خطيب الجامع الأزهر: القرآن الكريم ملىء بالخبايا والأسرار
ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر ودار موضوعها حول "تأملات في سورة ق".
وأوضح الدكتور هاني عودة، أن سورة (ق) قد بدأها الله عز وجل بحرف من الحروف المقطعة، وعندما وقف علماء التجويد والقراءات مع هذه الحروف المقطعة لم يكن أمامهم إلا أن يفوضوا الأمر لله عز وجل، فقاموا بجمع هذه الحروف وصاغوها في قولهم: "نص حكيم قاطع له سر" فسِره بيد الله تعالى؛ فوقفتنا الإيمانية الأولى في القَسم في قوله تعالى: "ق ۚ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ"، فهذا الكتاب ملىء بالخبايا والأسرار، فهو الكتاب المعجز الذي"لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"، الكتاب الذي جاء ليأمر بالمعروف وينهَ عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم الخبائث.
وأضاف خطيب الجامع الأزهر: تعرضت آيات السورة الكريمة لجانب عقائدي وهو البعث والنشور وما ورد فيه من إنكار المكذبين في قوله تعالى {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ" ، فقد أنكر هؤلاء البعث، ومن أنكر البعث أنكر الحساب وأنكر الجنة أو النار، فهؤلاء هم الماديون الذين يعيشون من أجل حطام الدنيا، مع أن الدنيا ما جُعلت إلا أن تكون مزرعة للآخرة، فلقد جعلنا ربنا سبحانه وتعالى خلفاء وأنعم علينا بإرسال النبي ﷺ ليخرجنا من الظلمات إلى النور ومن ظلمات الشرك والمعاصي إلى نور الحق، لنعيش عيشة هنيئة راضية بقضاء الله وبقدره الله.
وبيّن د.عودة، أن السورة الكريمة تعرضت لفناء الخلق قال تعالى "قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ۖ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ"، فكل من على هذه الأرض قريبا أو بعيدا سيرحل عنها، فعلى الجميع أن يقدم لآخرته ويأخذ من آي القرآن الكريم وقصصه التي قصها عن الأمم السابقة العبرة والعظة، قال تعالى "نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ"، ولذا وجب اتباع شرع الله وسنة نبيه المصطفى ﷺ، حتى لا نكون ضمن من وصفهم القرآن الكريم في قوله تعالى "فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا".
واستعرض مدير الجامع الأزهر، الرد البليغ من القرآن الكريم على هؤلاء المنكرين الذين لا يزِنون عند الله جناح بعوضة مقارنة بخلقه العظيم، فقال تعالى ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ﴾، فليعلم الجميع أن لهذا الكون مالكا وأن لهذا الكون خالقا، وأن الأمور كلها تسير بأمر الله سبحانه وتعالى، فهو الذي خلق كل هذه الأمور فأولى لنا أن نخاف من أن ترتكب أمرا حرمه الله تعالى، فالأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
وساق خطيب الجامع الأزهر، قصة الفضيل بن عياض رضي الله عنه حينما قابل رجلا قال له: أيها الرجل كم تبلغ من العمر؟ قال ستين عاما، قال له أنت منذ ستين عاما وأنت في طريقك إلى الله توشك أن تموت، فبكى الرجل وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون" فمن علم أنه لله عبد، علم أنه إلى الله راجع، ومن علم أنه إلى الله راجع علم أنه موقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى، ومن علم أنه موقوف علم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول أعد للسؤال جوابا، فبكى الرجل وقال ما الحيلة؟ فالحل الأمثل هو التوكل على الله والثقة به اولاستغفار والتمسك بكتاب الله والاقتداء بهدي نبينا محمد ﷺ.
وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن آيات السورة أوضحت أن البعث حق وأننا جميعا سنقف بين يدي الله سبحانه وتعالى، وصورت حال المرء عند سكرات الموت، فقال مخبرا عن الموت: قال تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ"، مضيفا: حينها يأتي مع كل نفس سائق يسوقها إلى أرض المحشر وشهيد على ما قدم من أعمال، فالأعمال مكتوبة، قال تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، وهما ملَكان عن اليمين وعن الشمال؛ أحدهما يكتب الحسنات وآخر يكتب السيئات، فالذي على اليمين أمينٌ على ملَك السيئات، فإذا ما أحدث العبد سيئة وهم ملك السيئات أن يكتبها يقول له ملك الحسنات: انتظر لعله أن يتوب، فعلينا أن نتوب ونرد الحقوق إلي أهلها، فالحياة لن تستقيم إلا بالطاعة وهجر المعاصي واتباع الحبيب المصطفى ﷺ وهو الجانب الروحي الذي ينبغي علينا إشباعه.
وأوصى الدكتور عودة، بالامتثال لأحكام القرآن الكريم واتباع سنة الله في خلقه، فهناك من بدل وغير واتبع الهوى وفعل ما يخالف الفطرة السليمة، فعل أشياء تأنفها الحيوانات، وفي هذا خلل في عقولهم فهم ضلوا عن سبيل الرشد الذي رسمته لنا سورة (ق)، من الإقرار بنبوة سيدنا محمدﷺ والإقرار بأن القرآن وكل ما جاء به حق، فإذا ما سرنا على قرآننا وعلى سنة نبينا محمد ﷺ كنا من المتقين، أما إذا خالفنا كنا والعياذ بالله من الذين قال الله فيهم: " قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ"، وقال: "قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) "، ولذا وجب علينا إعداد الزاد للقاء الله والمبادرة بإصلاح ما أفسدناه، فنبادر بإصلاح العلاقة مع الله سبحانه وتعالى وإصلاح العلاقة مع أنفسنا ومع غيرنا من الأهل وجيرانك وكل من حولنا، فنحن لا ندري ماذا سيكون الأمر غدا.