جماعة الإخوان.. أين ذهب «حصان طروادة» الخاسر بعد 13 عامًا من الربيع العربي؟
وسط غياب تام لجماعة الإخوان التي كانت تحكم قبل سنوات قليلة 3 عواصم عربية، استمر عمرها فيها بين عام واحد (مصر) أو 10 أعوام كاملة (تونس)، عادت الذكرى الـ13 لأحداث الربيع العربي دون أي تواجد للجماعة التي خرجت من السلطة عبر الإرادة الشعبية الرافضة لـ«أخونة الدولة»، وخدمة الأجندات الخارجية، سواء بثورات شعبية، أو عبر إسقاطها في صناديق الانتخابات كما حدث في المغرب.
وتعرضت الجماعة خلال السنوات القليلة الماضية إلى شبه تخلي من الدول التي كانت تدعمها وتوفر لها الملاذات وتمنحها حق إطلاق القنوات الفضائية للهجوم على خصومها السياسيين، كما عمدت دول الاتحاد الأوروبي إلى إجراءات أكثر تشددًا فيما يتعلق بنشاط الجماعة داخل القارة العجوز، وما تمثله من خطر انتشار الأفكار المتشددة بين الجاليات المسلمة، وهو ما يدفع الجماعة للبحث عن وجهة جديدة.
وفي مطلع العام الجاري، وجهت السلطات الإماراتية ضربة كبيرة لجماعة الإخوان المسلمين، بإعلان النائب العام الإماراتي، حمد سيف الشامسي، إحالة 84 متهمًا أغلبهم من أعضاء الجماعة إلى محكمة أمن الدولة، لمحاكمتهم عن جريمة إنشاء تنظيم سري بغرض ارتكاب أعمال عنف وإرهاب على أراضي الدولة.
ويرى مختصون أن خيارات الجماعة باتت محدودة فينا يتعلق بنقل عناصرها وأموالها وممارسة نشاطها، بعد تضييق الخناق عليها داخل الاتحاد الأوروبي والدول العربية، خاصة في ظل الانقسامات التي تضرب الجماعة، وصراعات جبهتي لندن وإسطنبول التي تطفو على السطح بين الحين والآخر.
هل ينقل الإخوان نشاطهم إلى أفغانستان؟
كما سلطت وسائل إعلام، الضوء على زيارة وفد من جماعة الإخوان والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى أفغانستان، والتي شهدت لقاءات مع كبار المسؤولين في حكومة طالبان، فيما يبدو أن الجماعة تبحث لنفسها عن ملاذ جديد بعد تضييق الخناق عليها في دول الخليج، ووقوفها كجحر عثرة أمام استئناف العلاقات بين مصر وتركيا.
الجماعة التي تستثمر مليارات الدولارات حول العالم، تبحث أيضًا ضخ أموال ضخمة في السوق الأفغاني، لدعم كابول اقتصاديًا، والترويج لها على أنها نموذج الحكم المثالي، والبناء على ذلك مستقبلًا لتحريض الشباب العربي ضد الحكومات والأنظمة الحاكمة، مقابل توفير الملاذ الآمن لعناصر الجماعة المدانيين في قضايا عنف وإرهاب.
لماذا فشل الإخوان؟
ولم يستمر حكم الجماعة في مصر أكثر من عام، لأسباب يعددها الباحثون والمتخصصون في شؤون الحركات الإسلامية، أبرزها عدم وجود رؤية سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية لدى الجماعة، ومحاولة السيطرة على كل مفاصل الدولة قبل تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
سيناريو مصر تكرر مرة أخرى في تونس، لكن التونسيون انتظروا 10 سنوات على أمل أن تتحسن الأوضاع، أو تعود الجماعة لتمارس دورها وتضطلع بمسؤولياتها لكن دون جدوى، حتى وجدوا أنفسهم أمام حتمية إسقاط الجماعة، وهو ما انحاز إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد.
وأجمع مختصون في شؤون الحركات الإسلامية على أن تجربة الإخوان في الحكم مع اختلافها بين دولة وأخرى، كانت مفيدة؛ لأن الشعوب رأتهم على حقيقتهم، وحكمت عليهم بأنهم لا يصلحون للحكم، وأدت ممارساتهم إلى افتقاد الحاضنة المجتمعية التي كانوا يلوذون بها، فيما تتمع الجماعة بمساحة ولو محدودة، في بلدان لم تصل فيها إلى الحكم مثل سوريا والأردن.
غياب البرنامج السياسي
بالمقارنة بين ما كانت عليه قبل 2013 واليوم، فإن الجماعة شبه مختفية، لم يعد لها صوت ظاهر في المجتمعات العربية، لكنها موجودة لسببين بسيطين؛ الأول أن عمر هذه الجماعة أكثر من 80 عامًا، وتغلغت في مفاصل المجتمع، وبالتالي لا يمكن منطقيًا القول إنها انتهت.
والسبب الثاني أن كل التجارب والنظريات تؤكد أن الأفكار أو الأيدولوجيا تتراجع وتتطور لكنها لا تنتهي. حسبما يرى الكاتب والمحلل السياسي الإماراتي محمد خلفان الصوافي.
ويعدد الصوافي، أسباب اختفاء الجماعة، ومنها الحملة التي لاحقتها من المؤسسات المعنية بحماية الأمن الوطني للدول العربية. وكذلك الانقسامات والصراعات الداخلية في الجماعة بين جيل الشيوخ والمؤسسين وبين جيل من القيادات الشابة من الإخوان. فضلا عن أن الجماعة فقدت أهم عنصر كان سببا في استمراريتها طوال العقود الماضية وهو الشعب.
وقال الكاتب الإماراتي، إن تنظيم الإخوان ليس لديه برنامج سياسي واضح لإدارة دولة، وقد يكون ناجحا في إدارة حزب أو جماعة أو تنظيم، ولكن في حالة الدولة فقد أثبت فشله في مصر وتونس والمغرب.
ويحذر الصوافي، من أن التنظيم لديه القدرة على إعادة تشكيل نفسه والعودة بصورة مختلفة كما حدث في تركيا بعد «أربكان»، وهناك الاعتماد على الدعم الخارجي الغربي في مقابل تقديم خدمات لدول بعينها.
ورغم كل طرق ومحاولات الإخوان، يرى الصوافي أنه لا مستقبل لهذه الجماعة في البلدان العربية، وليس بإمكانها العودة بشكل مقبول في المجتمع، وهناك حالة واحدة سوف يحوزون فيها الاهتمام، إذا عادوا بتنظيمات مسلحة ومدمرة مثل داعش والقاعدة، وهذه ستكون النهاية الحتمية لهم.
تونس.. دمار شامل
من ناحيته، قال عضو المكتب السياسي لحركة الشعب في تونس أسامة عويدات، إن جماعة الإخوان استطاعت الوصول للحكم عبر استخدام الخطاب الديني، وفي الحقيقة لم تكن لديها رؤية سياسية أو اقتصادية للبلاد، وتمكنت من السلطة عبر استعطاف الناس بالدين، ما أدى لأزمات متكررة، ومشاكل ثانوية لا علاقة لها بشعارات الثورة من الحرية والعيش الكريم.
ويستبعد عويدات إمكانية عودة حركة النهضة لحكم تونس؛ لأنها خرجت من ضمير وتفكير التونسيين، بعد أن فشلت في 10 سنوات في تحقيق المطالب الاقتصادية والاجتماعية للثورة.
ويعيد التأكيد على ابتعاد حركة النهضة عن نبض الشارع ومطالبه الحقيقية، بالقول: لم يكن لدى الجماعة مشروع حكم بقدر ما كان لديها مشروع تحكم في مفاصل الدولة، حتى انقسم التونسيون إلى فئتين، واحدة من أتباع النهضة فهي في كفة، وباقي الشعب التونسي في كفة أخرى.
محاولات العودة
في السياق، يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان، أن الجماعة تعرضت خلال السنوات الماضية لضربات قوية جدا في مصر ودول عربية أخرى، ورغم ذلك، ما زال لها وجود، وتحاول العودة للمشهد من خلال عرض رؤى ومبادرات سياسية وغير ذلك من الأمور.
ويوضح سلطان، أن الجماعة ليس لديها خبرة في العمل داخل دواليب الدولة، ولم يكن هناك استعداد لدى أجهزة الدولة للتعامل معها؛ لأنها ظلت جماعة محظورة لسنوات طويلة قبل الوصول للسلطة.
ويختلف سلطان مع الصوافي وعويدات في مسألة مستقبل الجماعة، حيث يرى أنه رغم الضربات القوية، وتقويض الجماعة، إلا أنها لم تنتهِ بعد، وما تزال موجودة؛ لأن هناك ظروفا تدعم استمرارها، سواء فيما يتعلق بالواقع السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي، أو رغبة بعض القوى الدولية والإقليمية في إبقاء الجماعة في المشهد، محذرا من أنها قد تعود للواجهة مرة أخرى، لتأدية أدوار معينة، أو لاستكمال مشاريعها ورؤاها رغم التحديات الكبيرة أمامها.
ويختتم سلطان بالقول، إن فشل الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان أدى إلى وضعٍ جديد بين عناصر وأعضاء الجماعة، عبر القيام بمراجعات قد تظهر نتائجها في القريب في شكل استراتيجيات هدفا اكتساب أرضية جديدة، والعودة للمشهد، ولهذا يصعب القول إن الجماعة انتهت تمامًا.
الأردن.. تضارب المصالح
ويقول المحلل السياسي الأردني- الألماني ميار شحادة، إن جماعة الإخوان جرى تحجيمها خلال السنوات الماضية في تونس والمغرب ومصر ودول الخليج، وباتت مرفوضة، حتى أنه تم تهميشها في سوريا مؤخرًا، وأيضا وضعها في تركيا لم يعد كالسابق، مع الوضع في الاعتبار ما أصاب الجماعة الأم من انشقاقات بين جبهتي لندن وإسطنبول، ولم يبق من تمركز للجماعة اليوم سوى في الكويت والأردن.
يضيف شحادة أن الحكومة الأردنية تبحث عن استعادة دفء العلاقات مع السعودية، كما هي متميزة مع الإمارات، في حين تتبنى الجماعة وعناصرها خطابا عدائيا للرياض، وكذلك تعمل على تهييج الشارع ضد الحكومة والنظام الأردني، مستغلة بعض المشاكل الاقتصادية، ما يسبب تضاربًا في المصالح بين الدولة والجماعة.
وتتخذ الحكومة خطوات متعددة للسيطرة على نشاط الجماعة في الأردن، أهمها تحجيم المساحات التي يتحرك فيها حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن بشكل ناعم وبسياسة النفس الطويل، لعدم إثارة حفيظة أنصار الحزب في الشارع عبر منعه من العمل مرة واحدة، وهو ما أدى لانقسام الحزب إلى جبهتي الصقور صاحبة الصوت العالي، والحمائم البراجماتية التي تعمل مع الحكومة. بحسب شحادة.
سوريا.. الجماعة تنزف ببطء
ومنذ بداية أحداث سوريا، سيطرت جماعة الإخوان على الائتلاف السوري وكان لها الغالبية، وكانت أيضًا الشخصيات الأخرى على مقربة منها، بحسب الخبير القانوني السوري ماهر تمران.
ويوضح تمران، أن الجماعة تنزف ببطء، حيث شهدت انسحابات من صفوفها لعدم وجود أي نية للتغيير داخل الجماعة، على الرغم من أن المنسحبين ليسوا من تيار واحد، وتختلف دوافع استقالاتهم، وبعد انطلاق الثورة غادرت وجوه عديدة صفوف الجماعة لتؤسس أحزابًا وتشكيلات سياسية جديدة، لكنهم ظلوا محسوبين على الإخوان.
وحول بقاء جماعة الإخوان في سوريا رغم ما تسببت به من خراب، يرى تمران، أنه وبسبب كونها جماعة منظمة تتحين الفرص، ركب الإخوان الموجة الثورية التي شهدتها سوريا قبل التحول إلى الحرب.