رسالة سلام مصرية أرمينية
الدعوة إلى إحلال السلام والتعايش، فى الشرق الأوسط وجنوب القوقاز، كانت أبرز ما استوقفنا فى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع رئيس الوزراء الأرمينى نيكول باشينيان، التى أشار خلالها إلى العلاقات والروابط التاريخية الممتدة، التى تجمع مصر وأرمينيا، على المستويين الرسمى والشعبى، وأكد اهتمام الجانبين بتعزيز وتطوير تعاونهما المشترك، وأعرب عن اعتزازه، واعتزازنا، بمستوى التنسيق القائم، والمستمر، بين البلدين الصديقين فى مختلف المحافل الدولية.
العلاقات المصرية الأرمينية، وضع نواتها قدماء المصريين، وطوّرها البيزنطيون ثم الفاطميون، وبلغت ذروتها فى عهد محمد على، وحين فرّ الأرمن من المذابح العثمانية، التى بدأت سنة ١٩١٥، حملت السفن الفرنسية عشرات الآلاف منهم، إلى ميناء بورسعيد، وانطلقوا إلى مختلف المحافظات المصرية، لينصهروا فى نسيج شعبها، وليسهموا بدور فاعل فى التطورات، التى شهدتها الدولة المصرية فى مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية. ثم كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت بدولة أرمينيا، سنة ١٩٩١، فور استقلالها عن الاتحاد السوفييتى السابق. ومع ذلك، كانت زيارة الرئيس إلى العاصمة الأرمينية يرفان، فى ٢٨ يناير ٢٠٢٣، هى أول زيارة لرئيس مصرى إلى الدولة الصديقة بعد استقلالها.
خلال تلك الزيارة، التى وصفتها وكالة الأنباء الأرمينية بـ«التاريخية»، تناول الرئيس السيسى مع رئيس أرمينيا، ورئيس وزرائها، تطورات الخطة التنموية، التى تتبناها الدولة المصرية، وما تتيحه من فرص للاستثمار، مؤكدًا اهتمامه بتحقيق نقلة نوعية فى مساحة التعاون الثنائى، ودعم مساعى مصر لإقامة منطقة تجارة حرة مع دول الاتحاد الاقتصادى الأوراسى، لما ستحققه من مصلحة مشتركة. كما جرى توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين الجهات الحكومية المعنية فى البلدين، أضيفت إليها، اتفاقيات ومذكرات تفاهم جديدة، شهد الرئيس ورئيس وزراء أرمينيا مراسم توقيعها.
المهم، هو أن رئيس الوزراء الأرمينى زار القاهرة، الثلاثاء، واستقبله الرئيس السيسى، فى قصر الاتحادية. وبعد الإشادة المتبادلة بالعلاقات التاريخية، جرى التأكيد على تطلع البلدين إلى زيادة حجم التبادل التجارى بينهما، والتواجد الاستثمارى فى كليهما، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون، بما يتناسب مع علاقاتهما السياسية المتميزة. وفى هذا السياق، أبدى الرئيس السيسى استعدادنا لنقل الخبرات المصرية فى مجالات البنية التحتية والإنشاءات والنقل وإنتاج الطاقة، إلى الجانب الأرمينى، لافتًا إلى إمكانية الاستفادة من خبرات الشركات الأرمينية فى الذكاء الاصطناعى. كما توافق الجانبان على أهمية تنشيط دور الآليات المؤسسية القائمة بين البلدين، فى تعزيز مسارات التعاون، خلال الفترة المقبلة، خاصة اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادى والعلمى والفنى، ومنتدى رجال الأعمال المصرى الأرمينى.
تناولت المباحثات، أيضًا، العدوان الإسرائيلى المستمر على قطاع غزة، وعلى الأراضى الفلسطينية المحتلة إجمالًا. إذ استعرض الرئيس السيسى مع رئيس الوزراء الأرمينى، الجهود التى تبذلها مصر، لتحقيق الوقف الفورى لإطلاق النار الفورى، فى قطاع غزة المحتل، وتحقيق التهدئة بالضفة الغربية، حتى يتسنى تسوية القضية الفلسطينية، وإحلال السلام والتعايش فى المنطقة، بدلًا من الحروب والدمار والخراب، من خلال إقامة الدولة الفلسطينية، ذات السيادة، على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
بين أرمينيا وأذربيجان، كما لعلك تعرف، نزاع يمتد لأكثر من ثلاثين سنة، حول مرتفعات «ناجورنى قره باخ»، ولأن موقف مصر المحايد من هذا النزاع يتيح لها أن تخلق قاعدة جيدة لتسوية مستقبلية، كان طبيعيًا، أو منطقيًا، أن يتسع نطاق الدعوة إلى إحلال السلام، وأن يؤكد الرئيس السيسى، خلال المباحثات، ثم فى المؤتمر الصحفى المشترك، على دعمنا، دعم مصر، لجميع المبادرات الرامية إلى تحقيق الاستقرار فى منطقة جنوب القوقاز، ومساندتنا الكاملة للحوار والتفاوض، كإحدى أدوات حل النزاعات، سعيًا إلى تحقيق السلام العادل والشامل، ولبدء مرحلة جديدة من التنمية، تحقق مصالح شعوب تلك المنطقة.
.. وأخيرًا، وصفنا دعوة الرئيس السيسى إلى إحلال السلام، بأنها رسالة «مصرية أرمينية»، فى العنوان، لأن رئيس الوزراء الأرمينى أقرها، أو لم يعترض عليها، ولن نختلف لو رأيتها رسالة مصرية خالصة.