الأردن.. مؤشر أول
نجحت حماس بإمتياز في خسارة دعم الأردن لها كمنظمة وإن كان دعم النظام الأردني لشعب غزة لن يتوقف ولم يتأثر.
استطاعت حماس من خلال تصريحات محمد الضيف وخالد مشعل الحرائق أن تقدم نفسها كمنظمة فاقدة للعقل السياسي وأنها بالفعل تتصرف كمجموعة من المراهقين سياسيًا والمغامرين الذين لا يصلحون على الإطلاق في إدارة مدينة، لأنه وبينما الدم يغطى شوارع قطاع غزة وبينما تتحرك العواصم العربية من أجل وقف حمامات الدم يطلع علينا الأخ خالد مشعل متدخلًا في شئون دولة ذات سيادة اسمها الأردن ومطالبًا الشعب الأردني بامتزاج الدم الأردني مع الدم الغزاوي.
كان من الممكن لهذه الدعوة أن تذهب أدراج الرياح لولا وجود تيار متأسلم في الصف الأردني وقد تعامل هذا التيار مع دعوة مشعل باعتبارها تكليفًا حزبيًا وخرج بالفعل إلى الشارع الأردني متجاوزًا القانون والدولة.
لم يكن خروج المتأسلمين في الأردن من باب الاحتجاج السلمي، ولكنه ذهب إلى تخريب علاقة الأردن بالدول المجاورة ومنها مصر عندما هتفوا ضد الجيش المصري بل وادعوا كذبًا أن مصر تغلق معبر رفح.
ولولا الدبلوماسية الثقيلة في مصر والأردن لكانت هذه التصرفات الصبيانية سببًا في ما لا يحمد عقباه، هكذا هم أصحاب مشروع التأسلم السياسي لا يعرفون لأقدامهم موضعًا، يدعون لأندلس إن حوصرت حلب.
وهاهي تشتبك مع الأردن لا لشيء إلا متاجرة في الغباء، حكومة الأردن اعتبرت دعوات حماس للشعب الأردني للنزول إلى الشارع تحريضًا على الدولة، حيث انتقد الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين حركة حماس بعد الرسالة التي وجهها محمد الضيف قائد كتائب القسام الجناح العسكري للجماهير العربية والإسلامية بما فيها الشعب الأردني بضرورة تجاوز الحدود والدفاع عن المسجد الأقصى.
وإذا كان الضيف المحاصر في غزة مرتبكًا بسبب الموقف الذي لا يحسد عليه فما الذي يدفع رئيس المكتب السياسي للحركة في الخارج خالد مشعل لمطالبة الأردنيين بالنزول للشارع، المفترض أن مشعل رجل صاحب بال رائق لا يمسه الدم ولا الرصاص وهو سعيد في مخدعه الوثير، كيف له أن يسقط كتلميذ في الصف الأول في مدرسة السياسة.
ليست هذه هي السقطة الأولى لمشعل بل هي الثانية كانت الأولى مع دولة المغرب عندما طالب في بداية الحرب الشعب المغربي بالضغط على قيادته لوقف التطبيع وهو ما أثار غضب الشعب المغربي واعتبروه تدخلًا في شئونهم الداخلية.
المسئول الأردني رفيع المستوى أتهم حماس بمحاولة تأليب الرأي العام الأردني على القيادة السياسية قائلًا إن "هناك أيديولوجيات بائسة وشعبويات تريد تأليب الرأي العام باستغلال المشاعر والعواطف" وقال أيضًا إن "هناك إفلاسًا من القوى التي تريد أن تطعن في الموقف الأردني أو تريد إجبار الأردن على اتخاذ خيارات أخرى".
المعروف هو أن الأردن ملتزم بمعاهدة سلام مع إسرائيل، وهذه المعاهدة هي اختيار حر للأردن، حيث تؤكد في أكثر من موقع أن "السلام هو خيارنا الاستراتيجي ومعاهدة السلام هى التي تمكننا من ممارسة دورنا في تخفيف الضغوط على الأهل في الضفة الغربية".
لذلك جاءت تصريحات مشعل كنغمة نشاز لا تليق برجل يزعم أنه صاحب قضية وأنه قادر على السعي نحو حلها.
لغة متعالية لا تخلو من ابتزاز تلك التي تكلم بها مشعل الحرائق في مؤتمر بالأردن بتقنية الفيديو حيث قال "على جموع الأمة الانخراط في معركة طوفان الأقصى وأن تختلط دماء هذه الأمة مع دماء أهل فلسطين حتى تنال الشرف، وتحسم هذا الصراع لصالحنا بإذن الله تعالى".
العجيب هو أن هذا الإسلامنجي لم يوجه دعوته للشعب الإيراني لكي تختلط دماؤه مع دماء أهل فلسطين ولم يقدم نفسه كقدوة في المعركة ورأينا دماءه مختلطة مع دماء أهل فلسطين ولكنه يناضل حتى آخر نقطة دم من مواطن عربي، بينما هو على الشاشات ينافس نجوم التوك شو ويزاحم أبطال مسلسلات شهر رمضان.