نجم الإعلام الغربى
بنيامين نتنياهو يحب العبارات الرنانة التى تعلق فى الأذهان، الشعارات اللافتة، والتى فى كل الأحوال تكشف عن استراتيجيته الخاصة، وتتجاوز فكرة اعتبارها شعارًا.
مَن منا ينسى شعار «لن يحدث شىء لأن لا يوجد شىء»؟، قالها نتنياهو عندما كان الحديث عن احتمال محاكمته، حيث كان وقتها ينفى وجود تهم قد تؤدى إلى محاكمة، رسم استراتيجية الفناء فى كل شىء بأنه لا يوجد شىء ولن يحدث شىء.
عندما أصبحت محاكمته أمرًا واقعًا قال بشكل مخالف للتوقعات: «سنحقق مع المحققين»، وكان وقتها هناك شعار أثار جدلًا لأنه شكك بالتحقيقات والإجراءات القضائية واتهمها بأنها ملفقة.
الشعار الأخير الذى لم يقله نتنياهو بعد لكن استراتيجيته تعمل به هو: «سنقاطع المتآمرين»، وهى الاستراتيجية التى يتبناها نتنياهو مع الإعلام الإسرائيلى، حيث يتهمه بمعاداته وحياكة مؤامرات ونقل أنباء مغلوط عنه، ولهذا يقاطعه، ويدير ظهره له ويذهب إلى الإعلام الغربى.
نتنياهو يعرف كيف يكون نجمًا تليفزيونيًا، «الكاريزما» الخاصة التى يظهرها دون مجهود، والإنجليزية الرائعة ذات اللكنة الأمريكية، تجعل ظهوره فى وسائل الإعلام الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص، فعالًا وذا تأثير. وهو بهذا يضرب عصفورين بحجر واحد: يلقن الإعلام الإسرائيلى درسًا، ويشرح سياساته للجماهير الغربية، بغض النظر عن مدى المصداقية التى يحظى بها فى الغرب خاصة عندما يتحدث عن الإصلاحات القضائية إلا أن ظهوره مؤثر، لا أحد يمكنه أن ينكر.
نتنياهو تقريبًا لا يجرى أى مقابلات فى الإعلام الإسرائيلى، لكنه يحب أن يجرى مقابلات باللغة الإنجليزية، ومنذ أول العام ظهر نتنياهو ٢٢ مرة فى الإعلام الغربى، وكلها أمريكية تقريبًا- سكاى نيوز هى الاستثناء- لكنها متنوعة فى سياساتها وتركيزها «مقابل ٤ مرات فى الإعلام الإسرائيلى».
فقط فى الأسابيع القليلة الماضية تحدث نتنياهو مع مضيفه المفضل فى Fox News مارك ليفين، وظهر أيضًا على NBC، وBloomberg، وABC›s Good Morning America، وفى برنامج podcaster الشهير Lex Friedman، الذى حصل على أكثر من ساعة من جدول أعمال رئيس الوزراء المزدحم. يمكن تفسير ظهور نتنياهو المتكرر بأنه محاولة منه للرد على الانتقادات العالمية التى يواجهها بسبب الإصلاحات القضائية.
الإعلام الإسرائيلى غاضب من تجاهل نتنياهو، قالت الصحفية رينا ماتزليح فى إذاعة الجيش: «أجرى مقابلات مع وسائل إعلام أجنبية بلغة لا يفهمها معظم مؤيديه جيدًا، ويبدأ فيديو إنجازاته بانتقاده فى وسائل الإعلام المحلية.. إنها إهانة لا تصدق!»، وقال مراسل «يديعوت أحرونوت» إيتمار أيشنر: «إنه بينما تكافح إسرائيل المقاطعة، فإن رئيس الوزراء منخرط فى مقاطعته الإسرائيليين».
الإعلام الإسرائيلى لديه تفسير لسلوك نتنياهو، هو يرى أنه يختار مضيفيه الذين يُعجبون به كى يتجنب الأسئلة الصعبة، وهو يعلم أيضًا أن وسائل الإعلام المحلية ستترجم وتكتب كل ما يقوله فى الإعلام الأجنبى، فلماذا يتعب نفسه ويجرى مقابلة معها، ويضطر إلى مواجهة أسئلة صعبة بشأن الشئون الداخلية من المراسلين الذين يمكنهم رؤية المشهد السياسى!
نتنياهو لديه أسبابه الخاصة لمقاطعة الإعلام الإسرائيلى، قال فى مذكراته، «بيبى: قصة حياتى»، التى نُشرت العام الماضى: «الأوليغارشية الإعلامية المهيمنة ترى أن مهمتها جذب الرأى العام إلى اليسار. وهكذا، عندما تفوز حكومة ذات ميول يسارية فى الانتخابات فإنها تحتفل. عندما تفوز حكومة الليكود، فإنها بالكاد تستطيع إخفاء سخطها. يرفض الكثير فى النخبة الإعلامية اليسارية رفضًا قاطعًا الخيار الديمقراطى للناخبين الإسرائيليين. بعد ما يقرب من نصف قرن من انتصار الليكود الأول، ما زالوا ينظرون إليه على أنه اغتصاب لاحتكارهم الطبيعى والمتميز للسلطة».
نتنياهو يرى نفسه هدفًا لحملة هوس تصاعدت بعد أن فشلت الصحافة فى منع انتصاراته العديدة فى الانتخابات الديمقراطية، ووصف وسائل الإعلام بأنها «خصمه الأقوى» و«حزب المعارضة الرئيسى».
يعتبر نتنياهو نفسه خبيرًا فى الإعلام الأمريكى، كتب فى مذكراته «بيبى.. قصة حياتى» على نطاق واسع عن تجاربه فى الدفاع عن إسرائيل على شاشة التليفزيون عندما كان نائب رئيس البعثة فى السفارة الإسرائيلية فى واشنطن، وسفيرًا لدى الأمم المتحدة، وكما يبدو أنه يحب هذا الدور، ولا يزال يشعر براحة أكبر فى الشاشات الأخيرة.
بالنسبة لنتنياهو، وسائل الإعلام الأمريكية تعامله بشكل أفضل، فهى تسمح لرسائله بأن تُسمع حتى لو لم تدعم تلك الرسائل، هى على الأقل تمنحه منصة عادلة ليتحدث، هناك بإمكانه أن يجرى مقابلات مباشرة دون أن يقاطعه أحد، تعطيه الفرصة ليتحدث، حتى لو لم تصدقه، هو فقط يريد أن يقول ما يريد ويستخدم الكاريزما خاصته وليصدقه من يشاء.