حلقة النار
المشكلة هناك كانت فى الفجوة بين التوقعات والواقع، بين التصريحات وما تم تنفيذه، بين الأهداف التى عُرضت والأهداف التى تحققت، لقد كان صعبًا الوصول إلى تلك اللحظة، اليوم بدأت إسرائيل ونتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، وكل القيادة فى تل أبيب، تقليص تلك الفجوة.
اغتيال نائب زعيم «حماس» صالح العارورى، فى بيروت، حدث سيغير قواعد اللعبة ويدشن بداية لحقبة جديدة، وبينما قال إسماعيل هنية إن حماس «لن تُهزم» أبدًا، فإن تلك العبارة ناقصة، «حماس» قد لا تُهزم بشكل جذرى، لكن اللعبة تغيرت، «هنية» يعرف ذلك.
خلال العقد الماضى، لعب «العارورى» دورًا كبيرًا وواضحًا فى توسيع عمل الحركة بالمنطقة، فزاد نفوذ «حماس»، وثقلت روابطها، وحصلت على المزيد من الشرعية، وكان «العارورى» رمزًا لهذه المحاولة التى قامت بها «حماس» لتعزيز نفوذها، وشبكاتها من قطر إلى تركيا إلى لبنان، بل كان فى مركزها.
«العارورى» كان تجسيدًا واضحًا لقوة «حماس» فى المنطقة، فقدرته على التحرك فى جميع أنحاء الإقليم بسهولة كانت أقوى مثال على كيفية عمل الحركة، وكيف بنت «حماس» مكانة لنفسها فى المنطقة، بدعم من إيران ودعمها، وعلاقته الوطيدة مع حسن نصر الله هى أكبر مثال على التماهى بين الحزب الشيعى والحركة السنية.
كان «العارورى» جزءًا رئيسيًا فى آلة «حماس» فى الإقليم، بل يمكننا القول إنه كان حلقة الوصل، كان يعبث فى تركيا وقطر وبيروت، وتحديدًا بيروت التى بسببه تحول جنوبها إلى موقع إطلاق صواريخ على إسرائيل لا ينفد.
«العارورى» أيضًا كان من يحرك «حماس» فى الضفة الغربية، كما أن عصر «العارورى» هو الفترة التى قامت فيها «حماس» ببناء قدرتها فى غزة.. كان مثل حلقة النار التى تطوق إسرائيل من كل جانب.
اغتيال «العارورى» يعنى الكثير لحركة «حماس»، وحزب الله، ولإسرائيل أيضًا.
اغتياله يؤكد أن الحرب فى غزة هى فعلًا حرب تجرى على عدة جبهات فى وقت واحد، وبفضل التنسيق بين «حزب الله» وحركة «حماس» فإنه من الصعب تنفيذ عملية تحاول إلحاق الضرر بـ«حماس»، دون خلق خطر جدى لاندلاع حرب بين إسرائيل و«حزب الله».
عَلّمت عملية الاغتيال قادة «حماس» أن إعلانات المسئولين الإسرائيليين عن تجديد الاغتيالات ليست تصريحات للاستهلاك، وأن الحرب لا تزال هنا ولكن بشكل آخر.
كما أن حسن نصر الله يدرك الآن أنه حتى بعد هجوم ٧ أكتوبر تعرف إسرائيل كيف تدخل إلى بيته، فى قلب الضاحية الشيعية فى بيروت، وتنفذ عملية.
كما أن الاغتيال يكشف عن حقيقة، وهى أن لدى إسرائيل معلومات حول ما يحدث فى طهران وبيروت أفضل بكثير من المعلومات التى لديها عما يحدث فى غزة.
ولكن الحقيقة الأخرى هى أنه فى فبراير ١٩٩٢ قتلت إسرائيل، فى غارة جوية، عباس موسوى، أمين «حزب الله»، وكانت الفرحة كبيرة فى إسرائيل، حتى تبين أن الشاب الذى حل محله، ويدعى حسن نصر الله، أكثر موهبة بل وأخطر منه.