سنة كبيسة فعلًا!
اليوم، الإثنين، تبدأ سنة ٢٠٢٤ بعد ميلاد السيد المسيح، عليه السلام، وهى سنة كبيسة فلكيًا. والسنة الكبيسة، كما لعلك تعرف، هى التى يكون فيها شهر فبراير ٢٩ يومًا، والتى يقبل مجموع أرقامها القسمة على ٤، باستثناء السنوات التى تنتهى بـ١٠٠، أى فى منعطفات القرون، مع نهاية قرن وبداية قرن جديد، إلا فى حالة قبولها القسمة على ٤٠٠، لذلك كانت سنة ٢٠٠٠ كبيسة، بينما كانت ١٩٠٠ سنة بسيطة.
كبس، يكبس، كبسًا، فهو كابس والمفعول مكبوس. و«كبس السنة بيوم»، فى المعجم الرائد، أى «زاده فيها»، وكبس على الشىء أى ضغط عليه، و«كبس القوم داره» أى هجموا عليها فجأة، ومن هنا، غالبًا، جاءت كلمة «كبسة»، التى اعتاد الأشقياء أو المجرمون أن يصفوا بها مداهمة رجال الشرطة أوكارهم. وهى، طبعًا، غير «الكبْسة»، تلك الأكلة الخليجيّة الشهيرة، التى يوضع فيها الأرز فوق اللحم أو الدجاج.
سياسيًا، ستكون ٢٠٢٤ سنة كبيسة، أيضًا، إذ سيتوجه خلالها إلى صناديق الانتخابات أكثر من مليارى شخص، فى حوالى ٥٠ دولة، تمثل ٦٠٪ تقريبًا من الناتج الاقتصادى العالمى، من بينها الولايات المتحدة وروسيا والهند وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا والدول السبع والعشرون الأعضاء فى البرلمان الأوروبى. وستؤثر نتائج تلك الانتخابات، غالبًا، على الاقتصاد والتجارة، ونقل التكنولوجيا، وتطوير الذكاء الاصطناعى، وتزايد أو تراجع الاستثمارات والديون، و... و... وغيرها.
قد تؤثر نتائج تلك الانتخابات، أيضًا، على حالة المخاض الانتقالى التى يعيشها العالم، والتى تتصارع فيها القوى المتنافسة، والمصالح المتضاربة، من أجل فرض سيطرتها على مستقبل الحوكمة الدولية، أو النظام العالمى الجديد، متعدد الأطراف. وهناك دراسة نصف سنوية، أجراها «المنتدى الاقتصادى العالمى»، تتوقع استمرار التقلبات فى العلاقات الجيوسياسية والجيواقتصادية بين الاقتصادات الكبرى، وتقول إن هذه التقلبات «هى أكبر مصدر قلق لكبار مسئولى المخاطر فى القطاعين العام والخاص».
انتخابات الرئاسة الأمريكية هى الأكثر أهمية، طبعًا، وقد تشهد زلزالًا، يعدل وضعها المائل أو يزيده ميلًا، لو فاز فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، المرجح أن يتنافس مع الرئيس الحالى جو بايدن. لكن الانتخابات الهندية لا تقل أهمية، لكون الهند تحتل المركز الخامس بين أكبر اقتصادات العالم، ومرشحة بقوة لاحتلال المركز الثالث. كما أن الانتخابات الرئاسية فى تايوان، المقرر إجراؤها خلال يناير الجارى، قد تؤدى إلى تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين. وقد تؤثر انتخابات المكسيك، وإندونيسيا على نهج حكومتيهما فى التعامل مع الطاقة والاستثمار الأجنبى، والسياسات المتعلقة بالمعادن المهمة. أما انتخابات الرئاسة الروسية، المقرر إجراؤها فى مارس المقبل، فلا نرى أنها ستقدم أو ستؤخر أو ستؤثر.
الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى سيفوز، قطعًا، بولاية رئاسية جديدة، قال فى خطابه بمناسبة رأس السنة إن بلاده «لن تتراجع أبدًا»، وبإضافة أن روسيا تدخل السنة الجديدة محققة حوالى ٤٥ مليار دولار من صادراتها الزراعية، وهو رقم قياسى، يكون ما توقعته، أو زعمته، جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، بأن الانتخابات الرئاسية الروسية ستضيف «جرعة قوية من عدم الاستقرار إلى الاقتصاد العالمى»، مجرد «تهويل»، أو «تهبيل»، يشبه زعمها بأن هجمات الحوثيين على السفن التجارية فى البحر الأحمر «تشير إلى مستقبل غير واضح لآفاق التجارة العالمية». وكذا، زعمها بأن «انتخاب القوميين اليمينيين»، فى العديد من الدول، قد يؤدى إلى مزيد من إضعاف النمو العالمى وإلحاق الضرر بالثروات الاقتصادية!.
.. أخيرًا، ومع بداية أول أيام هذه السنة الكبيسة، فلكيًا وسياسيًا، لا نجد ما يمنعنا من أن ننهى هذا المقال بما بدأنا به مقالنا فى «الأهرام»، يوم الجمعة الماضى: نريدها حلوة، ونتمنى أن نرى العالم فيها جميلًا، غير أننا لا يمكننا أن نستقبل السنة الجديدة، ونحن نأكل ونشرب حتى يتبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، مكتفين بالفرجة على صراعات، معارك أو مباريات الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب، التى تأججت خلال السنة الماضية، ونرجح أن يكون الفوز فيها بالنقاط، لا بالضربة القاضية، إلا إذا حدثت طفرات مفاجئة، أو تحولات غير متوقعة.