رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأسيرة المُحرَّرة إسراء جعابيص: لا يمكننى الفرح وغزة مدمرة

الأسيرة المُحرَّرة
الأسيرة المُحرَّرة إسراء جعابيص

- قالت لـ«الدستور» إن الاحتلال يُمعن فى قهر وإذلال الأسيرات لدرجة حرمانهن من النوم

- والدها: سعيد بخروجها لكن غزة والقضية الفلسطينية أهم

-  ابنها: تحريرها كان حلمًا يراودنى والآن تحقق

-  شقيقتها: مجندة إسرائيلية تشفّت فيها بعد بتر أصابعها

الأسيرة الفلسطينية المُحررة إسراء جعابيص، اسم بمجرد أن تذكره تتذكر معه سيرة الألم التى عاشها الشعب الفلسطينى منذ ٧٥ عامًا، فهى نموذج حى لفلسطين الجريحة المحتلة، ولأبنائها الأسرى فى سجون الاحتلال الإسرائيلى.

وتنفست «إسراء» هواء الحرية عقب الإفراج عنها من سجون الاحتلال، أمس، ضمن صفقة تبادل الأسرى، بعد ٨ سنوات من الاعتقال والاضطهاد والمعاملة الوحشية والتعرض لأبشع أنواع الأذى النفسى والجسدى. وقالت «إسراء»، لـ«الدستور»، إنها تحمد الله الذى أخرجها من سجن الاحتلال الإسرائيلى، معبّرة عن خجلها من أن تفرح بخروجها من السجن وفلسطين كلها جريحة، بسبب الدمار الذى حدث فى قطاع غزة واستشهاد آلاف العائلات.

وذكرت أنها انتظرت احتضان نجلها «معتصم» كثيرًا ولكن فلسطين أيضًا انتظرتها كثيرًا، مضيفة: «نحن مجروحون مما يرتكبه الكيان الإسرائيلى فى حق الفلسطينيين منذ طفولتنا، وكنا نعانى من وحشية الاحتلال، وما زلنا نشعر بالحرج حيال احتلال الأراضى الفلسطينية». وأكملت أنها تعرضت لمعاناة رآها الجميع، ولكن أكبر معاناة هى المشاعر وأحاسيس الشوق للأهل، وهى ضريبة السجن، مشيرة إلى أنها والأسرى تعرضوا للتعذيب بكل طرقه البشعة داخل السجون، قائلة: «بشكر الله على نعمة العقل وعلى نعمة الحرية، فبدونهما لا يستطيع الإنسان أن يعيش». وتابعت: «هناك العديد من الكوارث تحدث فى السجون الإسرائيلية، كما زادت عمليات القمع مؤخرًا، فلا نستطيع حتى أن ننام داخل السجون، فهم يزعجوننا دائمًا حتى لا نستطيع أن ننام، فضلًا عن عمليات التعذيب التى نتعرض لها بشكل مستمر، وشعورنا الدائم بالقهر داخل السجون».

وفى السياق ذاته، وجّه والد «إسراء» رسالة شكر لكل وسائل الإعلام التى وقفت معهم فى قضية نجلته، وفى القضية الفلسطينية بشكل عام، معتبرًا أنها وقفت فى وجه الإعلام الإسرائيلى الكاذب لإظهار الحقيقة وإظهار الضحايا والدمار الذى سببه الكيان الإسرائيلى فى فلسطين.

وقال: «سعيد بإطلاق سراح نجلتى من السجن الإسرائيلى، ولكنها ليست أهم من غزة ولا أهم من القضية الفلسطينية»، مشيرًا إلى أنهم قديمًا كانوا يقولون إن القضية الفلسطينية مجرد حبر على ورق، ولكن ما حدث فى غزة، وكم التضحيات التى قدمها الشعب الفلسطينى، ربما يغير ذلك بعد معرفة العالم بالقضية الفلسطينية وحجم المعاناة التى يعانيها.

أما نجلها «معتصم» فقال إن خروج والدته كان حلمًا راوده كثيرًا، وهو حاليًا يتحقق، مضيفًا: «أنا سعيد جدًا بخروج والدتى، وأتمنى خروج جميع الأسرى الفلسطينيين».

وملابسات اعتقال «إسراء» عام ٢٠١٥ نموذج آخر مصغر على جرائم التعسف والعنصرية والرغبة فى الإذلال التى يمارسها الاحتلال ضد الفلسطينيين، فقد حاصرتها قوات الاحتلال خلال تعطل سيارتها على الطريق تحت مزاعم أنها ستنفذ عملية دهس ضد أحدهم. ولم يكتفِ جنود الاحتلال بحصارها خلال مكوثها داخل سيارتها، بل أطلقوا النار على السيارة لتصيب خزان الغاز بها، ما أدى لانفجار السيارة وتعرض «إسراء» لحروق قاتلة، وما كان من هؤلاء المتوحشين إلا أن قيدوا قدميها ويديها المحروقة، واقتادوها إلى السجن.

ونتيجة للانفجار، تعرضت لحروق تراوحت بين الدرجتين الأولى والثالثة وطالت ٥٠٪ إلى ٦٠٪ من جسدها، وفقدت كل أصابع يديها وتشوه وجهها، والتصقت أذناها برأسها، وفقدت قدرتها على رفع يديها نتيجة لالتصاقات الجلد فى مناطق مختلفة. وأعلنت شرطة الاحتلال فى البداية عن أن ما حدث لـ«إسراء» مجرد حادث سير عادى، ولكن الإعلام العبرى تناول الخبر على أنه استهداف لجنود الاحتلال، ورغم اكتشاف المحققين أنبوبة الغاز فى السيارة، إلا أن المخابرات الإسرائيلية ادّعت أن إسراء جعابيص كانت فى طريقها لتنفيذ عملية دهس. وخضعت «إسراء» لمحاكمة هزلية، بتهمة محاولة قتل جندى إسرائيلى، ومُنعت من تلقى العلاج الذى تحتاجه، وتعمدت سلطات السجن إهمال حالتها على الرغم من حاجتها لثمانى عمليات جراحية، كما منعت عنها إدارة السجن المسكنات والأدوية التى تحتاجها، واكتفت بتوفير مرهم لتبريد الحروق لا تزيد سعته على ٢٠ ملم يصرف لها كل ٣ أيام، وهى كمية قليلة لا تكفى لتغطية كل مناطق الحروق فى جسد إسراء. وحاولت عائلتها، عن طريق مؤسسات إنسانية محلية ودولية، الحصول على إذن لإدخال طبيب لمعالجة ابنتها متكفلين بكل المصاريف، لكن إدارة السجون الإسرائيلية رفضت ذلك، وحتى بعد أن حصلت إسراء جعابيص على المساعدة، وتم نقلها إلى المستشفى، قيّد جنود الاحتلال قدميها ويديها، وتم بتر أصابعها بشكل شبه كامل. 

وكشفت شقيقة «إسراء» عن أن المستشفى أحضر مجندة بأصابع جميلة ومطلية بالأحمر، وسألتها: «ما رأيك بأصابعى؟»، فأجابت «إسراء» بأنها جميلة، فردت المجندة: «إنت ما عندك أصابع»، فلما أنكرت أختها ذلك وأجابت بأن لديها أصابع، حاولت النظر إلى يديها وهى مقيدة إلى السرير فى تلك اللحظة، ثم قالت المجندة: «تستحقين بتر أصابعك».

وبعد مداولات ونقاشات داخل المحاكم الإسرائيلية استمرت لعام كامل، حُكم على «إسراء» بالسجن لمدة ١١ عامًا، وغرامة مالية مقدارها ٥٠ ألف شيكل، وصدر الحكم فى ٧ أكتوبر ٢٠١٦، وتم نقلها إلى سجن هشارون للأسيرات، ومنع الاحتلال عائلتها من زيارتها عدة مرات، كما مُنع طفلها «معتصم» من زيارتها، والذى كان ابن ٦ سنوات عند اعتقال والدته.

وسحب الاحتلال بطاقة التأمين الصحى من «إسراء»، فى اللحظة التى تم فيها إصدار قرار الحكم عليها، وامتنع الاحتلال عن إجراء العمليات الجراحية اللازمة للتخفيف من أوجاعها الشديدة، لتتواصل معاناتها على مدار ٨ سنوات دون اكتراث. وفى عام ٢٠٢٢، رفضت المحكمة المركزية للاحتلال الالتماس الذى قدمته منظمة «أطباء لحقوق الإنسان» لإجراء عملية اعتبرها الأطباء ضرورة طبية، ثم رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية الاستئناف الذى تم تقديمه على قرار المحكمة المركزية. وتزامن القرار القضائى بحرمان إسراء جعابيص من العملية مع رفض إدارة سجون الاحتلال دفع كلفة العملية الجراحية للتخلص من التبعات الصحية للحروق على جسدها، إذ أوصى أطباء «إسراء» بإجراء سلسلة من العمليات فى يدها وأنفها، ولكن بعد التوجّه إلى المحكمة أعلنت إدارة السجون عن أنها ستمول عمليتين فى يدها، فى حين رفضت تمويل عملية الأنف، رغم أنها متوافرة ضمن الإجراءات الصحية التى يحقّ للأسرى الحصول عليها، وبررت إدارة السجون قرارها بأن العملية تجميلية وليست ضرورية.