أمطار تاريخية.. ودولة على قدر المسئولية
استيقظ الإماراتيون، الثلاثاء الماضي، على أمطار غزيرة غير مسبوقة في تاريخ الدولة منذ بدء عملية التسجيل والرصد عام 1949، وكانت إمارة دبي الأكثر تعرضًا لهذه الأمطار التي نجمت عن منخفض الهدير، ومع هذا ورغم ضخامة الحدث ومفاجأة الجميع به؛ فإن دولة الإمارات وشعبها وحكومتها كانوا جاهزين على الدوام في مواجهة أي طارئ مهما بلغ حجمه.
كانت استجابة الحكومة وكل إمارات الدولة على قدر المسئولية والسرعة، الأمر الذي حال دون حدوث كوارث أو خسائر بشرية؛ جراء هذه الظاهرة المناخية التي تؤكد أن التغير المناخي صار حقيقة وواقعًا يتضح لنا يومًا تلو الآخر.
الإمارات كانت سباقة كعادتها على الدوام في الاستعداد لتغير المناخ على مستوى الدولة وأجهزتها المختلفة، منذ تأسيس اللجنة العليا للبيئة عام 1975 حتى صار لدينا عام 2016 وزارة التغير المناخي والبيئة، لتؤكد الإمارات أنها تعمل للمستقبل، وليس فقط الحاضر أو معالجة تحديات الماضي.
كانت قمة المناخ "كوب 28"، التي استضافتها دبي نهاية العام الماضي؛ بمشاركة عالمية ودولية فاعلة إحدى محطات اهتمام الإمارات، بما يهدد العالم أجمع، فقد بذلت الإمارات جهودًا مضنية في هذه القمة، بل إنها تبرعت بمبلغ 100 مليون دولار في ترتيبات صندوق الكوارث المناخية، لتكون من أكبر المتبرعين لهذا الصندوق حينما تخلت الدول الكبرى والصناعية عن مسئوليتها في هذا الأمر، مع أنها المتسبب الأكبر في التلوث والتغيرات البيئية التي تعصف بنا يومًا تلو الآخر.
بل إن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، أعلن خلال قمة "كوب 28" عن استثمار الإمارات 100 مليار دولار لتمويل العمل المناخي والطاقة المتجددة والنظيفة، وليس هذا فحسب، ولكن تلتزم باستثمار 130 مليار دولار إضافية في السبع سنوات المقبلة، ليؤكد لنا وجود رؤية وطنية خالصة، ليس فقط لحماية الإمارات وشعبها والمقيمين على أرضها، ولكنّ إسهامًا منها في إنقاذ كوكبنا مما ينتظره من تبعات هذه التغيرات.
وجاءت أمطار الثلاثاء الماضي لتؤكد صحة ما ذهبت إليه الإمارات منذ سنوات، بالاستعداد لمواجهة التغيرات المناخية وقدرة الدولة على توظيف ما جرى، فعلى الفور بدأت الدولة في وضع خطط جديدة لاستغلال هذه الأمطار لتكون منبعًا للتعمير والبناء، وليس مصدرًا للخوف والخسائر، فالإمارات مناخها صحراوي جاف، ولهذا نجحت في تطبيق عمليات الاستمطار أو تلقيح السحب حتى تنزل الغيث وأمطار الخير على أرضها وشعبها.
وكما كانت الدولة على قدر المسئولية في سرعة مواجهة تبعات ظاهرة بيئية تاريخية لم تعهدها من قبل، كان شعبها وضيوفهم على أرضها حاضرين في الشدة، لنطالع سويًا صورًا تُظهر مدى التلاحم بين المواطنين والمقيمين في مد يد العون لبعضهم البعض، بل المشاركة في فتح الطرقات وتصريف المياه، ليرسموا لوحة فنية من التلاحم والتآزر بين الإماراتيين وضيوفهم، ما يؤكد لنا أن الإمارات صارت واحة آمنة وجامعة لكل جنسيات العالم، ومضيافة وشعبها كريم.