في ظل الحرب الحالية.. ما هي توقعات الدول الغربية لمستقبل غزة؟
بعد مرور ثلاثون يومًا على قصف الاحتلال الإسرائيلي لغزة في أكبر حرب إبادية يشهدها العالم المعاصر يتساءل الكثيرون عن التوقعات التي تراها الدول الغربية للقطاع، في ظل النتائج التي تعيشها حاليًا دولة الاحتلال من صمود واضح للمقاومة الفلسطينية على الرغم من الارتفاع الضخم في عدد الضحايا.
ووفقا لما قاله المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، فقد تنوعت التصورات الفكرية الغربية حول مستقبل غزة وملامح الأوضاع المتوقعة فيها بعد العملية العسكرية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي وتأسست تلك التصورات في مجملها على ثلاثة افتراضات:
الأول: أن إسرائيل ستنجح في تحقيق هدفها في القضاء على حماس.
الثاني: إعفاء إسرائيل عن المسئولية عن القطاع بعد وقف إطلاق النار.
الثالث: ثمة إدارة لمرحلة انتقالية لملء الفراغ في غزة بعد الحرب قبل تولي السلطة الفلسطينية فيما بعد مسئولية القطاع.
كما تباينت تلك التصورات في الأفكار المطروحة بشأن الإدارة المقترحة خلال العملية الانتقالية
ومن أبرزها:
1- تولي شخصيات تكنوقراط - غير سياسية إدارة قطاع غزة.
2- تولى الأمم المتحدة إدارة قطاع غزة مع تواجد قوات أسبق.
3- تولي قوات متعددة الجنسيات المسئولية
4- تولي مجموعة من الدول العربية مهمة الحفاظ على الأمن في غزة
ولكن ماهي أبرز إشكاليات تلك التوقعات؟
أولًا: تتجاهل معظم التصورات المطروحة مسألة ضرورة وقف إطلاق النار أو وضع سيناريوهات حول المدى الزمني الذي يمكن أن يحدث فيه ذلك، خاصة أن هذه هي الخطوة الضرورية التي من دونها لا يمكن لتلك التصورات أن تكون قابلة للتنفيذ.
ثانيا: تشير تصورات اليوم الثاني لغزة إلى انحياز واضح ينسجم مع الانحياز السياسي الرسمي الغربي للجانب الإسرائيلي فمعظم تلك التصورات تصب - حال تحقيقها- في اتجاه إعفاء إسرائيل من مسئوليتها كقوة احتلال، وتسعى لتحميل أطراف أخرى دولية وإقليمية تبعات كثيرة ومركبة لتخفيف العبء على إسرائيل.
ثالثا: تعالج التصورات المطروحة للأوضاع المستقبلية في غزة فقط في ضوء ما يحدث منذ السابع من أكتوبر، وهو ما يمثل تماهيا مع الرؤية الإسرائيلية التي تسعى لفصل غزة عن مجمل القضية أو مستقبل الدولة الفلسطينية ومن ثم تقزم تلك التصورات القضية الفلسطينية وتحصرها في الحديث عن غزة دون معالجة القضية من المنظور الأشمل المتعلق بالتسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ضوء مقررات الشرعية الدولية.
رابعًا: تنشغل التصورات المطروحة بالأساس بالقضاء على حماس بأي شكل من الأشكال، وتعتبر أن العملية البرية الإسرائيلية قادرة على تحقيق هذا الهدف، وهو ما لا تعطيه تطورات الأوضاع الميدانية حاليا في غزة بعد شهر كامل في العمل العسكري في ضوء ارتفاع التكلفة الإنسانية والبشرية كنتيجة للعملية العسكرية الإسرائيلية فضلا عن إغفال احتمالية اتساع النطاق الجغرافي للصراع خارج حدود مسرح العمليات بقطاع غزة بل وخارج حدود دولة إسرائيل.
خامسًا: تتماهى تلك السيناريوهات مع الموقف الإسرائيلي الذي يسوق فكرة أن ما يحدث في القطاع هو للقضاء على حماس وليس على الفلسطينيين من خلال تبني سياسة العقاب والإنهاك الجماعي، ومنع المساعدات الإنسانية عن عموم السكان المدنيين في القطاع.
سادسًا: تتجاهل هذه التصورات حالة التأجيج العام للرأي العام الفلسطيني والعربي، خاصة بعد سقوط آلاف الشهداء الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية لقطاع غزة على مدار شهر في ظل قصف إسرائيلي عنيف وغير مسبوق، الأمر الذي يخلق بيئة فلسطينية وعربية غاضبة ورافضة لأي تصورات غربية لـ"اليوم التالي" لغزة.
ويمكن بذلك على أساس هذه الإشكاليات والمعضلات القول بأن التصورات الغربية لليوم التالي في قطاع غزة تستهدف بالأساس إخراج إسرائيل منتصرة تمامًا في تلك الحرب، كما تعكس أغلبها رغبة إسرائيلية في التخلي عن مسئولياتها كسلطة احتلال، لتحميل أطراف أخرى هذه المسئولية، وتبقى هي بعيدة بشكل أو بآخر عن التعامل المباشر مع تشابكات الأوضاع في غزة، بما يضمن لها تحقيق مكاسب دون تكاليف.
وعلى الجانب الآخر، فإن تحليل مضمون أغلب تلك التصورات الغربية يشير أيضًا إلى أن تركيزها على مسار التسوية السلمية محدود للغاية مما يجعلها مجرد "حل مؤقت" لإرضاء الجانب الإسرائيلي.
وهو الأمر الذي يمثل العقبة الرئيسية في قابلية تلك التصورات للتحقق على أرض الواقع، لكونها تنتهج معادلة صفرية "ربح إسرائيلي/ خسارة فلسطينية"، وبالتالي لا تقدم أي مكاسب حقيقية للطرف الفلسطيني، سواء أكان للمجتمع في غزة الذي دفع ثمنا باهظا وغير مسبوق للحرب، أو حتى حفز السلطة الوطنية الفلسطينية على القبول بلعب دور أكبر في اليوم التالي في غزة.