المفكر سعيد توفيق: تكفير الفلاسفة والمفكرين كان بداية لأفول الحضارة العربية والإسلامية
المفكر سعيد توفيق، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، وأستاذ الفلسفة المعاصرة وعلم الجمال بكلية الآداب جامعة القاهرة، حلّ ضيفا على الإعلامية الدكتورة درية شرف الدين، خلال برنامج "حديث العرب من مصر"، حيث تحدث ضمن موضوعات ومحاور كثيرة عن الفهم المغلوط لمفهوم العالمانية.
وأوضح صاحب مؤلفات "الفن والإبداع"، "معنى الجميل في الفن"، "في ماهية اللغة وفلسفة التأويل"، "فلسفة التأويل آفاقها واتجاهاتها": إن من يكفرون مصطلح أو مفهوم العالمانية لا يفهمون ماهيته أو المقصود به. وقال: هم يتصورون أن العالمانية مقصود بها الكفر، ويرون أن العالمانيين كفار، وهذا خطأ تام. فكلمة العالمانية، التي تنطق خطأ أيضا "العلمانية" وهي ليست كذلك، بل الصحيح هو "العالمانية" من العالم، من الدنيا. وهذه التقسيمة كانت في المسيحية للتمييز بين الشخص المكرس لخدمة الكنيسة، والشخص خارج الكنيسة أو الناس العاديين.
وشدد "توفيق" على أن العالمانية المقصود بها هو فصل شئون الدنيا المتعلقة بالإنسان ونهجه، وطريقته وفهمه، عن الدين، ولا نجعل شئون الدنيا متوقفة على الدين، بدليل حديث الرسول عندما سُئل عن تأبير النخل فقال أنتم أعلم بشئون دنياكم، فالدين لم يأت ليحل مشكلات دنيوية، بل الدين يتعلق بالضمير، والعلاقة بين الإنسان وربه والمعاملة، وفي رأيي أن هذه المبادئ والأسس هي روح الدين وجوهره، وهو ما يعكسه حديثان للرسول: "إنما الأعمال بالنيات"، و"الدين المعاملة"، وكيف أنهما يتعلقان بالباطن والظاهر.
ــ غياب التأويل وفلسفته
كما تحدث المفكر عن غياب فلسفة التأويل، مشيرا إلى: التأويل سواء كان في تأويل النصوص بما في ذلك النص الديني نفسه، كان موجودا عندما كانت هناك حضارة حقيقية. ففي الحضارة العربية الإسلامية كان هناك على مستوى الفكر والفلسفة ابن رشد ومنهجه العقلاني، وكان موجودا على مستوى علم الكلام لدى المعتزلة، كما كان موجودا على مستويات أخرى، على مستوى التصوف مثلا عند محيي الدين ابن عربي، وهو الإمام الأكبر في التصوف الفلسفي. ونلاحظ أن كل هذه المذاهب والأفكار كانت موجودة في عصر واحد، لكن كل هؤلاء المفكرين والفلاسفة تم تكفيرهم ومطاردتهم، وكانت هذه بداية أفول الحضارة العربية والإسلامية.
ــ لا حضارة بدون حرية فكر وإبداع
وتابع: حتى إن كتب ابن رشد أُحرقت وكانت هذه علامة على أفول الحضارة، وما زلنا نعيش هذا الأفول الحضاري، فلا حضارة بدون حرية الفكر والإبداع. وما كان يصنع فيما مضى لا نستطيع أن نفعله الآن فيما يخص التأويل وفلسفته، وما كان ينشر فيما مضى لا نستطيع أن ننشره الآن، مؤلفات عربية كثيرة جدا لا نستطيع نشرها الآن وإلا رهب أصاحبها ولاحقتهم تهم التكفير.
ولفت سعيد توفيق إلى أن: عبر العصور كانت هناك لحظات تنويرية، لكنها لحظات وكانت موجودة في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، أنتجت مفكرين تنويريين وأدباء ومصلحين وفنانين في تجانس مع بعضهم البعض، فكانت هناك أم كلثوم وعبدالوهاب، وفي نفس الوقت هناك طه حسين والعقاد والسنباطي وغيرهم العديد من الأمثلة التي لا تحصى.