الاغتراب في شعر محمد الشحات.. كتاب نقدي جديد لـ"حنين الفلاحي"
صدر حديثا ضمن سلسلة دراسات أدبية؛ كتاب للباحثة حنين أحمد الفلاحي بعنوان "الاغتراب في شعر محمد الشحات"، والتي كشفت خلال فصول كتابها الأول عن عمق التجربة الإنسانية والشعورية عند الشاعر الشحات والمتولدة من رهافة إحساسه بمحيطه، في حين استمدت الفرضية الثانية بُنيتها من رفض الواقع المحيط والتعامل معه بإحساس لا يمثل الانسجام التام، فتولد بداخله مشاعر الاغتراب التي مثلت تجربته الشعرية وهو اغتراب ناجم عن أسباب كثيرة كالسياسة والاقتصاد والاجتماع، وأسباب ذاتية تعود إلى الشخص المغترب نفسه، وغالبًا ما يعجز الإنسان عن الفصل بين الأسباب الموضوعية والذاتية. بواعث الاغتراب تشكل أنماطا عديدةً في إثارة مشاعر عدم التوافق أو الرفض بين الذات والآخر لتجسيد جدلية الصراع بين الواقع المَعيش والحلم المأمول.
وكشفت الباحثة، أن قصائد الشاعر تشير إلى أنَّه يرى أن الشعر رسالة تواصلية وتحفيزية بين الذات والآخر. تتداخل أحيانًا مثيرات الاغتراب عند الشاعر لتعدد الأزمات داخل نفسه، فيعيش حالات اغترابية متعددة.
جاءت قصائد الشحات لتمثل وثيقة مهمة في نقل وقائع بعض الحوادث السياسية أو الاجتماعية عن طريق تصوير تلك الوقائع وبيان أثرها في نفسه، كما اتسمت الكثير من قصائده في وصف ذاتها وواقعها المحيط للبحث عن هويته الإنسانية وتصوير الوجه الطبيعي للذات والواقع، ففي شعره صور عديدة للذات وأنماطها وفى أبعاد متعددة سواء أكانت في البحث عن الهوية أو قلق ذاته ليرمز إلى القضايا النفسية والوجدانية، ويقدم وجه الحياة من رؤية أخرى. إن الشحات على الرغم من ميله نحو الطابع الجمالي وبساطة التعبير في أسلوبه، إلا أنه تميز بالعمق الفكري والدلالي، فضًلا عن التأمل التخيلي ليسمو بوصف بسيط إلى عالم من الدهشة والجدة وربما بعض الغرابة، يميل كثيراً إلى رسم الصور الشعرية.
وتابعت الباحثة: “عندما تناولت موسيقى الشاعر بأنه قد مثلت قصيدة التفعيلة إطارا موسيقيًا لتجربته بصورة عامة والتي مال فيها إلى السطر الشعرى بحثا عن الإيقاع السهل والموسيقى الشعرية العذبة، ويميل للصوت المجهور أكثر من ميله للمهموس، مما يعنى أن الشاعر يرتكز في إيقاعه الداخلي على تشكيل صوتي لموسيقى الألفاظ تتفاوت فى مستوى الجهر، وأنه لا يمكن أنْ ننظر إلى الاغتراب النفسي بمعزل عن أنواع الاغتراب الأخرى، فثمة تعالق وتواشج يجمع بينها، فقد تفضي أنواع الاغتراب الأخرى إلى الاغتراب النفسي وقد يفضي الاغتراب النفسي إلى اغتراب آخر يعانيه الإنسان، فالذات الإنسانية فضلًا عن الواقع المعاش المتحكمان الرئيسان في فعالية الاغتراب في النفس، فالاغتراب الخارجي بأثر الواقع المعاش قد ينعكس صداه داخليًا فتغترب ذات الفرد حين يعاني من تناقض بين الذات الواقعية التي يعيشها والذات المثالية التي يسعى لتحقيقها مما يؤدي به إلى الشعور بالاضطراب والعجز المؤديان إلى شعوره بالاغتراب”.
وكشف الباحثة عبر صفحات كتابها بأن الشاعر يعاني ـ أحيانًا ـ من ظرف نفسي حاد ربما بأثر المكان حين يضطر للتحول من مكان لآخر أو لغياب محبوب أو بسبب التغيرات التي تنتاب الطبيعة الاجتماعية للمجتمع، فتؤثر في سلوكياته سلبًا مما يؤدي إلى شعوره ربما بالضيق والعجز، وذلك ينعكس على شعوره فيغدو الشاعر مغتربًا نفسيًا فيعبر عن اغترابه في مكنوناته الشعرية. إذ يذهب علماء النفس أنَّ الاغتراب النفسي يشير إلى الحالات التي تعاني منها وحدة الشخصية كالانشطار أو الضعف والانهيار بتأثير العمليات الثقافية والاجتماعية التي يتسم بها المجتمع؛ لذلك يرونَ أنَّ للاغتراب معنيان: أما إيجابي حين يخلق ذاتًا مبدعة يعلو فيها الإنسان على نفسه ولنْ يفقدها بل يسمو بها ويجدها في المثل الأعلى ليتمثل الاغتراب هنا بالشرود الذهني، أما المعنى السلبي فهو الاغتراب المرضي يغترب فيه الإنسان اغترابًا كاملًا ومطلقًا فتضيع منه نفسه كليًا.