فرز تاني.. وباء ينتشر في سوق الأجهزة الكهربائية ويهدد صحة المستهلكين
في زمن الأزمات والغلاء يبحث الكثير من المواطنين عن طرق لتوفير المال والحصول على احتياجاتهم بأسعار معقولة، ولكن هذا البحث قد يكون محفوفًا بالمخاطر والمشكلات الصحية، خاصة عندما يتعلق الأمر بشراء الأجهزة الكهربائية.
وانتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة بيع وشراء الأجهزة الكهربائية المستعملة أو المجددة أو المعاد تصنيعها أو المعاد تغليفها، والتي تُسمى بـ"فرز تاني"، عبر صفحات ومجموعات التواصل الاجتماعي، مستغلين حاجة المستهلك وجهله بالمواصفات والضمانات اللازمة لهذه الأجهزة.
وأظهرت التحقيقات أن هذه الأجهزة قد تكون مصدرًا للخطر على صحة وسلامة المستهلك، وقد تحتوي على عيوب أو أضرار أو مكونات غير صالحة للاستخدام، وقد تخالف القانون والمعايير والأصول والشروط التي حددها الجهات المختصة.
زيجة مؤجلة
كان معتز يحلم بالزواج من حبيبته هند في أقرب وقت ممكن، لكنه كان يعاني من ضيق المال وارتفاع تكاليف الزيجات في مصر، فقرر أن يبحث عن حلول اقتصادية لتجهيز شقته، ووجد على الفيسبوك صفحة تروج لأجهزة كهربائية فرز تاني بأسعار مناسبة، فاتصل بالرقم الموجود على الصفحة، وتحدث مع رجل يدعى أحمد، والذي أخبره أنه يملك مخزنًا في منطقة نائية، وأنه يستورد الأجهزة من الخارج بأسعار رخيصة، ويبيعها بفارق بسيط للمستهلكين.
وأضاف البائع، أن هذه الأجهزة تعتبر فرز تاني لأنها تحمل بعض الخدوش أو الكسور البسيطة التي لا تؤثر على أدائها، وأنه يقدم ضمانًا لمدة سنة على كل جهاز، فأقنع عمرو بالعرض، وذهب إلى المخزن، وشاهد الأجهزة التي تبدو جديدة وحديثة، واختار منها ثلاجة وغسالة وتلفزيون ومكيف هواء، ودفع لأحمد المبلغ المطلوب، وأخذ معه فاتورة مختومة وضمانًا مكتوبًا، ثم استأجر سيارة نقل لنقل الأجهزة إلى شقته.
ولكن عندما وصل إلى شقته، اكتشف أن الأجهزة بها مشكلات كثيرة، فالثلاجة كانت تسرب ماء من الخلف، والغسالة كانت تصدر صوتًا عاليًا أثناء الغسيل، فحاول عمرو الاتصال بأحمد لإخباره بالمشكلة، لكن الرقم كان مغلقًا، فذهب إلى المخزن الذي اشترى منه الأجهزة، لكنه وجده مغلقًا أيضًا، وحين سأل الجيران عن صاحب المخزن، فقالوا له إنه رجل "نصاب" يغير اسم صفحته ومكان مخزنه باستمرار، وأنه يبيع أجهزة مستعملة أو معطلة أو مسروقة، ولا يمكن الوثوق به.
شعر عمرو بالندم والحزن، وعاد إلى شقته، وحاول تصليح الأجهزة بنفسه، لكنه لم يستطع، فقرر أن يبيعها بأقل من سعرها، ثم يشتري أجهزة أخرى من محال معروفة ومضمونة، لكنه لم يجد من يشتريها، فأصبح عالقًا بها، ولم يستطع أن يوفر المال الكافي لشراء أجهزة جديدة، فتأخر زواجه من سارة، وتعرض للسخرية والشفقة من أصدقائه وأقاربه.
أزمات صحية
وفي هذا السياق، يقول وائل العمدة، عامل فني بأحد مصانع الأجهزة الكهربائية، إنه مع ارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائية في مصر بسبب الأوضاع الاقتصادية والعالمية، يلجأ الكثير من المواطنين إلى البحث عن بدائل أرخص وأقل جودة، والتي تُباع عبر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستغل حاجة الناس وجهلهم.
ويستكمل "العمدة" حديثه مع "الدستور"، مرجعًا سبب ظهور هذه الأجهزة إلى أن بعض الشركات تستغل المنتجات التالفة أو المستعملة أو المصلحة، وتقوم بإعادة تغليفها وترويجها على أنها "فرز تاني"، بدلا من خسارة تكلفة إنتاجها، ولكن هذه الأجهزة تشكل خطورة على المستخدمين، فقد تكون غير كفؤة أو غير آمنة، وقد تسبب حرائق أو انفجارات أو صدمات كهربائية.
ويوضح: "تسويق وبيع الأجهزة الكهربائية "فرز تاني" عبر السوشيال ميديا يتم بطرق مخادعة وغير شرعية، فهذه الصفحات تستخدم صورًا وفيديوهات مزورة أو مسروقة لإظهار المنتجات بشكل جذاب ومغري، وتستغل حاجة المواطنين للتوفير في ظل الظروف الصعبة، وتعرض عليهم عروض وخصومات وهمية، وتحاول إقناعهم بأن هذه الأجهزة ليست بها عيوب كبيرة أو خطيرة، وأنها تستحق الشراء".
"ولكن في الحقيقة، هذه الأجهزة قد تكون معطلة أو مستعملة أو مصلحة بطرق غير احترافية، ولا تحمل ضمانًا أو فاتورة أو شهادة مطابقة للمواصفات، وقد تسبب خسائر مادية أو صحية للمشترين"، يتابع "العمدة" حديثه.
غش تجاري
ويتابع: "أظن أن المستهلكين يتعرضون للغش التجاري في حالة اقتناء هذه الأجهزة لأسباب عديدة، منها عدم وجود معلومات كافية أو دقيقة عن جودة وسلامة هذه الأجهزة، وعدم قدرتهم على شراء الأجهزة الأصلية بسبب ارتفاع أسعارها، والتأثر بالإعلانات والترويجات المغرية التي تظهر على السوشيال ميديا، بالإضافة إلى قلة الرقابة والمحاسبة على هذه الصفحات والتجار المخالفين".
ويرى العامل الفني أن المستهلكين يجب أن يتبعوا بعض النصائح قبل عمليات الشراء، مثل التثقيف والتوعية بمخاطر وعيوب الأجهزة المعروضة، والتفريق بينها وبين الأجهزة الأصلية أو المستوردة، والتحقق من مصدر ومنشأ الأجهزة، والبحث عن علامات التمييز والمواصفات القياسية والمطابقة للمواد والأجزاء المستخدمة في التصنيع.
ويختتم: "يجب أيضًا الحصول على فاتورة رسمية وضمان صالح وشامل للأجهزة، والتواصل مع الشركات المصنعة أو الوكلاء المعتمدين لتفعيل الضمان والصيانة، فضلًا عن عدم الانسياق وراء الإعلانات والعروض المغرية التي تظهر على السوشيال ميديا، والتأكد من سمعة ومصداقية الصفحات والتجار المروجين لها، ومقارنة الأسعار والجودة بين مختلف المحال والماركات، والبحث عن أفضل خيار يناسب الميزانية والاحتياجات".
عقوبات قانونية
ومن جانبه، يوضح مصطفى أبو النصر، الخبير القانوني، أن العقوبة القانونية في هذا الأمر تعتمد على نوع الجريمة التي يرتكبها التاجر المخالف، فإذا كان يبيع أجهزة كهربائية فرز تاني دون تصريح أو فاتورة أو ضمان، فقد يعاقب بالغرامة أو الحبس أو كليهما.
ويستكمل: "وإذا كان يبيع التاجر أجهزة مستعملة أو معطلة أو مسروقة، فقد يعاقب بالغرامة أو الحبس أو كليهما، بالإضافة إلى التعويض للمتضرر، وإذا كان يبيع أجهزة مغشوشة أو مضرة بالصحة أو السلامة، فقد يعاقب بالغرامة أو الحبس أو كليهما، بالإضافة إلى التعويض للمتضرر والمصادرة للأجهزة".
أما عن العقوبات المقررة لمخالفة قانون حماية المستهلك، فهي تختلف حسب نوع وخطورة المخالفة، وتشمل الغرامات المالية والحبس والمصادرة والنشر. وفقًا للقانون رقم 181 لسنة 2018، فإن بعض العقوبات هي:
- غرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه، في حالة تضليل المستهلك أو إغرائه بشأن المنتجات، أو تزويده بمعلومات خاطئة أو غير دقيقة أو مضللة عنها، أو تزويده بمنتجات لا تطابق المعلومات التي قدمها عنها، أو لا تطابق الغرض من شرائها، أو غير صالحة للاستخدام، أو غير مطابقة للمعايير والمقاييس والأصول والشروط التي حددها القانون، أو غير مزودة بالبيانات أو الإرشادات أو التحذيرات اللازمة (المواد 2 و3 و4 و5 و6 و8 من القانون).
- حبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تجاوز 2 مليون جنيه أو ما يعادل البضاعة محل الجريمة أيهما أكبر، في حالة حبس المنتجات الاستراتيجية المعدة للبيع عن التداول بإخفائها، أو عدم طرحها للبيع، أو الامتناع عن بيعها، أو بأي صورة أخرى (المادتان 8 و71 من القانون).
- غرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، في حالات عدم الالتزام بالمواصفات القياسية للسلعة، ودخول الباعة الجائلين للعقارات دون إذن مسبق، أو الإعلان عن مسابقات وهمية (المادتان 11 و12 من القانون).
- غرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تجاوز 500 ألف جنيه، في حالة منع مأموري الضبط القضائي من أداء عملهم (المادة 72 من القانون).
- غرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز مليون جنيه في حالة الامتناع عن وقف الإعلان المخالف (المادة 73 من القانون).
- غرامة على المورد ومركز الصيانة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه، في حالة إخفاء بيانات عن السيارات المستعملة (المادة 74 من القانون).
ويختتم "أبو النصر" حديثه مع "الدستور"، موجهًا بضرورة الإبلاغ عن أي تجار مخالفين أو صفحات نصابة تروج لأجهزة فرز تاني مغشوشة أو مضرة، والمطالبة بحقوق المستهلك في حال حدوث أي مشكلة.