الطرف الثالث.. لماذا قدمت جنوب إفريقيا دعوى ضد إسرائيل فى لاهاى؟
عدد من الأسئلة لا يزال واضحًا حول تحرك جنوب إفريقيا تجاه إسرائيل ورفعها دعوى ضدها في محكمة العدل الدولية، واتهامها بتنفيذ الإبادة الجماعية في الحرب على غزة.
ما هي علاقة جنوب إفريقيا، التي تبعد عن المنطقة نحو 4000 كيلومتر، بالاتهامات ضد إسرائيل؟ ادّعت جنوب إفريقيا أن لها الحق في اتخاذ هذا الموقف ضمن إطار ما يُطلق عليه في القانون الدولي Erga Omnes "في مواجهة الجميع"، بمعنى أن أي دولة من الدول التي وقّعت الاتفاقية بشأن الإبادة الجماعية لها الحق في تقديم الشكوى ضد أي دولة أُخرى يُشتبه في ارتكابها هذه الجريمة.
هناك سابقة على هذا النحو، حدثت في عام 2019، حين قامت غامبيا برفع دعوى على ميانمار في المحكمة بسبب جرائم ضد الإنسانية ارتُكبت على أراضيها، كما توجد حالة منذ سنة 2023، حين قامت كندا بتقديم شكوى ضد سوريا بتهمة التنكيل بسكانها.
استعداد جنوب إفريقيا
من خلال قراءة الوثائق التي قدمتها جنوب إفريقيا إلى المحكمة، ومشاهدة ممثليها الثمانية في لاهاي، كان من الواضح أن بريتوريا كانت تستعد لهذه الخطوة منذ فترة طويلة، حيث ركز رئيس الفريق القانوني الجنوب إفريقي، جون دوجارد، على اختصاص المحكمة في مناقشة القضية، معتبرًا أن هناك خلافًا مستمرًا بين البلدين حول الوضع في غزة.
ولإثبات الخلاف أشار "دوجارد" إلى رسائل أرسلتها وزارة خارجية جنوب إفريقيا إلى إسرائيل، أعربت فيها عن قلقها بشأن الوضع الإنساني في القطاع وطالبت بمناقشة الأمر، فيما ادّعى المحامي الجنوب إفريقي أن إسرائيل لم ترد قط على هذه الرسائل، ومن هنا جاء الخلاف لتقديم الدعوى في لاهاي
الفريق القانوني الإسرائيلي دحض ادعاء جنوب إفريقيا بالولاية القضائية، مبينا أن إسرائيل ردت على الرسائل وأنها في الواقع دعت جنوب إفريقيا لفتح حوار بشأن غزة. وقال الفريق الإسرائيلي إن جنوب إفريقيا تضلل المحكمة بالتظاهر بخلاف ذلك.
والحقيقة أن جنوب إفريقيا أرسلت هذه الرسائل إلى إسرائيل بهدف واحد، هو تحديد أساس الاختصاص القضائي للشكوى التي قدمتها لاحقا إلى محكمة العدل الدولية، ما يعني أن تحرك جنوب إفريقيا كان مخططا له ومتعمدا، قبل الخطوة في لاهاي.
هل تقف السلطة الفلسطينية خلف ذلك؟
هناك تقديرات بأن من شجع جنوب إفريقيا على تلك الخطوة هي السلطة الفلسطينية بقيادة "أبومازن"، فالسلطة الفلسطينية تحاول، على مدى عقود، إزعاج إسرائيل باستخدام القانون الدولي، من خلال اللجوء إلى مختلف المحاكم والمؤسسات للمطالبة بالتحقق مع إسرائيل، أو فرض العقوبات عليها، ومع كل محاولة للسلطة الفلسطينية كانت إسرائيل تحذر "أبومازن" من أنه إذا واصلت السلطة تقديم الشكاوى والإزعاج فإن الامتيازات الممنوحة لمسئولي السلطة ستُسحب منهم. وهذا ما أجبر "أبومازن" على سحب الدعاوى في كل مرة، لكن السلطة تحاول أن تقوم بذات التحرك ولكن من خلال جنوب إفريقيا، نيابةً عنها.
العلاقة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا
تحرك جنوب إفريقيا في لاهاي فاجأ إسرائيل، حيث تربط الدولتان تجارة واسعة، كما أنه، حسب مصادر أجنبية، إسرائيل ساعدت جنوب إفريقيا، في السبعينيات من القرن الماضي، على الحصول على قدرات نووية.
وفي الثمانينيات، ساعدت إسرائيل جنوب إفريقيا في حربها في ناميبيا، وعندما قاطع العالم جنوب إفريقيا عام 1987، كانت إسرائيل من ضمن الدول القليلة التي حافظت على علاقات معها، وظلت ترفض فرض العقوبات عليها حتى النهاية تقريبًا.