مثقفون: كثرة الأحداث المتلاحقة سبب انتشار "الرواية التاريخية".. ويتحتم على الكاتب إبراز دور صُناع الحدث
انتشار ملحوظ شهدته الرواية التاريخية خلال السنوات الأخيرة الماضية، دون أسباب واضحة حول سبب رواج هذه الظاهرة، بأشكالها المختلفة، كدمج الأحداث التاريخية بالخيال، أو تصوير حدث بأسلوب روائي مبني على معطيات التاريخ.
وحول انتشار ظاهرة الرواية التاريخية ورواجها بهذا الشكل؛ كان لـ"الدستور" لقاءات مع عدد من المثقفين حول هذا الأمر.
كانت البداية مع الكاتب الروائي نعيم صبري، الذي قال إنه لا يميل بأي شكل من الأشكال إلى الرواية التاريخية ولا تهزه فى العموم.
وتابع: ذائقتى تنحو نحو الرواية الإنسانية المعاصرة لقضايا الإنسان المعاصر، والمعاصرة هنا أقصد بها حدود المائة سنة تقريبا أكثر قليلا أو أقل، مستطردا: لا أعرف سبب النزوع نحو الرواية التاريخية سوى خشية السلطة أو ربما نقص الخبرة الحياتية الشخصية.
أما الباحث والمؤرخ سامح الزهار كشف عن أن التاريخ في حد ذاته رواية مضمونها قصة الإنسان في هذه الحياة، والرواية التاريخية هي جزء من هذا السياق، وأظن أن انتشارها في الفترة الأخيرة له عدة أسباب أهمها هو استنطاق التاريخ وتخييل الحاضر فيه، فقد تتعقد المشكلة أمام كاتب الرواية التاريخية حيث تطالبه الأحداث بالسرد الروائي فى تتابع متدفق متسلسل لا مساحة فيه للفجوات أو انقطاع الأحداث فيتحتم على الروائي هنا إبراز دور الصناع الحقيقيين للحدث التاريخي وهم الشخصيات التاريخية التي أثرت في مجرى الأمور وربما لم تحظى بالشهرة التاريخية الكافية وعليه فيجب أن يكون كاتب الروايا التاريخية باحثًا جادًا فى تاريخ الفترة الزمنية التى تدور فيها أحداث روايته.
وتابع: عادة يلجأ الكاتب إلى هذا الشكل من بناء الرواية لإيجاد المفارقة بين التاريخ الحقيقي الذي حدث وبين التاريخ المكتوب الذي يبحث فيه المؤرخون حول الشخصيات التاريخية الكبيرة ولا يكترثون بصانعي التاريخ الحقيقيين من المستوى الثالث (المهمشون) فلا يجد الروائي في حكايتهم ما يشفى الغليل ويضطر إلى سد الفجوات باستنطاق الأحداث ووضع الروايات التاريخية المبعثرة عن هذه الشخصيات في السياق العام لزمنها وظروفها السياسية.
واستطرد: الفرق بين الرواية التاريخية وأي رواية أخرى ليس بعيدًا كما يظن البعض، فكل رواية هي رواية تاريخية إذ يجتمع بها العناصر الثلاث الأهم أو ما أحب أن أسميه ثالوث التاريخ المقدس، وهم الزمان والمكان والإنسان، والفارق هنا يكون في الراوئي ذاته وقدرته على أن يحمل بداخله باحثًا تاريخيا متمكنًا لا يقل أهمية عن كونه وكاتبًا روائيًا فيستخدم موهبته في السرد لتحويل الأحداث التاريخية المضطربة والمتناقضة والمتداخلة الى حكاية متدفقة بالأحداث المعبرة عن زمنها.
وأضاف: لا أستطيع أن أصف الرواية التاريخية بأنها أسهل من باقي أشكال السرد الروائي ولكن بلا شك هي تقدم الحكاية للروائي بشخصياتها وحبكتها وزمنها على طبق من ذهب، وبلا شك يضيف الروائي ولكن الهيكل العظمي موجود، التحدي الأهم هو التفاوت في نسبة التخييل التاريخي وتلك هي مهمة البحث التاريخي قبل الكتابة الفنية لنقد وتمييز الصحيح من الزائف.
وقال الكاتب الروائي أحمد صبري أبو الفتوح: أعتقد أن ظاهرة انتشار الرواية التاريخية يرجع إلى مجموعة أسباب، فالإلحاح الذى يمارسه بعض النقاد على ضرورة نبذ الحكاية وتسفيه الحبكة وسقوط السرديات الكبرى باعتبار أن هذا من ضرورات الرواية الجديدة جعل البعض يلجأ إلى كتابة الرواية التاريخية ليتفادى حصار هؤلاء ومعهم المتفيقهين الذين يقفون عند أعتاب النقد للرواية التى تلتزم بالحكاية وتحافظ على الحبكة وتلتزم المعانى العميقة وتحافظ على المعمار الروائى ، مستطردا أن كتابة الرواية التاريخية تتفادى الصدام مع هؤلاء لأن علم التاريخ له أصول لا يمكن تخطيها، فتكون الحكاية لها أصولها، ويكون المعنى مقصودا فى ذاته، وقد حاول البعض التوفيق بين الاتجاهين، اتجاه الكتابة الجديدة فى رأى بعض النقاد واتجاه أصول كتابة الرواية التاريخية فكتب ساراماجو روايته التاريخية الشهيرة "تاريخ حصار لشبونة" تحت ظرف نفى ما هو ثابت، على طريقة ماذا لو، وانطلق يكتب من الرأى المعاكس، لكن هذا لم يتكرر ليكون منحى جديدا فى كتابة الرواية التاريخية، وظلت كتابة الرواية التاريخية تحافظ على قدسية الحكاية وشرح الأسباب وكشف المعانى والمعمار الروائى الرصين.
وتابع: أيضا فإن هذه الظاهرة واكبت ظاهرة التكالب على الجوائز ولأن التاريخ لا يمكن تسفيهه يلجأ البعض الى كتابة الرواية التاريخية للفوز بالجوائز، وهذا يواكب أيضا تغير بنية عضوية لجان تحكيم الجوايز وضعف المكون الابداعى فيها لحساب المكون الإدارى والأكاديمى، ثم إن الرواية التاريخية يسهل تقييمها بمعيار أقرب الى الحكم العام وليس المكون الإبداعى.
وأضاف: كذلك فإن اضطراب عوالم الكتاب التى تكونت على مدى عقود بسبب عدم توافقها مع معايير الرواية الجديدة قد يلجئ الكثيرين الى كتابة الرواية التاريخية لتفادى ضبابية العالم الروائى عندهم، ولكنى لا أستبعد أن يكون الموضوع والشخصيات التاريخية ملهمة للبعض، وقد فعلها روائيون كبار مثل ماركيز فى "الجنرال فى متاهة"، وعبد الرحمن منيف مع جبرا فى "أرض السواد" وغيرهم.
ومن جهتها؛ تعتقد الكاتبة ناهد السيد أن السبب في انتشار ظاهرة الرواية التاريخية يعود إلى أن لدى الناس حنين لمعرفة التاريخ خاصة بعد مطاردتنا بأحداث كثيرة خلال الفترة الحالية، كان لا بد من توثيقها لأنها بالتأكيد غيرت مجرى الحياة، وكشفت عن سبب آخر ربما يكون "نفسي"-على حد تعبيرها- يلعب فيه الخوف دور البطولة، حيث يحاول البعض التأكد من مصداقية التاريخ وعدم تشويهه.
وذكرت: ربما من وجهه نظرى المتواضعة أن كثرة الأحداث المتلاحقة واللبس والمغالطات التى تتداول بشأنها جعلت الكثيرين يلجأون إلى قراءة أخرى للتاريخ بمحض إرادتها وبعيدا عما تناولته الكتب التعليمية فى سنواتهم الدراسية، حتى أن البعض من الكتاب لجأوا إلى كتابه الرواية التاريخية بمنظور غير أكاديمى بهدف سهوله تداولها فى صورة قصصية أو سرد روائى.
وأوضحت: للعلم اغلب الشباب والجيل الحالى يميلون لقراءة الروايات التاريخية بهذا المنظور كما قلت فى السابق تشوقا منهم للتعرف على تاريخهم القديم والانتماء إليه من جديد وهذا توجه مبشر بالخير حيث صار الشباب اكثر انتماءا وتشبعا بحب بلادهم.
وتحدث الكاتب زياد عبد التواب عن الأسباب وراء انتشار ظاهرة الرواية التاريخية، مستشهدا ببدايات الأديب نجيب محفوظ حيث كان ينوي كتابة سلسلة من الروايات التاريخية تبدأ من مصر القديمة إلى العصر الحديث، لكنه توقف وبدأ في الحركة في اتجاهات وأزمان مختلفة، مؤكدا أن الاصطدام أحيانا بمشكلة حين نتكلم عن الحاضر يسبب اصطداما ببعض التبويهات أو المحرمات أو الأمور التي ربما تثير حفيظة البعض سواء مؤسسات أو حكومات أو خلافه، مما يجعل البعض يلجأ إلى الرمز الذي أحيانا ما يتم فك شفرته.
ويعتقد أن من الأسباب الأخرى لانتشار الرواية التاريخية، أن الرواية تعتبر جاهزة، فالكاتب ليس في حاجة إلى أن ينسج رواية من البداية إلى النهاية، لكن لديه هيكل الرواية التاريخية الرئيسية الموجودة وليس عليه إلا أن يضيف عليها مجموعة من المشاهد المتخيلة لكن كل الأمور لا تخرج عن الرئيسي للرواية، مشيرا إلى أن البعض الآخر يحاول من خلال الرواية التاريخية أن ينظر إلى التاريخ بصورة جديدة ربما يحاول وضع تفسيرات من وجهة نظره مختلفة ومغايرة عن الرواية الرسمية التاريخية المستقرة، وهذا أحيانا ما يثير شغف القارئ وانتباهه، لكن هي في جميع الأحوال أسهل من كتابة أي رواية أخرى من بدايتها لنهايتها.
ويضيف: أيضا في هذا الأمر نجد الدراما التاريخية التي شاعت مؤخرا، كمسلسلات عن الإمبراطورية العثمانية وفترة مصر ما قبل الثورة وضد الإنجليز، أو الفترة الفرعونية، وأحيانا ما يكون هناك نية لتحويل هذا المسلسل إلى عمل أدبي، وأنا لا أرى في هذا الأمر غضاضة، ولكن أخطر ما في الأمر أن يتم مراجعة الأمور الدينية في سياق تاريخي غير منضبط، فمن الخطأ خلط التاريخ بالدين، وفي كل الأحوال على الكاتب أن يكون أمينا في مصادره وسياقاته حتى لا يوصل الأمر بشكل غير سليم.