أحلام الرئيس التى حوّلها «أبناء سيناء» إلى حقيقة على أرض الفيروز
يحق لنا كمصريين أن نفخر بيوم تحرير الأرض المقدسة من المحتل الإسرائيلى، الذى حاول تدنيس تلك البقعة الطاهرة بوهم تحقيق حلم الدولة الصهيونية من النيل إلى الفرات، لكن إرادة وقوة الجيش المصرى وخلفهما الشعب حوّلت تلك الأحلام إلى سراب، وكانت كحجر العثرة الذى لم يستطع تخطيه بفضل دماء الشهداء الذكية التى روت أرض الفيروز فى معركة التحرير عام ١٩٧٣، وما تلاها من معارك دبلوماسية تكللت برفع العلم المصرى فوق العريش عام ١٩٨٢، ثم فوق طابا عام ١٩٨٩ ليكتمل تحرير آخر شبر فى أراضينا.
اليوم، وبعد مرور ٤٢ عامًا على تلك اللحظة الخالدة فى تاريخ أمتنا العريقة، تغير حال سيناء بفضل تخطيط وإرادة سياسية قررت أن تنهى عزلة تلك البقعة الغالية علينا، وألا تتركها فريسة يسهل للأعداء اقتناصها، فكان خيار التنمية الشاملة بمشروعات عملاقة خصصت لها الدولة ما يزيد على ٦٠٠ مليار جنيه خلال عشر سنوات، وتلك الخطة التى حرص الرئيس السيسى على الإشراف عليها بنفسه، بل ومتابعة كل خطوة من خطواتها، وتدشين كل مشروع من مشروعاتها، باعتبار أن تلك البقعة الاستراتيجية تستحق من الدولة اهتمامًا خاصًا.
ورغم أن أيادى الشر كانت تحاول السيطرة على بعض المناطق فيها، إلا أن الحرب التى شنتها الدولة وقواتنا المسلحة لتطهير كل شبر فى شمال سيناء لم تحل دون أن تبدأ الدولة فى تنفيذ مخططات التنمية بشكل متسارع، وقد كانت هناك عدة أهداف من وراء ذلك، وإن كان أهمها مشاركة أبناء سيناء فى تنميتها، وأن يكونوا طرفًا أصيلًا فى معركة البناء، مثلما كانوا طرفًا أصيلًا فى معركة التحرير ومعركة القضاء على الإرهاب، ولأنهم يستحقون أن يعيشوا عيشة كريمة تليق بهم، وأن يكونوا شهداء على كل خطوة تخطوها الدولة فى سبيل تقدمهم والنهوض بهم من خلال المشروعات التى تقام أمام أعينهم.
وأتذكر أنه فى بداية حكم الرئيس السيسى، حين كان فى إحدى زياراته إلى شمال سيناء، وخلال إحدى جلساته مع أبناء القبائل طالبهم بالتعاون فيما بينهم وتكوين شركات تسهم فى عمليات التنمية، وأن تكون الفائدة مشتركة مع الدولة، بحيث تتمكن تلك الشركات من تشغيل أبناء سيناء فى المشروعات الاقتصادية التى تخطط لها الدولة بناءً على الميزة النسبية التى تتمتع بها المنطقة هناك، وما تحتويه من معادن وثروات حباها الله بها دون سائر الأراضى.
وخلال أشهر قليلة كانت طلبات الرئيس من القبائل تنفذ على أرض الواقع، وأُعلن عن إنشاء شركة مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار، وهى شركة مساهمة مصرية أصبحت أكبر اتحاد وتكتل صناعى على مستوى الشرق الأوسط، وتشارك تسع قبائل فى هذا الصرح الذى ضم ١٢٠٠ مساهم من أبناء سيناء ليعمروا أراضيهم، وكانت تلك الشركة أول تكتل لأهالى سيناء فى عجلة التنمية والتعمير التى تمت فى شبه جزيرة سيناء.
ولم تتأخر القوات المسلحة فى مد يد العون للتعاون مع تلك الشركة للعمل فى مجال استكشاف واستخراج الرخام فى سيناء.
وكان الرئيس حريصًا على الإعلان عن باكورة هذا التعاون من خلال زيارته الميدانية عام ٢٠١٥، حيث أكد فى ذلك الحين ضرورة توفير فرص عمل مناسبة لأبناء سيناء، باعتبارها أحد الأمور التى تسهم فى مكافحة الإرهاب والتطرف، قائلًا: «مَن يعمل لن يفكر سوى فى عمله وبيته وأولاده، ولن يفكر فى التطرف»، مشددًا على أن مكافحة الإرهاب والتطرف تكون بإيجاد فرص عمل حقيقية لكل المصريين، سواء فى سيناء وغيرها.
وقال: «نريد فى سيناء شغل سريع وكفاءة عالية، ونحن كدولة نسهل كل الأمور من معارض وتسويق للمنتجات وغيرهما، وهذا الأمر لا يتعلق بالرخام فقط، وإنما كل شىء، فى الزراعة وغيرها، لأننا بنتكلم على ٢٥ مجمعًا، ونحن بصدد إنشاء مجمع زراعى كبير فيه سمن للقبائل وطرق ومدرسة ووحدة صحية وكهرباء».
وتابع: «إحنا جايين علشان نقول لكم.. لكل أهل سيناء وأهل مصر كلها.. إحنا مش هانسيب منطقة إلا ونُجرى ونوفر فيها فرص عمل ونعمرها، وتجربة إن أهالى سيناء بيساهموا فى مشروعاتهم ويعملوا شركات.. جيدة، لكن الوقت حاسم، وإذا كنتم عايزين تكافحوا الإرهاب فى سيناء لازم الناس تشوف إن الحياة اتغيرت».
ولفت الرئيس إلى أن مشروع استكشاف واستخراج الرخام تم الحديث عنه منذ عامين سابقين لموعد تلك الزيارة، موجهًا حديثه لأبناء سيناء من مؤسسى الشركة: «عندما تحدثنا عن هذا المشروع قلت لكم إننا مستعدون لمساعدتكم، وطرحتم وقتها أن لديكم مشكلة فى تمرير الإجراءات، فقلت لكم وقتها ادخلوا فى المشروع وسيدخل معكم جهاز مشروعات الخدمة الوطنية هايشتغل معاكم، فقلتم إن لديكم ٣ مليارات جنيه تريدون استثمارها واستغلالها فى الرخام، وتم الاتفاق معكم على كل شىء على أن يتم بدء العمل فى المشروع».
تلك كانت نظرة الدولة تجاه دعم أبناء سيناء، الذين لم يتأخروا عن تلبية نداء الوطن للمساهمة فى بناء وطنهم بجدية، بعد أن وجدوا أن القيادة السياسية تزيل من أمامهم كل العقبات التى كانت توضع أمام حلمهم بتملك شركات والعمل فى أراضيهم، بل والتوسع فى المشروعات لكل ربوع الوطن، ليتحولوا إلى كيان اقتصادى عملاق يتكامل مع جميع الكيانات الاقتصادية الخاصة التى تعمل فى إطار الشراكة مع الدولة فى المشروعات القومية العملاقة.
وخلال فترة وجيزة نجحت «مصر سيناء» فى المشاركة فى العديد من المشروعات، التى نتج عنها النجاح فى استصلاح ١٥٠٠ فدان فى منطقة بلبيس بعائدات سنوية تجاوزت ٤.٥ مليون جنيه، بالإضافة إلى استصلاح ٥٠٠ فدان بمدينة السادات بوادى النطرون بعائدات سنوية تجاوزت ١.٥ مليون جنيه.
وكان ذلك التوجه فرصة كبيرة لشركات أخرى، موجودة على أرض الواقع، لأن تتوسع فى رأسمالها ومشروعاتها فى مختلف الأرجاء، ومن بين تلك الشركات شركة أبناء سيناء التى أسست عام ٢٠١٠ لخدمة الاقتصاد الوطنى والتعاون الخارجى والتجارة الخارجية، وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية والجمعيات الخيرية والمستشفيات العامة فى شمال سيناء.
وخلال سنوات قليلة أصبحت لهذه الشركة خبرة واسعة وتغطى مجموعة كبيرة من صناعات البناء والاستيراد وتصدير مواد البناء والمواشى، وأصبح لدينا اسم مميز فى السوق فى مجالات الخدمات اللوجستية والمقاولات والإنشاءات.
وشاركت فى إعادة تطوير وادى الدير بموقع التجلى الأعظم فى سانت كاترين وفى بناء وتطوير معبر رفح البرى، وإنشاء صالتين للمسافرين وصالة VIP وإنشاء منطقة XRAY للكشف عن عربات نقل البضائع فى الاتجاهين، كما مدت تلك الشركة أعمالها إلى خارج مصر، حيث شاركت فى مشروع «إعمار غزة» الذى كان أوشك على الانتهاء قبل بداية العدوان الإسرائيلى على القطاع فى أكتوبر الماضى.
وكانت الشركة تؤدى دورها الوطنى فى هذه المهمة من خلال إيصال رسالة واضحة من الدولة للأشقاء الفلسطينيين بأن مصر ستبقى مدافعة عن حقوقهم وثوابتهم الوطنية.
وعقب سنوات قليلة من إنشائها، ساهمت الشركة فى عمل أكثر من ٣٥ ألف مهندس وعامل فى أكثر من ٢٨ موقعًا فى مختلف أنحاء الجمهورية. ليتعدى دورها من خدمة سيناء إلى خدمة الدولة فى معناها الأكبر.
وخلال عشر سنوات، هى فترة حكم الرئيس السيسى، أصبح أبناء سيناء شركاء بشكل أساسى فى تنمية منطقتهم، ويسعون مع الدولة والقيادة السياسية فى إعادة رسم خريطة الخير والعمران لكل عموم الوطن، ولتصبح أعياد التحرير مناسبة سنوية لنخطو خطوات جديدة إلى الأمام، لتظل رايات مصرنا الغالية خفاقة عالية، ولنتذكر بكل خشوع الدماء الذكية الطاهرة لشهدائنا الأبرار التى لولاها لما كنا نحتفى بما حدث من عمران وتنمية فى أرض الفيروز.