها الإلقاء بالكرة في ملعب حماس حتى يظهر للعالم كله أن الحركة هي سبب عرقلة جهود التهدئة، لكن حماس فطنت جيدًا لغرض الصهاينة وامتثلت للضغوط المصرية، أو إن شئت الدقة لنصائح القاهرة بضرورة الموافقة على الهدنة المستدامة.
حماس.. موافقة ذكية بنصائح مصرية
موافقة حماس الذكية على مقترح الهدنة رغم مطالبها بوقف دائم لإطلاق النار أولًا، أعادت الكرة مرة أخرى إلى ملعب الاحتلال، وأظهرته أمام العالم أجمع أنه سبب التصعيد الجاري الذي يهدد أمن المنطقة بل والعالم كله.
قبول حماس للاقتراح المصري وضع حكومة إسرائيل في الزاوية، حيث لم يعد أمامها سوى إنهاء القتال ووقف الحرب، خصوصًا في ظل التوافق الدولي حول ضرورة التهدئة في غزة، إلى جانب ضغوط الداخل الإسرائيلي على حكومته لإنجاز صفقة تبادل الأسرى واستعادة المحتجزين، وهي نتيجة كارثية على رأس نتنياهو الذي لم يحقق شيئًا من أهداف عدوانه على القطاع طوال هذه الفترة.
هذه النتيجة تؤول حتمًا إلى محاسبة كل قادة إسرائيل وأولهم نتنياهو على فشلهم في تحقيق أهداف الحرب رغم استمرارها لأكثر من 7 أشهر.
محاسبة نتنياهو على فشله في الحرب سيفتح بالضرورة الملفات الأخرى حول تورطه في قضايا فساد، ما يعني أن مصير أطول رؤساء وزراء إسرائيل شغلا للمنصب سيئول حتمًا إلى السجن.
أراد نتنياهو الهروب من هذا السيناريو للأمام وقرر الهجوم على شرق رفح والسيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر لإشعال الموقف مرة أخرى والضغط على الطرف الفلسطيني والوسطاء بغرض كسب المزيد من أوراق الضغط خلال عملية التفاوض.
القصف الإسرائيلي الجوي والمدفعي على رفح الفلسطينية غرضه إرسال رسالة للجميع حول استعداد قوات الاحتلال لتنفيذ الاجتياح البري، كما أن السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح غرضه التحكم في دخول المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة كورقة ضغط على المجتمع الدولي الذي يدعو لتسهيل دخول المساعدات منعًا لحدوث كارثة إنسانية.
مصر بدورها كوسيط بين الطرفين وراعية لاتفاق الهدنة أدانت العمليات العسكرية الإسرائيلية فى مدينة رفح الفلسطينية وسيطرة الجيش الإسرائيلي علي الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
العملية العسكرية الإسرائيلية بمنطقة رفح الفلسطينية تنطوي على مخاطر إنسانية بالغة تهدد حياة أكثر من مليون فلسطيني يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على هذا المعبر، باعتباره شريان الحياة الرئيسي لقطاع غزة، والمنفذ الآمن لخروج الجرحى والمرضى، ولدخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الفلسطينيين في غزة.
غطرسة إسرائيل وتجاهلها للتحذيرات الدولية من تنفيذ أي عمليات عسكرية في رفح دفعت مصر لدعوة جميع الأطراف المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة قبل انفجارها، داعيةً حكومة الاحتلال إلى الابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، والتي تهدد مصير الجهود المضنية المبذولة للتهدئة وإحلال السلام.
العديد من الأطراف الدولية أدانت سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، محذرين من وقوع كارثة إنسانية، فالأمم المتحدة من حذرت من احتمال انهيار تدفق المساعدات بسبب إغلاق معبري رفح وكرم أبوسالم، في وقت يعاني فيه شمال القطاع من "مجاعة كاملة".
الصين وفرنسا أدانتا الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، مؤكدتين معارضتهما الهجوم، واعتبرتا أنه سيؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة النطاق في قطاع غزة، بحسب بيان مشترك للرئيس الصيني شي جين بينج مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.
بدوره، انتقد الممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، التصعيد الإسرائيلي، إلى جانب إدانات دولية عدة في هذا الصدد.
كل المواقف الدولية تتفق مع الموقف المصري الداعي لوقف التصعيد والانخراط في المفاوضات وصولًا لوقف إطلاق النار وتنفيذ اقتراح الهدنة المستدامة.
ضوء أخضر أمريكي
رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أحد رعاة المقترح المصري للهدنة بين إسرائيل وحماس، يبدو أنها أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل للقيام بعمليات عسكرية محدودة من أجل تعديل موقفها التفاوضي.
ترفض واشنطن - حتى الآن - الاجتياح البري الشامل فقط لرفح الفلسطينية، لكنها في الوقت ذاته لم ترفض أية عمليات عسكرية محدودة، وهو ما يتضح من تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، الذي قال فيها إن العملية على طول الحدود بين غزة ومصر في شرق رفح ليست غزوًا شاملًا للمدينة، لكنها "عملية محدودة النطاق والمدة".
التصريح يفيد بتفهم الأمريكيين لدوافع إسرائيل للقيام بهذه العملية الخطيرة رغم ما تنطوي عليه من مخاطر اتساع نطاق التصعيد، ما يؤكد أن واشنطن رغم ما تبديه من دفع في اتجاه التهدئة لا ترغب في هزيمة ربيبتها إسرائيل بشكل كبير أمام المقاومة الفلسطينية، حتى لا تخلق واقعًا جديدًا يجعل العرب أصحاب اليد العليا في الشرق الأوسط.
منذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وتولي الولايات المتحدة قيادة الشرق الأوسط بدلًا عن الاستعمار القديم، أرادت واشنطن ضمان تفوق إسرائيل عسكريًا على كل دول المنطقة لتحقيق المصالح الأمريكية دون عراقيل.
بعد انتهاء حرب أكتوبر بين مصر وإسرائيل، رعت واشنطن اتفاقًا للسلام بين الطرفين، لإخراج مصر كأكبر دولة عربية من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي بغرض ضمان الهدوء في الشرق الأوسط، حيث لا توازن في القوى بين إسرائيل وبقية الدول العربية مجتمعة.
التزمت مصر باتفاقها مع إسرائيل ولم تحدث اشتباكات مسلحة بين الجانبين رغم اعتداءات إسرائيل المتكررة على دول عربية أخرى.
كانت مصر– وستظل- هي الرقم الصعب في هذه المعادلة لكونها الدولة العربية الأكبر والأقوى عسكريًا والأكثر تأثيرًا في محيطيها العربي والإفريقي.
إسرائيل باقتحامها رفح الفلسطينية تغامر باتفاقيتها مع مصر، فالتصعيد يدخل تحت بند التهديد غير المباشر، والذي يسمح للقاهرة بتجميد معاهدة السلام أو الانسحاب منها تمامًا، نظرًا لانتهاكها من الجانب الإسرائيلي، واتخاذ أي إجراء تجده مناسبًا للدفاع عن أمنها القومي وفقًا لأحكام القانون الدولي. فاقتحام القوات الإسرائيلية لرفح الفلسطينية يعد انتهاكًا للمادة الأولى من اتفاقية السلام التي تحظر اللجوء للقوة أو التهديد ضد السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي لأي من الطرفين.
كما أن اجتياح إسرائيل رفح بقواتها وإدخال المعدات العسكرية الثقيلة، يُعدّ خرقًا واضحًا للمادة الرابعة من اتفاقية كامب ديفيد التي نصّت على إقامة مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود المصرية – الإسرائيلية. كما أنه ووفقًا للاتفاقية، ولبروتوكول المعابر الأمني الموقّع عام 2005، فإن أي زيادة في حجم أو نوع القوات في المنطقة الحدودية (د)، يتطلب تنسيقًا بين الجانبين، وإلا عُدّ خرقًا للاتفاق.
مصر في هذه الأزمة تمارس أقصى وأقسى درجات ضبط النفس أمام الاستفزازات الإسرائيلية المتواصلة، وتظهر حرصًا على التمسك بمسار التفاوض دون التخلي عن ثوابتها الخاصة برفض تهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم على حساب دول الجوار، رغم ما يبرر لها التصعيد لحماية أمنها القومي.