من النظام إلى الفوضى
الكون يعيش حالة راهنة تُعد أثر ماضيه وسبب مستقبله، الذي يتطور بسرعة مذهلة نتيجة للتطورات التقنية الهائلة، ولتقدم أنظمة الحاسب الآلي التي غيرت الكثير في مفهوم التعامل مع البيانات والمعلومات، ومن خلالها أصبح يُلاحظ الناس تأثير نقطة بداية أي عمل على مساره النهائي بسهولة، والذي بدوره يؤكد مفهوم الحتمية بأن الماضي أساس الحاضر وسبب المستقبل.
نظريات ثلاث أثرت في حركة العالم بكل علومه ومعارفه، كانت ولا زالت نظرية النسبية لأينشتاين والنظرية الكمية لبلانك، وبين تلك النظريات نظرية الفوضى لإدوارد لورنز والتي تشرح ما يراه ويشعر به الناس بشكل مباشر من حركة وتغيرات، في حين أن نظرية النسبية تتعامل مع المقياس الكبير (الكون)، ونظرية فيزياء الكم تتعامل مع المقياس الصغير الذرة ودواخلها، أما نظرية الفوضى فتُركز على نمط حياة الناس اليومي العادي، باعتبارها علما تطبيقيا يقيس حركة التغيرات التي تطرأ عليه. في إشارة إلى أنها أسست لمعادلات رياضية بسيطة تُفسر ظواهر كبرى عنيفة، باستشعارها بداية، وأن أي تغييرات في معطيات أولية بسيطة في المجالات التي تتعامل معها معادلات النظرية تقود إلى نتائج مذهلة عند الحسابات النهائية.
خلاصتها الاعتماد الحساس على المعطيات الأولية التي تُوصل لنتائج نهائية هائلة.
هذه الحركة والتغيرات التي تتبعها عُرفت بأثر حركة جناح الفراشة في تصور أن رفرفت جناح فراشة في مكان ما من العالم قد تتسبب في حدوث أعاصير وكوارث في مكان بعيد كل البعد عنه. والذي يؤكد أن القياسات أيًا كان مجالها يستحيل أن تكون دقيقة كل الدقة. وبالتالي تفضي إلى لا نظام كالدوامات البحرية البسيطة التي تتحول الى أمواج عاتية جارفة. أي طاقة تتزايد بمعدل متزايد في حركة تتجه نحو العشوائية.
الفوضى في أي زمان ومكان تُوحي بتبدد وتحطم القوانين، وتُمثل أبرز أسباب عصيان الاضطراب على الفهم في أن المعادلات التي تصفه هي معادلات تفاضل غير خطية، التي لا يمكن حلها إلا نادرًا. في مشهد يعكس تمامًا عدم قدرة الناس على فهم حقيقة ما يجري في العالم حرب في أوكرانيا تُهدد قارة أوروبا كاملة بالفوضى وتُعمق الصراع وعدم الاستقرار على المستوى الدولي، وفي ظل هذا المشهد الملتهب الذي يتنازعه العالم حرب تُصنع فجأة تحت مظلة أزمة على أرض فلسطين في غزة، بدراماتيكية سريعة حشدت أكثر القوى الدولية تقدمًا لها الأساطيل والطائرات والأسلحة الفتاكة، وتسابق رؤساؤها ومسئولوها على زيارة الدولة المتزعمة الحرب إسرائيل بنزعة التعالي والعنصرية والتشفي والقتل والتدمير والتهجير لشعب فلسطين من أرضه. يُعزِّز لها القوة العسكرية، والآلة الإعلامية، والدعم الغربي المطلق، ومواقف الدول القوية والهيئات والمنظمات الدولية المنحازة. دون أي مراعاة للقوانين الإنسانية والأعراف الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان، وصدق الله (وجعلناكم أكثر نفيرًا) الآية.
الأدب والشعر والتمثيل والدراما والرسم والفن التشكيلي والقصة والرواية، كل هذا وغيره من نبض حياة الناس يتشكل ضمن نظرية تُعبر عن شعور ونظرة البشر إلى الكون، بما يعكس التفاعل الذي يُعبّر عن النظرة البشرية إلى العالم بتفاعل مستمر بين البُنى الدقيقة الناعمة وبين الخطوط القوية الواضحة. وبدوره يُعطي هذا المزيج انطباعًا بصريًا بأن ما تراه يمثل العالم الواقعي الذي تعايشه فعليًا. ضمن صورة متكاملة شاملة لاحتياجات الإنسان تتناغم مع عالمه، تُوحي بأن الواقع ومتغيرات الحياة كنظام ديناميكي معقد محصلته النهائية توازن بين قوى الاستقرار والفوضى.
يمنح هذا التصور الإنسان نظرة ورؤى مختلفة للعالم والأشياء من حوله، ما يؤكد أن تفاقم الأزمات في المنطقة العربية والشرق أوسطية يجعل منها مجالًا واسعًا لتكامل جهود الكيانات والهيئات العربية والإفريقية والآسيوية جميعها، لتبني قمة ومؤتمرًا دوليًا للسلام من أجل شعب فلسطين والحرب المستمرة على غزة، ولمعالجة الأزمات الحرجة القائمة في منطقة الشرق الأوسط والآثار الناجمة عنها.
- خبير استراتيجي