بعث المبادرة العربية من جديد
المهم في الورقة العربية المعروضة الآن على إسرائيل لوقف الحرب هو أنها جهد مشترك لأطراف عربية متعددة تضم مصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات وفلسطين، تلك الورقة التي تعيد بعث المبادرة العربية من جديد، المبادرة التي أطلقتها السعودية وتبنتها جامعة الدول العربية في قمة بيروت عام 2002، وأيدتها منظمة التعاون الإسلامي، ورحب بها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبقية المجتمع الدولي.
بعد مراوغة من إسرائيل لأكثر من 20 عامًا تعود الورقة العربية في محاولة منها لوقف العدوان على غزة ومنع اجتياح رفح، تعود وهي مرتكزة على مجهودات سابقة للعرب كي تحقق اتفاق سلام دائمًا وشاملًا وعادلًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بضمانة عربية ودولية.
تلك الورقة التي أبدت حماس شبه موافقة عليها وقد تعلن قرارها النهائي خلال ساعات تعطي لإسرائيل الأمن والتطبيع وتعطي لفلسطين قيام الدولة الفلسطينية.
لن يكون الأمر بالسهولة التي قد يتوقعها البعض لأن التداعيات الكارثية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة فاقت كل خيال المتابعين.
لدينا في غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة، يرافقها مفاوضات للهدنة هي الأصعب في تاريخ المفاوضات، إسرائيل تريد إعلان النصر الشامل والقضاء على حماس عقابًا لها على أحداث 7 أكتوبر.
بينما الفلسطينيون يريدون حقوقهم المشروعة وقيام دولتهم المستقلة مهما كانت التضحيات، وبين الجانبين تتحرك مصر من خلال اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف لمنع الانهيار الشامل المتوقع في حال اجتياح رفح.
اتصالات القاهرة تستهدف الاتفاق على "هدنة" في قطاع غزة، يتم خلالها تنفيذ صفقة لتبادل الأسرى.
وفي ذات الوقت ترفع القاهرة الكارت الأحمر محذرة من تداعيات تنفيذ عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية.
حماس موجودة في كل خطوة وكل اتصال وبالرغم من إقامة قادة حماس في قطر إلا أن وفد حماس يتحرك في خط ساخن بين الدوحة والقاهرة من أجل وضع النقاط على الحروف.
ويمكن القول إن المجهودات المكوكية التي تتم في القاهرة والرياض والدوحة، هي مجهودات علنية تراها أمريكا والاتحاد الأوربي ولا توجد بها أي ملاحق سرية، الأهداف الواضحة المعلنة تجعلنا أمام خارطة طريق عربية يمكنها أن تغير وجه المنطقة إذا ما التزمت بها كل الأطراف المعنية.
تسربت تفاصيل الورقة التي اجتهدت في إعدادها السداسية العربية، وقالت مصادر فلسطينية إن الورقة تعمل على أربع مراحل تنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية.
وهنا لا مبرر كي نتوقف عند اتفاق أوسلو ونسأل عن مصيره، الأحداث على الأرض مختلفة عما سبق، ونهر الدم الذي يجري الآن هو الحاسم في أي خطوة يقدم عليها أي طرف محلي أو عالمي.
وحسب ما تم نشره عن المراحل الأربعة التي تحملها الورقة العربية نجد أن المرحلة الأولى تشمل إعادة حكم السلطة الفلسطينية في غزة ومنح الحكومة الفلسطينية إمكانية العمل وفرض القانون والنظام وإعادة إعمار القطاع، وبرغم صعوبة هذه المرحلة على منظمة حماس التي تحكم غزة من عام 2006 إلا أن المصلحة العليا لشعب غزة تفرض هذا الخيار لتخفيف الضغط الإسرائيلي المتواصل عليها بسبب وجود حماس في الصورة.
أما المرحلة الثانية- حسب المتاح من المعلومات- نجدها تتضمن وضع خطة لإصلاح أجهزة السلطة الفلسطينية بما فيها إعادة هيكلة أجهزة الأمن ودمج مناطق "أ" التي تسيطر عليها السلطة مع مناطق "ب" التي تخضع للسلطة إداريًا ولإسرائيل أمنيًا، وهذه نقطة فنية تجعل ما يشبه المسئولية المشتركة للطرفين لاستقرار الوضع الأمني.
المرحلة الثالثة هي الأصعب لأن تاريخنا مع إسرائيل في التفاوض هو تاريخ سيئ، وتشمل تلك المرحلة إطلاق مفاوضات بخصوص قضايا الوضع النهائي مثل القدس والحدود واللاجئين والمياه، هذه العناوين هي محل خلاف حقيقي حيث الأطماع الإسرائيلية لا تتوقف، وكذلك إصرار العرب على انتزاع حقوقهم لا مجال للمساومة عليه.
تبقى المرحلة الرابعة وهي حصاد لما سبق ويتم فيها الإعلان عن استقلال فلسطين وبعدها التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.