ماذا يحدث فى السودان؟
جميع الأحداث التي حدثت وما زالت تحدث في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة هي من قوة دفع الماضي، الذي بدأ عقب رحيل الزعيم التاريخي جمال عبدالناصر.
ذلك الزعيم كان حجر عثرة كبير أمام المشروع الصهيوني في المنطقة، فبعد رحيله كان لا بد من التخلص من أفكاره وكل من يعتنقها أو يسير على دربها، وهنا جاءت خطة التغيير الديموغرافي والثقافي لسكان تلك الشعوب، عن طريق جلوس زعماء أو حكام لديهم سمات وصفات قوية من الضعف وانعدام الرؤية؛ ليكونوا أدوات يتم استخدامها ضد أوطانهم لتنفيذ ذلك المخطط الذي يرمي إلى الضعف الكامل لدول وشعوب المنطقة، ومن ثم تفكيكها وتركيعها والاستيلاء على قرار حكمها وثرواتها.
هذا ما حدث في السودان الشقيق الذي يمتلك ثروات متنوعة كثيرة ما بين تعدين وطاقة وزراعة ومياه وثروة حيوانية، تلك الثروة لو تم استغلالها ستضعه في مصاف الدول القوية، لكن ماذا حدث له ليصبح الآن دولة علي حافة الانهيار؟ بعد سلسلة من الصراعات بين المكونات المتنوعة ولعبة قطع الشطرنج بين من يحكم ومن يعارض، جاء عام 1989، حيث قامت الجبهة الإسلامية بانقلاب عسكري تحت اسم ثورة الإنقاذ الوطني، في بداية الانقلاب لم يكن معروفًا توجه الانقلابين السياسي ثم ظهرت الجبهة الإسلامية بزعامة حسن عبدالله الترابي الذي هو ابن حركة الإخوان المسلمين التي أقامتها بريطانيا عام 1928، والغرض من تلك الحركة هو ما يحدث الآن ومنذ سنوات في المنطقة العربية والسودان الشقيق.
وبعد صراع علي السلطة بين ذلك المكون استفرد بها حسن البشير وهو ابن النظرية السياسية الدينية للترابي، ومن خلال ذلك عمل علي تهجين كامل أخواني للمكون الأمني والعسكري بل وتعمد أضعاف القوات المسلحة وَكل المكون الأمني وجعله شيئا شكليا ورمزيا دون أي تأثير حتي يتسنى له السيطرة الكاملة، وحسن البشير لا يختلف كثيرًا في صفاته وسماته عن معظم الزعماء العرب وتم دعمه وغض النظر عن ما يفعله من الغرب ومنظماته، رغم جرائم الإبادة التي ارتكبها ضد بعض مكونات شعبه، وفي عهده كان السودان الضعيف المريض فحدث انفصال الجنوب في عام 2011، وقيام حركات تمرد أخري وكان العلاج لمواجهة تلك الحركات ليس بناء جيش وطني قوي بل جلب مليشيات ومرتزقة من الجنجويد، بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف أيضًا باسمِ حميدتي في عام 2013 لمواجهة تمرد إقليم دار فور.
وفي عام 2018 وبسبب تردي الأوضاع الاقتصادية للشعب السودان قامت ثورة ضد حكم البشير، فكان البديل هو مكون المليشيات وبقايا جيش ضعيف ممزوج بفكر الإخوان وبعض جماعات مسلحة شعبية وقبلية أخري، وهنا حدث الصراع بين تلك المكونات للاستيلاء علي السلطة، وتلك هي اللحظة المنتظرة من الصهيونية العالمية التي تصارع الموت والتواري في صورة أدواتها السياسية والاقتصادية والعسكرية المتمثلة في أمريكا وبريطانيا وباقي الذيول في الغرب، فالآن السودان اشتعل ولن تسمح الصهيونية بانتصار طرف علي آخر بل ستجعل الصراع يمتد ويتسع لأطول فترة ممكنة عندها تصبح مؤسسات الدولة فاشلة إداريًا وغير قادرة علي ضبط إيقاع الأحداث، ومن هنا ستجتمع المؤسسات الصهيونية المتمثلة في الأمم المتحدة وغرفته المتمثلة في مجلس الأمن ليقرروا إرسال قوات دولية تفصل بين الفرق المتصارعة، تلك القوات ستكون طبقًا للشرعية الدولية لها بعض الصلاحيات التي من خلالها ستمكن الشركات الصهيونية من التواجد في السودان.
السودان هو قبلة الحياة للصهيونية العالمية في صراعها الآن مع دول البريكس بقيادة الصين، فكيف ذلك؟ الآن الدولار سيسقط من اعتلائه عرش العملات في العالم، ومع سقوطه سيصبح الذهب هو الغطاء للعملات التجارية وبناء على من يمتلك مخزون ذهب أكثر سيكون له المكانة الاقتصادية وأيضًا السياسية بيد تلك العملة، وبما أن السودان البلد الأكبر في امتلاك مخزون ذهب في العالم فمن يتواجد بنفوذه في ذلك البلد ستتواجد شركاته العاملة في ذلك المجال.
بجانب ذلك لا ننسي طريق الحرير الصيني الذي سيكون الحبل الذي يتم استخدامه لخنق النظام العالمي القائم بقيادة الصهيونية، مما يمتلكه من متركزات برية وبحرية قادرة على التواجد في كل قارات العالم، وسيؤدي ذلك الي عزل أمريكا فيما وراء البحار ذلك الطريق الشق البحري منه سيتمركز في ساحل البحر الأحمر ممتدًا إلى قناة السويس متجها إلي البحر المتوسط، وإشعال السودان ستكون كتلة نار متدحرجة أمام الطريق الذي سيكون تمركزه البحري الأهم في ذلك المكان.
أما الهدف الأهم من إشعال الوضع غي السودان فسيتمثل استخدامه لمساومة مصر علي بعض الملفات ومنها سد النهضة المملوك للصهيونية، والتي أكدت مصر في الأيام الأخيرة أنها لن تسمح بقيام إثيوبيا بالمليء الرابع ألا بعد اتفاق ملزم، هنا العصفورة والشجرة الجميع سينشغل فيما يحدث في السودان وعندها سيبدأ الملئ طبقا لرؤية المخطط، فالذي حدث في الساعات الأولي من اشتعال الصراع هو ما ظهر في فيدو الجنود المصريين، وهي القوات المشاركة في تدريبات ومناورات حسب الاتفاق العسكري بين البلدين، ذلك الفيدو المقصود منه استنفار الشعب المصري والضغط علي القيادة السياسية للتدخل عسكريًا في السودان، وهذا هو الشق الأهم في الأحداث، والتي تعمل عليه الصهيونية في الكثير من الأحداث حول مصر؛ لكن فشلت في جر الجيش المصري لأي مستنفع.
وأخيرًا نجاة السودان سيتوقف أولًا وأخيرًا على تماسك الدول العربية المؤثرة بقيادة مصر والسعودية والإمارات ضد أي تدخل خارجي على الأراضي السودانية.