حتى لا تتكرر مأساة حبيبة
حتى لا تتكرر مأساة حبيبة التى عُرفت بفتاة الشروق، فإننا لا بد أن نتوقف عندها قليلًا لفهم ما حدث لها، وأن نفكر فيها بشكل جاد وعاقل هادئ دون محاولة إلقاء اللوم على فتاة بريئة وقعت لها مأساة مفزعة ومحزنة وأليمة، وتجربة مروعة ما زالت ترقد فيها فى حالة خطيرة بين الحياة والموت فى الرعاية المركزة بأحد مستشفيات بلدنا، وإنما أولًا لا بد أن نذكر باعتزاز الموقف الشهم والإنسانى الذى فعله الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى حرص على أن يتصل بأسرة حبيبة لعرض أى مساعدة أو علاج قد تحتاجه أسرتها.
إنها واقعة أليمة أحدثت فزعًا لدى الرأى العام فى مصر منذ بضعة أيام وأدمت القلوب، وأنا شخصيًا هذا الحادث قد أدمى قلبى، ما جعلنى أتوقف عنده حتى لا تتكرر مأساة مثلها مرة أخرى، ولأن كثيرًا من البيوت والشباب والشابات يستخدمون هذه الطريقة فى انتقالاتهم، وأقصد بذلك شركة استئجار سيارات «أوبر» والتى نزلت فى الشوارع المصرية منذ بضع سنوات قليلة فقط والتى انتشر استخدامها من الأسر المصرية كوسيلة سهلة للانتقالات، وباعتبارها مأمونة، وكثير من المصريين يلجأون إليها فى التنقل لاحتياجاتهم اليومية أو لتوصيل أبنائهم أو لتوصيلهم، وكثير من صديقاتى ومعارفى يستخدمونها منذ سنوات لتوصيلهم من مكان إلى آخر، خاصة مع ازدياد ازدحام الشوارع فى القاهرة وصعوبة القيادة أو عدم الإلمام بها، وتكدس وسائل المواصلات العامة الأخرى وبعد المسافات، وقد تستخدم للانتقال من محافظة إلى أخرى وخاصة أن لدينا امتدادًا عمرانيًا ومحافظات أخرى جديدة وقريبة من محافظة القاهرة ويقطنها من لا يطيقون زحام القاهرة والجيزة مثل مدينتى ٦ أكتوبر والشيخ زايد ومنطقة التجمع وهى مناطق جديدة ومدن شابة امتد إليها العمران، بل وأصبحت فى السنوات الأخيرة أيضًا مزدحمة وآهلة بالسكان، وهنا لا بد أن أتوقف عند عدة ملاحظات مهمة فى تقديرى وتستحق الاهتمام بها حتى لا تحدث مأساة شبيهة بمأساة حبيبة مرة أخرى.
أولاها: أن حادث حبيبة ينذر بالخطر ويثير الرعب لدى الأسر المصرية التى تستخدم هذه الشركة أو غيرها كوسيلة مواصلات ضرورية ولا بد من التوقف عند تفاصيلها لضمان عدم تكرار مثلها، حيث إن حبيبة طالبة مصرية لم تكن تدرى ما يخبئه لها القدر، وكانت ذاهبة للقاء صديقتها فى مدينة الشروق، إلا أنها استقلت سيارة «أوبر» التى هى من المفروض شركة آمنة ودولية ولديها إشراف كامل ومعلومات مسبقة ودقيقة عن أصحاب السيارات المتعاملين مع الشركة، إلا أن هذا تبين أنه لم يحدث، حيث إن حبيبة فوجئت بسلوك غريب ومريب من صاحب السيارة، حيث فوجئت بأن سائق سيارة «أوبر» التى تستقلها للوصول إلى صديقة لها فى مدينة الشروق قد أغلق النوافذ والأبواب وأخذ يرش شيئًا داخلها فانتابها الخوف من أن يكون هدفه التحرش بها أو اغتصابها.
ولشدة خوفها فتحت أبواب السيارة وألقت بنفسها فى عرض الطريق، إلا أن عناية القدر شاءت أن يكون هناك رجل رآها تقفز من السيارة على الأسفلت ثم سقطت ونزفت دمًا فاقتادها إلى المستشفى بسرعة لإسعافها، وهى حاليًا ترقد فى حالة حرجة بالرعاية المركزة بمستشفى فى مصر، وهناك محاولات لإنقاذ حياتها، حيث تبين أنها أصيبت بنزيف فى المخ وبإصابات خطيرة وهى بين يدى الله الآن وتتلهف أسرتها وأصدقاؤها والرأى العام أن تظهر بارقة أمل فى إنقاذ حياتها.
ثانيتها: إن سائق «أوبر» هذا قد اتضح أن لديه سابقة أخرى من قبل، وهنا أتوقف عند مسئولية الشركة عن أمان الركاب، إذ كيف يتعين أنها تسلم القيادة لمن لديهم سوابق حتى لو كانت سابقة ليست جناية، ولكنها سابقة، أى أنه ارتكب خطأ يُعاقب عليه القانون المصرى من قبل، وليست هذه المرة الأولى التى تشكو منها السيدات والفتيات من شركة «أوبر» التى أطالب الدولة بأن تجبرها على تنفيذ أقصى أمان للركاب وأن تضع رقابة صارمة وتتبع لكل صاحب سيارة يتعامل مع الشركة لخدمة الجمهور، وأن تضع قواعد بحيث تتلافى أى ثغرات أو أخطاء قد يرتكبها أصحاب السيارات وقد يسفر عنها تهديد من أى نوع لأمن الراكب، خاصة النساء والفتيات اللائى تضطرهن الظروف للتعامل مع شركات التوصيل فى بلدنا.
وأعلم أن لديهم طرقًا عديدة للتأكد من سلوكيات صاحب السيارة، إلا أننا فى مصر يحدث تراخٍ أو عدم متابعة لسير العمل أو إهمال أو عدم جدية فى الرقابة، ما أدى إلى مأساة حبيبة، حيث إنها قد أكدت أن هناك تسيبًا وعدم صرامة فى التعاملات والكشف عن خلفية أصحاب السيارات الذين يتعاملون مع شركة «أوبر»، ولا بد من تدخل المسئولين فى الدولة وأن يتم التشديد على هذه الشركة بضرورة أن تكفل عوامل الأمان والحماية التامة لبنات الناس والسيدات المصريات اللاتى هن فى حاجة يوميًا إلى توصيلات آمنة.
ثالثتها: الآن لا بد أن أتوقف عند أسرة حبيبة، لأنها أسرة مكلومة ومجروحة تدعو أن تستيقظ حبيبة أو أن يشفيها ويعافيها الله وأن تعود إلى حياتها المعتادة من جديد وهى بشكل عام فتاة مصرية جميلة تعرضت للحظات رعب مروعة لو قدر لها وشفيت فإنها ستظل تعانى من صدمة نفسية لفترة طويلة، وستكون فى حاجة لرعاية نفسية وصحية لفترة طويلة، ولا شك أن الكثير من الأسر المصرية ترفع الأيدى بالدعاء أملًا فى شفاء حبيبة من حالتها الحرجة وهناك دعوات كثيرة ومتواصلة من فئات كثيرة من أبناء الشعب المصرى لتُشفى حبيبة وهناك مطالبات كثيرة بالقصاص من صاحب السيارة التى كانت فيها حبيبة لسلوكه المريب مع فتاة مصرية فى مقتبل العمر، وأنا أتمنى لـ«حبيبة» الشفاء التام والعافية من هذه التجربة القاسية، وأتمنى القصاص العادل من صاحب السيارة ذى السلوكيات المريبة وبالشكل الذى يرضى المصريين والرأى العام المصرى.
رابعتها: من الملاحظات التى أسجلها هنا أنى قد لاحظت أنه فى الطرق السريعة وفى المدن الجديدة لا توجد رقابة كافية على الطرق من الجهات الأمنية، كما أننا فى حاجة إلى إنارة الطرق المظلمة، ونشر رجال شرطة فى أماكن كثيرة لتوفير حماية للنساء أو تنظيم دوريات من سيارات الشرطة بحيث تصبح الرؤية واضحة والحماية واضحة لبنات مصر اللاتى تضطرهن الظروف للذهاب إلى أماكن بعيدة وخاصة ليلًا.
إن حماية الشوارع فى بلدنا مسألة مهمة وكثير من السيدات قد تعرضن للتحرش وممارسات مزعجة ومتسرعة وخاصة من سيارات الميكروباص وغيرها، ونحن فى حاجة إلى المزيد من الرقابة من الشرطة على الطرق وهو أمر أساسى ومطلوب، ويمكن فى تقديرى تعيين متطوعين بمكافأة من الشباب الذين يبحثون عن عمل وهذا متاح والتدريب متاح.
وأتمنى من وزارة الداخلية ومن الجهات الأمنية توفير حماية أكبر لحماية المرأة والبنات فى الشوارع المصرية وأن وجود رجال الأمن بشكل لافت وبشكل ظاهر خاصة ليلًا سيؤدى بلا شك إلى ردع كل من تسول له نفسه الإقدام على السرقة أو إرهاب الفتيات أو التحرش بهن أو الاعتداء عليهن.
وهذا دور نأمل أن تقوم به الدولة وأن تتحرك لوضع بعض نقاط الشرطة أو نقاط الحراسات فى أنحاء مدينة القاهرة والمدن الجديدة وفى الطرق التى لاحظت الآن أنها دون حماية، وهذا أمر مهم حتى تشعر البنت المصرية والسيدة المصرية وأيضًا السائحون بالأمان، هذا أمر لا بد أن تعمل عليه الدولة، وأطالب بأن يكون رجال الشرطة عنصر رهبة وعنصر تخويف وعنصر أمان لكل من يرتاد الشارع المصرى.