فى اللحظة الأخيرة
العالم يحذر من دخول الجيش الإسرائيلى إلى رفح.. ونتنياهو يُصر، العالم يندد.. ونتنياهو يعند.. لا شىء غريبًا فى هذا، فالحرب هى الحرب، ونتنياهو هو نتنياهو.. ابقوا هادئين واستعدوا لانعطافة اللحظة الأخيرة.
قد يستعد الجيش الإسرائيلى، قد توضع الخطط العسكرية، قد تصدر موافقات الكابينت، قد تتحرك الدبابات، لكن شيئًا ما قد يوقف كل شىء فى اللحظة الأخيرة: صفقة التبادل.
نتنياهو يفهم ويعلم- أكثر من أى أحد- تداعيات اجتياح رفح، لكنه يفهم ويعلم أيضًا- أكثر من أى واحد- كيف يتلاعب ويناور ويصل إلى أفضل صفقة بأقل تنازلات..
نتنياهو سيصرح بثبات أمام كل كاميرا، وفوق كل منصة، بأن دخول رفح مسألة وقت، سيضغط ويضغط ويضغط، حتى يحصل على الصفقة التى يريدها، لأن نتنياهو نفسه هو من يفهم الوضع الصعب فى رفح، وما قد يؤول إليه اجتياحٌ مثل هذا.. ويفهم أن هذه العملية معقدة أكثر من أى عملية فى أى وقت.
وحتى بعد ما يسمى بـ«خطة الإجلاء» وهى انتقال السكان الغزيين إلى الشمال، أو إلى وسط القطاع، فإن الحديث لا يدور حول رحلة، بل عن عملية مركبة وصعبة.
فى رفح يوجد الآن تقريبًا ١.٤ مليون نازح، الذين وجدوا الملجأ هناك تحت أكياس النايلون التى حولوها إلى خيام، لا يمكن بدء الاجتياح دون إخلائهم، ولا يمكن أن يكون هناك إخلاء آمن.
لا يمكن نقل مليون نازح، الكثير منهم تم تهجيرهم عدة مرات من أماكن آمنة إلى أماكن أخرى، التى دائمًا تصبح ساحات قتل، فلم يعد هناك أى مكان لإخلاء ملايين الأشخاص إليه، ليس هناك مكان للهرب أو الإخلاء.
هم يريدون إخلاء اللاجئين فى رفح إلى المواصى، كما يقترح الجيش الإسرائيلى فى خطته الإنسانية، فى المواصى لا يوجد أى شىء، لا بنى تحتية أو مياه أو كهرباء أو بيوت، فقط توجد رمال، هناك سيتم امتصاص الدماء والأوبئة، فإن المواصى ستصبح مكان كارثة إنسانية لم نشهد مثلها فى غزة، فهذه ولا خطة ولا إنسانية.
ليس فقط عملية الإخلاء، هناك عدد من الأسئلة الصعبة التى على نتنياهو الإجابة عليها إذا ما قرر الاجتياح.
ماذا ستفعل إسرائيل إذا قرر كثيرون البقاء فى أماكنهم؟ كيف ستقاتل إسرائيل حماس فى مكان به مليون نازح، كثير منهم غير ضالعين فى الحرب؟ ما صورة الوضع أمام العالم؟ وإذا تم نقلهم إلى مناطق آمنة، ماذا إذا فكرت حماس فى إطلاق رشقات نارية فى الهواء تسبب هلعًا جماعيًا ويموت الآلاف تحت الأقدام؟ من سيتحمل المسئولية؟
من فى إسرائيل يضمن أن الآلاف من حماس لن يدخلوا فى صفوف النازحين أثناء نقلهم؟
مَن ستؤول إليه الصلاحية المدنية البديلة من «حماس»؟، مَن سيوزع المساعدات الإنسانية على الغزيين الذين سينتقلون شمالًا؟
ألم يفكر نتنياهو أن دخول رفح قد يجبر حزب الله على تصعيد القتال على الحدود الشمالية، مما سيؤدى إلى نقل القوات إلى الشمال؟
هل أخذوا بعين الاعتبار إمكانية اشتعال منطقة الضفة الغربية؟ نتنياهو يفهم أن تلك الأسئلة دون إجابات، لهذا فالأقرب له أن يقبل بصفقة التبادل.