سنوات الاقتصاد
تابعت مع كثيرين الورقة التي أصدرها مركز معلومات مجلس الوزراء حول الأهداف الاستراتيجية للاقتصاد المصري والتي تستهدف الحكومة تحقيقها خلال الست سنوات القادمة.. والحقيقة أن ما أعلنته الورقة من أهداف هو أكثر من رائع رغم لإن الورقة لم تشرح كيف يمكن تحقيقه.. رغم أن مهارة أي حكومة هي في كيفية تحقيق الأهداف وليس تحديد الأهداف.. توقفت مثلا أمام هدف تصدير الثروة البشرية المصرية للخارج وتحويلها إلى مصدر للعملة الصعبة.. هذا هدف محترم ولكن الفكرة هي في كيفية تحقيقه؟ كيف نرفع من قيمة الثروة البشرية المصرية بحيث يطلبها الآخرون؟ كيف نضاعف عدد المتعلمين المميزين بحيث يكون لدينا منهم ما يكفي لتحقيق أهداف التنمية في مصر ويفيض للتصدير في الخارج.. لقد سارعت بعض المواقع المشبوهة لاقتناص هذا الهدف من الورقة التي أعلنها مجلس الوزراء وجعلته هدفا للسخرية.. وكان تصدير الثروة البشرية للخارج امر جديد..او رجس من عمل الشيطان..رغم ان تحويلات العاملين المصريين في الخارج هي المصدر الاول للعملة الصعبة في مصر خلال ما يقرب من اربعين عاما..ومع ذلك اقول ان عدم شرح الحكومة لكيفية تحقيق هذا الهدف الهام فتح الباب للسخرية او لتشويه الفكرة..في الحقيقة ان الحكومة لابد ان تعلن برنامجها التفصيلي لتحقيق كل هدف من الاهداف التي اعلنتها في ورقتها والا فان ما قالته سيظل مجرد كلام..فاذا كنا ننوي الاعتماد علي الثروة البشرية في الخارج فلابد من دعم لتعلم اللغة الانجليزية في مدارس الدولة منذ الصف الاول،ولابد من نشر فكرة تعلم اللغات الاجنبية بين صغار السن،لان المصري اذا سافر لاوربا وهو لايجيد لغة اجنبية سيظل خارج سوق العمل وسيعمل في مهن هامشية وهو بالتاكيد ليس الهدف الذي نستهدفه من طرح هذه الفكرة..لابد ايضا من دعم مالي كبير لكليات الطب العريقة في مصر..لان الاطباء المصريين علي راس قائمة المطلوبين للعمل في اوربا..والسبب هو المستوي الرفيع للتعليم في كليات مثل القصر العيني والدمرداش،وكون دراسة الطب في مصر باللغة الانجليزية علي عكس باقي الكليات النظرية،لابد اذن من ان نضاعف طاقة هاتين الكليتين العريقتين دون اخلال بمستوي التعليم فيهما،ولابد ايضا من تطبيق فكرة جديدة علي مصر مثل قرض الدراسة..اي ان توفر البنوك قرضا للطالب المتفوق الذي يريد دراسة الطب ولا يملك المال الكافي علي ان يسدده بعد التخرج..هذا استثمار جيد جدا لان طالب الطب مطلوب بالفعل في اوربا ومصر ستكسب انه سيكون هناك واحد او اثنان او الف من الاطباء يعملون في الخارج ويحولون رواتبهم الي مصر كما فعل الملايين غيرهم علي مدي العقود الماضية..ما اقصد قوله انه بدون افكار نوعية،وبدون خطط تفصيلية قابلة للتنفيذ فان ما تعلنه الحكومة سيبقي مجرد حبر علي ورق،وستتحول الافكار والتكليفات الجادة الي مادة للسخرية رغم ان مصر تملك الامكانات الكبيرة بالفعل وتستطيع تخطي ازمتها بكل تاكيد وهذا يفرض علي الحكومة مزيد من التحدي لاعلان رؤية تفصيلية لكيفية الخروج من المازق لا مجرد كلام والسلام