د. حسن عماد مكاوى: يجب ألا يتحوّل الأكاديمى إلى مجرد منصة كتب ومراجع.. ولا نحتاج لكل كليات ومعاهد وأكاديميات الإعلام الموجودة حاليًا٢
- قال إن كثيرًا من الخريجين يتجهون للدراسات العليا للحصول على لقب «دكتور» دون إضافة علمية
- الآلاف يتم تخريجهم سنويًا وكثير منهم غير مؤهل ولدينا ضعف فى مستوى أعضاء هيئات التدريس
- طالب الإعلام كان يخضع فى الماضى لاختبارات صارمة على عكس ما يحدث الآن
- تأسيس رؤساء الجامعات كليات وأقسام إعلام دون امتلاك الإمكانات نوع من التلميع دون النظر لطبيعة السوق
- كل كليات وأقسام الإعلام تحتاج إلى تجهيزات مادية مكلفة غير موجودة فى معظمها حاليًا
- تراجع التعليم قبل الجامعى سبب ظاهرة التحاق الطلاب بكليات الإعلام دون رغبة حقيقية فى دراسة المجال
- التعيين فى مجال الإعلام لا يتم فى كثير من الحالات وفق أسس موضوعية.. وأحيانًا تغلق الأبواب أمام المستحقين
أرجع الدكتور حسن عماد مكاوى، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقًا، أزمة كثرة عدد كليات وطلاب الإعلام فى مصر إلى غياب عملية الفرز، وفتح المجال للطلاب للالتحاق بهذه الكليات دون الخضوع لاختبارات صارمة لانتقاء الشخصيات القادرة على العمل فى هذا المجال الصعب، وهو ما كان يحدث فى الماضى.
وخلال الجزء الثانى من حواره مع الإعلامى محمد الباز عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، قال «مكاوى» إن مصر تعانى أزمة التساهل فى منح الدرجات العلمية، مفسرًا ظاهرة الأعداد الهائلة لحملة الماجستير والدكتوراه بأنها رغبة من هؤلاء الطلاب فى شغل أوقاتهم، بعد فشلهم فى الحصول على فرصة عمل، أو رغبتهم فى الحصول على لقب «دكتور» دون إضافة جادة للبحث العلمى.
■ ما الفرق بين طالب الإعلام فى الماضى والفترة الحالية؟ هل هناك تغير فى نوعيته؟
- بالطبع، هناك تغير فى نوعية الطالب، نتيجة التغير فى نوعية التعليم قبل الجامعى، الذى أُصيب بنوع من التراجع، وأفرز ذلك ظاهرة الطالب الذى يلتحق بكليات الإعلام لاعتبارات أخرى دون رغبة حقيقية فى دراسة المجال.
وأنا كنت ضمن الدفعات الأولى لكلية الإعلام منذ إنشائها، وقتها كان للمجموع اعتبار كبير، لكن كانت هناك اختبارات تحريرية قاسية جدًا، ومن يجتازها يخضع لاختبارات شفهية، حتى يتم التعرف على شخصيته، وما إذا كان مؤهلًا للعمل الإعلامى، من عدمه.
والاختبارات كانت تتمحور حول الثقافة والرؤية وقراءة الأوضاع الإقليمية والمحلية والدولية، وتتم عبر لجان مشكلة من أصحاب الخبرات، وكان يتم اختيار أفضل المتقدمين للامتحانات، والطالب كان لديه الاستعداد والقدرة على العمل فى هذا المجال الصعب، وهذا كان يحتاج شخصية بمواصفات معينة.
وبعد فترة، تم إلغاء الاختبارات التحريرية والشفهية، واقتصر الأمر على المجموع العام فقط، وكانت هناك كلية واحدة هى «إعلام جامعة القاهرة»، وبعدها تم التوسع بشكل مبالغ فيه فى إنشاء كليات وأقسام وأكاديميات الإعلام، وهذا التوسع لم يراعِ احتياجات السوق.
وكانت لدينا فى الماضى كليتان للإعلام فى جامعتى الزقازيق وسوهاج فقط، إلى جانب كلية الإعلام جامعة القاهرة، ولكن حاليًا هناك كليات إعلام كثيرة وأقسام فى كليات الآداب والجامعات الخاصة، وهناك أكثر من ٤٠ كلية حكومية وخاصة ومعهدًا وأكاديمية فى الإعلام، ومصر لا تحتاج لكل هذه الأقسام.
وكان الدافع وراء هذا الزخم أن كل جامعة كانت تعتقد على ما يبدو أن افتتاح قسم للإعلام أو كلية له سيسهم فى إعلاء شأنها عالميًا، كنوع من الظهور والانتشار والتلميع لمسئوليها، دون النظر لطبيعة السوق الفعلية ودون النظر للمواصفات التى يجب أن تتحلى بها الكلية، من وجود مطبعة واستديوهات، وغيرها من الأشياء والمكونات الأساسية.
وكل كليات وأقسام الإعلام تحتاج إلى تجهيزات مادية مكلفة غير موجودة فى معظمها حاليًا، إضافة إلى أن كليات الإعلام تحتاج إلى أعداد قليلة من الطلاب، وأذكر أن الأعوام الأولى لكلية الإعلام بجامعة القاهرة لم يتجاوز عدد الطلاب بها الـ٢٠٠، ويتم تقسيمهم على ٣ أقسام، أما حاليًا فيتراوح العدد من ٦٠٠ إلى ٧٠٠، والكليات الأخرى والخاصة تزخر بأعداد كبيرة، وهناك آلاف يتم تخريجهم كل سنة، وكثير منهم غير مؤهل للعمل الإعلامى ولم يكتسب مهارات العمل أثناء الدراسة، بجانب ضعف أعضاء هيئات التدريس، إضافة إلى أن سوق العمل لا تحتمل ذلك.
وتحوّل خريجو الإعلام إلى عبء على العمل الإعلامى فى مصر، وهناك بعض الخريجين يستحق العمل فور تخرجه بما يمتلك من قدرات وإمكانات وخبرات، ولكن الزحام يفقدنا كفاءات كثيرة، والنقطة الأخرى هى أن عملية اختيار الخريجين للعمل فى مجالات الإعلام فى كثير من الحالات لا تتم وفق أسس موضوعية، فمن الممكن أن يكون هناك من يستحق العمل ولكن لا تُفتح الأبواب أمامه لأسباب أخرى.
■ هناك فجوة بين الأستاذ الأكاديمى وممارس العمل الإعلامى.. لماذا؟
- يجب آلا يتحول الأستاذ إلى مجرد منصة كتب ومراجع، وأن يعيش حالة انغلاق على الذات ويضع نفسه فى برج عالٍ، لكن لا بد أن يكون محتكًا بالمجتمع، فأستاذ الإعلام يجب أن يكون فى تطور حقيقى ولا بد أن يشارك فى الندوات والمؤتمرات وأن يدخل حقل العمل الفعلى، ولا يحصر نفسه فى الدائرة الأكاديمية، لأن تميزه يأتى من اكتساب الخبرات والقدرات، وأن يكون ملمًا بما يحدث فى السوق نفسها.
ونسبة كبيرة من أعضاء هيئة التدريس لا تهتم بهذه الجزئية، ويقتصر دورها على عملية التدريس للطلاب، وإنتاج أبحاث علمية توضع فى النهاية فى المكتبات.
يجب أن يكون الأستاذ، على الأقل، عضوًا فى اللجان التى تتعامل مع التطبيقات العملية التى تحدث، ليكتسب خبرة، ويكون هناك تبادل للمعلومات والخبرات وينعكس ذلك على الطلاب.
وهذه الفجوة ما زالت موجودة للأسف، وكان يكفى أن تذكر اسم مدرس فى كلية الإعلام فتجد حجم الزخم حوله، وتجد المجتمع كله يعرفه ويقدره لما يخوضه من عمل ميدانى بجانب عمله الأكاديمى، وحاليًا عندما تقول عن فلان «أستاذ الإعلام»، تجد أن الشخصية أمامك بلا ملامح، وكثير من أساتذة الإعلام غير معروف حتى لدى زملائه ولا يتميز بأبحاث معينة، لأن ثقافة الكم تغلبت على الكيف أو الجودة بشكل كبير، فترى مستوى الطلاب والخريجين أقل بكثير من المتوقع، وأعتقد أننا نحتاج إلى الاهتمام بالجودة وتقليل الأعداد فى الكليات.
■ هل هناك أسباب أخرى تؤثر على دور أستاذ الإعلام فى المجتمع؟
- هناك أسباب مادية، لأن الرواتب التى يحصل عليها أعضاء هيئة التدريس فى الجامعة ضعيفة ومتدنية وتجعل كثيرًا من الأساتذة يعمل فى عمل آخر إضافى لتحقيق الدخل المناسب، وهذا بالتأكيد يكون على حساب الجوانب العلمية والأكاديمية بشكل كبير.
فى الماضى، كان هناك احتكاك بالثقافات الأجنبية بشكل كبير، وحضور المؤتمرات العالمية التى تمولها الجامعة، وحاليًا لا يتم ذلك، ولم تعد هناك بعثات علمية تضيف للكادر الجامعى.
وحضور الأجانب إلى مصر فى شكل بعثات لا يغنى عن إرسال بعثات مصرية للخارج، وليكون لذلك مردود على المدى البعيد، ويجب عند إرسال البعثات أن يتم توفير إعاشة وحياة كاملة للأستاذ، وأن يعتاد على حرية الرأى والتعبير واحترام الرأى الآخر، وهذه المسائل لا تقل أهمية عن التعليم والدراسة فى الداخل.
■ هل لدينا مشكلة فى اختيار القيادات الجامعية؟
- أعتقد نعم، والسبب أن اختيار القيادات كان فى فترة من الفترات يتم عبر وزير التعليم العالى، وبعد ثورة ٢٥ يناير استُحدثت عملية انتخاب العمداء للكليات، وكان من الممكن أن نستمر فى نظام الانتخابات مع تعديل شروطه، وأنا كنت أميل أكثر لنظام الانتخاب.
الدولة المصرية بها عدد كبير من أعضاء هيئة التدريس، ولكن هناك عددًا قليلًا من هذه الفئة هو مَن يقدم الجديد والحلول القابلة للتنفيذ لعدد من المشاكل الموجودة فى المجتمع، من خلال الدراسة البحثية التى يجريها، لأن أغلب القائمين على البحث العلمى يهتم بتقديم المواصفات الشكلية للبحث وليس تقديم شىء ابتكارى.
■ هناك أكاديميون فى العلوم الاجتماعية قالوا إن مصر تعانى من ظاهرة «التساهل فى منح الدرجات العلمية».. هل توافق على ذلك؟
- نعم أوافق وبشدة، الدولة المصرية تعانى الآن من الظاهرة، ونجد عددًا كبيرًا من الخريجين يتجه لإجراء الدراسات العلمية البحثية بسبب عدم مقدرته على إيجاد فرصة عمل مناسبة بعد التخرج فى الجامعة، أملًا منه فى أن هذه الدرجة العلمية التى سيحصل عليها من الممكن أن تساعده فى سوق العمل، لذا يتقدم عدد كبير من الطلاب كل عام للدراسات العليا، ومع الأسف الشديد يمكن القول إنه ليس الهدف من هذا هو البحث العلمى بمنظوره المجرد، وإنما الهدف إما شغل الوقت فى عمل مفيد أو الحصول على مجرد لقب الدكتوراه، وهذه ظاهرة موجودة بكثرة ويجب على الدولة أن تنظر إليها باهتمام.
وعندما كنت عميدًا لكلية الإعلام جامعة القاهرة، كان رئيس الجامعة آنذاك يطلب منى تحديد عدد الطلاب الذى من الممكن أن تستوعبه الكلية بقاعاتها وإمكاناتها فى بداية كل عام، وكنت أطلب ٢٠٠ طالب فقط كل عام، لأن هذا العدد كان مناسبًا لإمكانات الكلية ومواردها، ولكن كان يتم إرسال ما لا يقل عن ٧٠٠ طالب، وكنت أدخل فى خلاف مع رئيس الجامعة، بسبب رغبته فى أن تتحمل الكلية تكلفة هذا العدد الكبير، وكنت أرى أن الجامعة هى المسئولة عن العدد الإضافى الذى أرسلته، وهذه المشكلة تشبه أزمة العدد الكبير من الحاصلين على درجتى الماجستير والدكتوراه.
وعلى الدولة ضبط هذه المسألة، ويمكن أن تتم عملية الضبط من خلال وضع مجموعة من الشروط المحكمة لطالب الماجستير وطالب الدكتوراه، وأن تكون هناك اختبارات قاسية للطالب، من أجل تحسين الجودة وتقليل العدد.
■ يقال إننا نعتمد دائمًا على النظريات الغربية الإعلامية ولا توجد لدينا حتى الآن نظرية عربية إعلامية.. ما مدى دقة هذا الحديث؟
- هذا الحديث دقيق بالفعل، والسبب فى ذلك هو أن الإعلام فى بدايته ظهر فى الغرب، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية، لذا كانت أمريكا هى الدولة الأم المتميزة فى هذا القطاع.
فى الستينيات والسبعينيات بدأت المدرسة النقدية الإعلامية تظهر فى ألمانيا وأوروبا، والتى تنظر للبحوث بشكل نقدى وبرؤية أكثر شمولًا، وتعمل على تقسيم المشكلة إلى أجزاء صغيرة على نفس النمط الأمريكى، وبعد ذلك بدأت تظهر نظريات إعلامية غربية لكن غير أمريكية.
والنظريات الإعلامية المصرية بدأت كنظريات تاريخية، واتجه بعض الأساتذة للدراسة بالخارج وأتى بعد ذلك إلى مصر بالفكر الأمريكى، وفى مرحلة ثالثة أصبحت البحوث المصرية تحاكى البحوث النقدية الأوروبية، وفى العشرين سنة الماضية بدأت تظهر نظريات واجتهادات فى دول شمال إفريقيا، مثل المغرب وتونس والجزائر، وهذه البلدان متأثرة بالدراسات النقدية الأوروبية، لذا هذه الدول اكتسبت خبرات كثيرة فى القطاعات المختلفة، ولكن مصر ما زالت فى بداية الطريق رغم أن التجربة المصرية متشعبة وتاريخية.
■ هناك تحديات تواجه الإعلام التقليدى أمام الوسائط الحديثة مثل «السوشيال ميديا» وغيرها.. هل ترى أنه من الممكن أن تبتلع الوسائل الجديدة الوسائط التقليدية؟
- تاريخيًا، لا يوجد وسيط أثّر على وسيط آخر ظهر بعده، وعندما ظهر الراديو ظلت الصحافة موجودة حتى وإن تراجعت بعض الشىء، وعند ظهور التليفزيون لم يحدث اختفاء للصحافة والراديو، لذا أنا من أنصار أنه لا توجد وسيلة تؤدى إلى اختفاء وسيلة أخرى، ولكن على الوسائل القديمة أن تطور من ذاتها حتى تستطيع أن تنافس.
ما زالت أمام الصحافة المطبوعة فرصة فى الظهور والتنافس، من خلال التقارير الاستقصائية وعمليات التحليل والنقد، والصحف الورقية التى تواكب العصر تستطيع الصمود أمام هذه الحداثة الإعلامية.
وتحقق المنصات كل ما يحتاجه المتلقى فى الوقت الذى يرغبه بالطريقة التى يحبها، كما أن التفاعل يكون فى المنصات الإعلامية مرتفعًا بصورة كبيرة، لذا اختفت فكرة المتلقى السلبى مع ظهور تلك المنصات الحديثة، ولذلك تأثير المنصات الإعلامية الحديثة متزايد بشكل ملحوظ.
والمنصات الإعلامية تؤدى إلى ظهور بعض الأزمات، إذ يمكن من خلالها الترويج لبعض السلوكيات التى تتناقض مع القيم المجتمعية والثقافية والدينية، لذا يجب تقديم منصات بديلة للمنصات التى تعمل على بث الأفكار السلبية والمنافية لقيم المجتمعات، مع تفعيل جانب التربية الإعلامية التى تعمل على تكوين العقلية الناقدة للمعلومات الإعلامية التى يتم الحصول عليها.
ومن الممكن أن يكون المواطن غير واعٍ لاحتياجاته وراغباته.. والتربية الإعلامية هى شكل من أشكال التوعية، والإعلام هو نافذة للمواطنين لكى يعبروا عن مطالبهم، وقبل ٢٠١٤ كان ينُظر للإعلام على أنه سلعة قابلة للشراء والبيع.
■ تحدثت عن قواعد التربية الإعلامية الجيدة.. ما هى؟
- التربية الإعلامية هى شكل من أشكال التوعية، وتعتمد على كيفية تكوين العقلية الناقدة للعمل الإعلامى، بمعنى آخر «المفروض ونحن بنتفرج يجب أن نسأل أنفسنا: ما الذى سيضيفه لنا هذا العمل؟، وما عوامل الحُكم على العمل سواء كان جيدًا من عدمه؟».
والإجابة عن هذين التساؤلين، يجب أن تتم من خلال رؤيتى للعناصر الجيدة والسيئة فى محتوى العمل، وهذا هو دور التربية الإعلامية، وهو تقديم المساعدة فى كيفية التعرف على القيم السلبية التى يتم بثها من خلال الأعمال.
■ فى الآونة الأخيرة أصبحت وسائل الإعلام الحديثة فى متناول أيدى الشباب والأطفال بدرجة كبيرة.. كيف يمكن للآباء أن يتعاملوا مع هذه الظاهرة؟
- أنا ضد فكرة منع الآباء والأمهات أولادهم من البحث ومشاهدة وسائل التواصل المختلفة بهدف حمايتهم، بل يجب عليهم أن يشاهدوا ما يشاهده صغارهم، ولكن مع تقديم التوعية اللازمة، لأن المنع سيجعل الأبناء يشاهدون ما يريدونه ولكن فى السر، ودون معرفة الآباء، وبالتالى ستزيد النتائج الضارة على الصغار.
■ من وجهة نظرك.. كيف ترى تأثير «السوشيال ميديا» على الأداء الإعلامى؟
- دعنا نفرق ما بين تأثير «السوشيال ميديا» فى مصر وخارجها، وأنا أعتقد أن تأثيرها فى الخارج ليس بالقدر الكبير، لأن هناك وسائل إعلام كثيرة متنوعة ومتعددة، وتشمل كل الاهتمامات والاتجاهات، وبالتالى تعمل على امتصاص جزء كبير من محتوى «السوشيال ميديا» السلبى.
ولكن فى مصر، العكس صحيح، فنجد أن التنوع محدود، وبالتالى الفضول والشغف بمعرفة أى شىء خارج القدر المحدود المُتاح، يجعل المواطنين يلجأون إلى وسائل التواصل الاجتماعى.
وأرى أن الأخطر من ذلك هو أن البعض يلجأ، من أجل الحصول على معلومات مختلفة، إلى متابعة وسائل إعلام أجنبية وغالبًا ما تكون معادية، وهذا يحدث ليس لشىء إلا لأنها تقدم آراءً وموضوعات مختلفة، حتى لو كان الكثير منها أكاذيب وشائعات.
■ كيف يمكننا حل هذه الأزمة؟
- من خلال التنوع فى تقديم المحتوى، والبحث عن بدائل أخرى تجذب المواطنين، فلا بد أن تجد كل فئات المجتمع صورتها وقضاياها منعكسة فى وسائل الإعلام الخاصة بنا، وأن تتيح لهم التعبير عن أفكارهم من خلال هذه الوسائل، وذلك يكون فى إطار الحفاظ على قيمنا وتقاليدنا وأمننا الوطنى.
■ طوال الوقت نتحدث عن الثقافة والحفاظ على الهوية المصرية.. هل الإعلام أدى مهمته جيدًا فى ذلك أم شارك فى تشويه الهوية؟
- دون تعميم، الإعلام خلال العشرين سنة الأخيرة ابتعد عن الثقافة أو عن منظومة القيم والعادات والتقاليد بمفهومها الكبير، وانجرف ناحية أن يكون إعلامًا ربحيًا، ومثال على ذلك ما حدث قبل ٢٠١٤، إذ كان يُنظر للإعلام على أنه سلعة قابلة للبيع والشراء خاضعة لقانون العرض والطلب، ولكى تكون السلعة مرغوبة، لجأنا للأسف إلى الرخص والإسفاف والابتزال فى المحتوى، كى نحقق شعبية، وهذا لم يحدث فقط فى القنوات والصحف، وإنما امتد الأمر إلى الأغانى والموسيقى وغيرها من الفنون.
■ ما يرغب به المواطن وما يحتاجه معادلة صعبة.. كيف يمكن أن تُحل هذه الأزمة؟
- بالفعل دائمًا ما أرى هذين الأمرين، ما يرغب فيه المواطنون وما يحتاجون إليه، ودعنى أقول لك إننا لو سألنا الموطنين فى الشارع «هيقولوا عايزين حاجات خفيفة مثل الأفلام والمسلسلات والأغانى»، بخلاف احتياجاتهم الحقيقية.
وبالتالى يجب على الإعلام أن يحل هذه المعادلة، من خلال تقديم ما يحتاجه المواطن، ولكن بالشكل الذى يحتاجه هو وليس المفروض عليه، وهذا هو حل المعادلة، لأن المواطن أحيانًا من الممكن أن يكون غير واعٍ باحتياجاته ولكن واعيًا براغباته.
■ هل ابتعاد الثقافة عن روح الإعلام فى فترة من الفترات أضر بالمجتمع المصرى؟
- الثقافة هى الجوهر والأساس، وفى فترات طويلة جدًا كان هناك تكامل ما بين الثقافة والإعلام، ولكن للأسف فى فترات أخرى حدث انفصال، ووصل إلى حد الصراع فى بعض الأحيان، مثلما حدث بين وزارتى الثقافة والإعلام.
والآن نحتاج إلى أن نمد جذور التفاهم والتكامل مرة أخرى، فالإعلام لديه القدرة على أن ينشر الرسالة لأكبر قاعدة ممكنة من المواطنين، والثقافة هى الجوهر والمضمون، وبالتالى لا يمكن الاستغناء عن كلا الطرفين، والاثنان هما وجهان لعملة واحدة.
■ ما دور الإعلام فى الحفاظ على هوية المجتمع المصرى؟
- الإعلام لا بد أن يكون نافذة للمواطنين لكى يعبروا عن أنفسهم وعن مطالباتهم واحتياجاتهم وأفكارهم، يجب أن يكون متاحًا لأكبر عدد ممكن من الجماهير، كى يعلموا أن أصواتهم وأفكارهم موجودة، والدور الأساسى الذى يجب أن يؤديه الإعلام هو الكشف عن أى سلبيات داخل المجتمع، لنستطيع معالجتها، وأيضًا تحقيق الشفافية، وهنا لا بد على الدولة أن تساعد الإعلام.
كما أنه يجب أن يكون المواطن شريكًا مع الدولة، وأن يتم التحدث فى المسائل التى تخص المواطن بكل وضوح دون لغط، حتى لا يلجأ إلى الطرق البديلة والمنصات الزائفة، التى لا تعبر عن الحقيقة بشكل كبير.