رغم انتصاره.. لماذا أعلن "السادات" استعداده للسلام مع إسرائيل؟
كانت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط متوترة ومليئة بالصراعات والنزاعات العسكرية، فقد كانت مصر تعاني من آثار الهزيمة في حرب عام 1967م، والتي أدت إلى فقدانها لبعض الأراضي التي احتلتها إسرائيل، وفي ظل هذه الظروف، قرر الرئيس السابق، محمد أنور السادات، أنه من الضروري تحقيق السلام لضمان الاستقرار في المنطقة، بعدما خاض حرب 6 أكتوبر 1973م وحقق انتصارًا عظيمًا فيها إلى أن انقلبت موازين القوى لصالح إسرائيل.
السادات وقرار السلام
وهنا، توصل السادات إلى استنتاج مهم، وهو أن استمرار الصراعات العسكرية لن يؤدي إلى تحقيق أي مصلحة له ولشعبه ولن يسترد الأراضي المحتلة، فقد أدرك أنه يجب التفكير في سبل أخرى لتحقيق السلام، وأن الحل العسكري لن يكون في صالح مصر، وبالإضافة إلى ذلك، كانت مصر تواجه صعوبات في تعويض الخسائر العسكرية وتجديد معداتها العسكرية، في حين تلقت إسرائيل دعمًا قويًا من الولايات المتحدة، وتم تزويدها بالمعدات الحديثة لتعويض خسائرها.
وهكذا، قرر السادات أنه يجب استغلال الفرصة المتاحة لتحقيق السلام واستعادة الأراضي المحتلة، فلم يكن قادرًا على تحمل مزيد من الخسائر البشرية والعسكرية، ولم يكن لديه الدعم الكافي لمواجهة إسرائيل وحدها، وإنما كان يواجهها بدعم قوي من الولايات المتحدة.
وبناءً على هذه الاعتبارات، قرر السادات الشروع في مفاوضات السلام مع إسرائيل، وفي 17 سبتمبر 1978م، تم توقيع اتفاقية السلام المعروفة باسم "اتفاقية كامب ديفيد"، وفي العام التالي، في عام 1979، تم توقيع اتفاقية السلام النهائية بين مصر وإسرائيل، وتمت إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وتوقفت العمليات الحربية.
خبير عسكري: قرار "السادات" بالسلام حنكة وذكاء سياسي
وفي هذا الإطار تواصلت "الدستور"، مع اللواء أركان حرب درويش حسن درويش، زميل أكاديمية ناصر العسكرية، الذي يرى أنه يمكن القول إن السادات كان رجلًا حكيمًا، استطاع أن يدرك أن السلام هو الحل الأمثل لإنهاء النزاعات وتحقيق الاستقرار في المنطقة، بينما استمرت بعض الأراضي المحتلة في يد إسرائيل، إلا أنه بفضل قراراته الحكيمة والمفاوضات الدبلوماسية التي أجراها، استطاع استعادة جزء من الأراضي وتحقيق السلام بين مصر وإسرائيل، ويعتبر اتفاق السلام بين البلدين إنجازًا ممًا في تاريخ الشرق الأوسط، وقد فتح الباب أمام عملية سلام أوسع في المنطقة.
وتابع "درويش" أنه رغم الأخطاء التي حدثت، لكن في الإجمالي العام إذا كان بإمكاني تحقيق نصر أو هدف بأقل خسائر أكون نجحت، مشيرًا إلى أنه اعتبارًا من يوم 14 أكتوبر 1973م انقلبت موازين القوى لصالح إسرائيل، ضاربًا المثل بـ: "عندما نرى دبابة إسرائيلية تم أسرها في شرق القناة، الدبابة تم أرها سليمة وعدادها حالي 220 أو 250 كم، هذا يعني أن هذه الدبابة الأمريكية الصنع تم نقلها بجسر جوي من مخازن حلف الناتو من أوروبا والقواعد الأمريكية القريبة من مسرح العمليات، إلى مطار العريش ثم تم دفعها للقتال تعويضًا لخسائر إسرائيل في الدبابة، وهذا يعني أن مصر لم تعد تواجه إسرائيل وحدها بل ومعها أمريكا أيضًا، حيث زودت إسرائيل بجسر جوي كان يعبر من أمام المياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط من أمام الشواطئ المصرية، لإمداد إسرائيل بأحدث المعدات تعويضًا لخسائرها".
وأوضح أن هذا الدعم الأمريكي تم بالتزامن مع ما تعانيه مصر من نقص في المعدات وعدم تعويض للطائرات وللدبابات المصرية المدمرة، كما أن الاتحاد السوفيتي كان يتبع سياسة ليست سياسة الصديق أو الحليف لمصر في الحرب في إمداده لنا بالمعدات، بالتالي كانت مصر تقاتل بلا حليف ولا أصدقاء إلا من بعض الدعم العربي مثل الجزائر وليبيا والسعودية والسودان ودول أخرى، في الوقت الذي دعّمت أمريكا فيه إسرائيل بشكل فاق كل تصور، بالإضافة إلى طلعات الاستطلاع الأمريكية التي كانت لصالح القوات الإسرائيلية وتمدها بأحدث المعدات، مما أدى إلى نجاح إسرائيل في إحداث ثغرة في قواتنا والتي أطلق عليها ثغرة "الدفرسوار"..
وأشاد بما أعلنه "السادات" أنه غير قادر على مواجهة أمريكا، بالتالي أعلن استعداده لقبول وقف إطلاق النار واللجوء إلى مباحثات السلام، معلقًا: "فإذا كان بإمكاني الحصول على حقي بأقل الخسائر دون إراقة أو تدمير معدات أو استشهاد جنود أو أفراد من قواتي أفضل من أن أقاتل وأضحي بأرواح جنودي"، معتبرًا ذلك حكمة وحنكة.
واختتم حديثه بأن اليوم وبعد مرور 50 عامًا على نصر أكتوبر أثبت "السادات" أنه رجل سياسي محنك، استطاع أن يجنب أبنائه مزيد من الخسائر، وبإمكانه بشيء من التفاوض والسياسة أن يسترد أرضه التي تم الاستيلاء عليها قبل نكسة 1967م، وهذا ما نجحنا فيه وفشل فيه الآخرون، والدليل على ذلك ما زالت الجولان السورية والضفة الغربية في يد إسرائيل.