السلام فى الشرق الأوسط لن يأتى إلا بعد نتنياهو!
«أنا فخور بأننى منعت إقامة دولة فلسطينية»، قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ويكررها فى كل مناسبة، ليزيد من إحباط الإدارة الأمريكية، التى لا ترى سلامًا فى الشرق الأوسط إلا بحل الدولتين فى الأراضى المحتلة، ويرى وزير خارجيتها، تونى بلينكن، أنه من أجل تطبيع المملكة العربية السعودية مع إسرائيل، ومشاركة الدول العربية فى اتفاق على إعادة إعمار غزة «عليك بحل القضية الفلسطينية»، ومع أن الرئيس الأمريكى جو بايدن، أيد، بشكل كامل، حرب إسرائيل ضد حماس منذ السابع من أكتوبر، إلا أنه أعرب بشكل متزايد عن قلقه بشأن كيفية تنفيذ نتنياهو لذلك، وقد أصبحت التوترات بين بايدن ونتنياهو واضحة فى افتقارهما إلى التواصل المباشر فى الأسابيع الأخيرة،، وفى الشهرين الأولين من الحرب، تحدث بايدن مع نتنياهو بانتظام، ولكن مع تزايد إحباط الإدارة الأمريكية من استخدام إسرائيل المكثف للقوة، ومنعها الإمدادات الإنسانية التى تشتد الحاجة إليها إلى غزة، أصبحت محادثاتهم أقل تواترًا، وفقًا لمسئولى الإدارة، وكانت آخر مكالمة معلنة بينهما فى الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، أى منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ووفقًا لمسئولين أمريكيين، انتهت هذه الاتصالات فجأة بخلاف حول رفض إسرائيل تحويل مئات الملايين من الدولارات من عائدات الضرائب التى كانت تحتجزها عن السلطة الفلسطينية منذ بدء الحرب، وكان ارتفاع عدد القتلى المدنيين، الذى يصل الآن إلى نحو خمسة وعشرين ألف شهيد، سببًا آخر للخلاف، فضلًا عن الخلافات حول وقف تسليم المساعدات الإنسانية إلى غزة، والتى بمقتضاها واجهت الولايات المتحدة ضغوطًا دولية، لبذل المزيد من الجهد لحمل إسرائيل على السماح بدخول المزيد من شحنات الغذاء والإغاثة إلى غزة، وضغط عليه بلينكن فى اجتماعه الأخير مع نتنياهو، ولكن بعد ذلك، وجه نتنياهو توبيخًا علنيًا غير عادى لطلبات بلينكن، وقال فى خطاب متلفز: «نحن مستمرون بكامل قوتنا» حتى تطلق حماس سراح جميع رهائنها،
ويستمر التوتر، ويزداد يومًا بعد آخر بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الاحتلال الإسرائيلى بشأن الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، آخرها كان رفض بنيامين نتنياهو مقترح واشنطن بإقامة دولة فلسطينية، كجزء من سيناريو ما بعد الحرب، مما يسلط الضوء على الانقسامات العميقة بين الحليفين المقربين، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العدوان الإسرائيلى على غزة.. وكانت الولايات المتحدة دعت إسرائيل إلى تقليص هجومها، وقالت إن إقامة دولة فلسطينية يجب أن يكون جزءًا من سيناريو ما بعد الحرب، لكن تعهد بنيامين نتنياهو، فى مؤتمر صحفي، بالاستمرار فى العدوان والهجوم حتى تحقق دولة الاحتلال انتصارًا حاسمًا على الفصائل الفلسطينية، كما رفض أيضًا فكرة الدولة الفلسطينية، وقال إنه أخبر واشنطن بذلك.. وكشف موقع «أكسيوس» الأمريكى منذ أيام أن الرئيس بايدن يشعر بإحباط شديد تجاه بنيامين نتنياهو، بسبب رفضه معظم طلبات الإدارة الأمريكية، فيما يتعلق بالحرب على قطاع غزة، ولم يتحدث بايدن ونتنياهو منذ أيام طويلة، مشيرًا إلى أن المكالمة الأخيرة بينهما كانت متوترة، وانتهت بإغلاق الرئيس الأمريكى الهاتف فى وجه رئيس وزراء الاحتلال قائلًا له «هذه المكالمة انتهت».
«هناك فرصة عميقة للأقلمة فى الشرق الأوسط، فى الشرق الأوسط الكبير، لم تتح لنا من قبل»، قالها بلينكن خلال مقابلة فى قمة المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس، سويسرا، لكن «التحدى هو تحقيق ذلك»، وعما إذا كان نتنياهو هو رئيس الوزراء المؤهل لاغتنام هذه الفرصة، أوضح بلينكن، أن «هذه قرارات يتخذها الإسرائيليون.. وهذه نقطة انعطاف».. تصريحات بلينكن، التى أدلى بها خلال مقابلة مع كاتب العمود فى صحيفة «نيويورك تايمز»، توم فريدمان، جاءت بعد أسبوع واحد فقط من رحلة إلى الشرق الأوسط، فى محاولة لإقناع إسرائيل والقادة العرب بالاتفاق على مسار للمضى قدمًا فى غزة بمجرد انتهاء الحرب مع حماس، وأبان فيها أن انقسامات إدارة بايدن ونتنياهو أصبحت حول تعامل إسرائيل مع حربها مع حماس، فضلًا عن رفض نتنياهو النظر فى المقترحات الأمريكية لغزة ما بعد الحرب، أكثر وضوحًا منذ زيارة بلينكن إلى إسرائيل.. وقد عاد بلينكن إلى واشنطن بعد أن رفض نتنياهو جميع طلبات الإدارة الأمريكية، باستثناء واحد: فهم أن إسرائيل لن تهاجم حزب الله فى لبنان.
كان الإنجاز الرئيسى لبلينكن فى رحلته الأخيرة إلى الشرق الأوسط الحصول على التزام من ولى العهد السعودي، محمد بن سلمان، وأربعة قادة عرب آخرين، بالمساعدة فى إعادة بناء غزة بعد الحرب، واتفق القادة العرب أيضًا على دعم حكومة فلسطينية جديدة يتم تأهيلها لتأمين غزة، كما عرض ولى العهد السعودى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كجزء من اتفاق إعادة إعمار غزةـ وهو تطور دبلوماسى سعى إليه نتنياهو منذ فترة طويلةـ ولكن فقط، إذا قام رئيس وزراء إسرائيل بتزويد الفلسطينيين بطريق لإقامة دولتهم المستقلة.. إلا أن نتنياهو رفض العرض، وقال لبلينكن إنه غير مستعد لإبرام صفقة تسمح بإقامة دولة فلسطينية.. والآن يقول ثلاثة مسئولين أمريكيين كبار إن إدارة بايدن تتطلع إلى ما بعد نتنياهو، فى محاولة لتحقيق أهدافها فى المنطقة، وقال العديد من كبار المسئولين الأمريكيين إن نتنياهو «لن يكون هناك إلى الأبد».
وتحاول إدارة بايدن الآن- كما تقول أندريا ميتشل، كبيرة مراسلى واشنطن وكبيرة مراسلى الشئون الخارجية لشبكة إن بى سى نيوز- وضع الأساس مع قادة إسرائيليين وقادة مجتمع مدنى آخرين استعدادًا لحكومة ما بعد نتنياهو فى نهاية المطاف.. وفى محاولة للالتفاف على نتنياهو، التقى بلينكن أيضًا بشكل فردى مع أعضاء فى حكومة الحرب الإسرائيلية، وقادة إسرائيليين آخرين، بمن فيهم زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق، يائير لابيد.. وقد بدأ بلينكن «عمدًا» رحلة الأسبوع الماضى إلى الشرق الأوسط، وهى الرابعة له منذ بدء الحرب، بزيارة الدول العربية، بدلًا من إسرائيل، من أجل تقديم اقتراح عربى موحد لنتنياهو بعد الحرب.. وبعد عودته إلى واشنطن، أطلع بلينكن الرئيس جو بايدن على رحلته إلى المنطقة، لتتابع الولايات المتحدة الآن مع القادة العرب مناقشات بلينكن، لكن كبار المسئولين فى الإدارة أقروا بأن آمال بايدن فى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ترتبط الآن ارتباطًا وثيقًا بإقامة دولة فلسطينية.. ونتيجة لذلك، اعترف أحد كبار المسئولين فى الإدارة الأمريكية بأن تطلعات الرئيس إلى سلام إقليمى دائم قد تنتظر حكومة ما بعد نتنياهو، لكن «الكرة الآن فى ملعب رئيس الوزراء الإسرائيلي»، ويلتزم بلينكن الحذر من أن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالى من اقتراح القادة العرب، بما فى ذلك الصفقة السعودية، قد لا يصمد.. «سأكون حذرًا بشأن افتراض أن إسرائيل ستحبط الصفقة.. إذا افترضنا أن حماس لم تعد فى غزة بعد الحرب، وأن السعوديين وغيرهم من العرب المعتدلين سيستثمرون فى غزة ويُطبعون العلاقات مع إسرائيل، فسيكون ذلك بمثابة تغيير فى قواعد اللعبة.. الدول العربية تقول بأنها لن تدخل فى العمل- على سبيل المثال- لإعادة بناء غزة، فقط لتسويتها بالأرض مرة أخرى فى غضون عام أو خمس سنوات، ثم يطلب منا إعادة بنائها مرة أخرى».
■■ وبعد..
فإنه بالرغم من تأكيد الرئيس الأمريكى جو بايدن، مرارًا وتكرارًا، على التزام الولايات المتحدة بإقامة دولة فلسطينية فى نهاية المطاف، فى إطار ما يسمى بحل الدولتين، الذى ينبع من اتفاقيات كامب ديفيد التاريخية عام 1978 بين إسرائيل ومصر، والتى تم تكريسها فى قرارات الأمم المتحدة، وقبلتها إسرائيل والفلسطينيون لاحقًا عام 1993، إلا أن نتنياهو جعل حل الدولتين هذا صعبًا بشكل متزايد، خلال فترة وجوده فى منصبه.. ومنذ الهجوم الذى شنته حماس فى السابع من أكتوبر، رفض نتنياهو رفضًا قاطعًا أى دولة مستقبلية للفلسطينيين، حتى أنه قال الشهر الماضي: «أنا فخور بأننى منعت إقامة دولة فلسطينية».
ومع هذا، أعلنت مصر عن مبادرة وقف العدوان الإسرائيلى الجارى الآن فى غزة من خلال طرح ثلاث مراحل تنتهى بوقف دائم لإطلاق النار، مع السعى لتوحيد الصف الفلسطينى، تمهيدًا للذهاب معًا إلى أى ترتيبات تتعلق بالقضية الفلسطينية.. وتنطلق المبادرة المصرية باعتبار القاهرة هى الطرف الأجدر والأكثر إدراكًا لتفاصيل ومفاتيح القضية، والأقدر على قراءة الملف وواقع كل طرف من الأطراف، بجانب امتلاك الاتصالات مع الأطراف الفاعلة والإقليمية والدولية. وهى تهدف إلى حماية الفلسطينيين ووقف العدوان كأولوية، وإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.. مبادرة مدعومة بتمسك الرئيس عبدالفتاح السيسى بموقف مصرى يؤكد رفض تصفية القضية الفلسطينية، والسعى إلى تقديم السلام وضرورة الحل بإقامة الدولة الفلسطينية. بعيدًا عن تصريحات نتنياهو، ووزراء الحرب فى إسرائيل عن استمرار العدوان، بينما الجارى أن الحرب تبدو بلا أفق، ولن تحقق غير قتل المزيد من المدنيين، والتأكد من استحالة القضاء على المقاومة نهائيًا، وهو ما يضع كل الأطراف فى مأزق يستدعى قبول وقف الحرب، وقبول المبادرة المصرية التى تنطلق- مثل سابقاتها- من معرفة وإدراك لمفردات الحرب.