حتى الدولار هيبقى تاريخ
عنوان المقال هو ما ذكره السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال تفقده "الارتكازات الأمنية" بشرق قناة السويس منذ أيام، وعندما يخرج ذلك التصريح من رئيس دولة بحجم مصر فلابد أن نقف أمامه كثيرًا ونتناوله بالتحليل والتشخيص، وهذا ما لم يحدث بشكل كافٍ من الإعلام المصري أو الكتاب والمتخصصين، وفي مقالنا هذا سنجول سويًا ومعنا تصريح السيد الرئيس.
صدر الدولار الأمريكي بموجب قانون الصك لعام 1792م، وحينذاك قامت الإدارة الأمريكية الوليدة للرئيس جورج واشنطن بتحديد الدولار كوحدة حسابية أساسية للولايات المتحدة، وذلك تحت قيادة ألكسندر هاميلتون، وزير الخزانة آنذاك. ومن لا يعرف جورج واشنطن فهو كما ذكر كتاب "اليهود لا مواثيق ولا عهود" لـ عبدالله أبوعلم، أن جورج واشنطن، حينما وصل منصب رئيس الولايات المتحدة، كان وقتها بمرتبة الأستاذ العظيم على سلم المناصب في الحركة الماسونية، وحينما أدى يمين القسم كرئيس للولايات المتحدة، تمت مراسم القسم في المحفل الماسوني، ومعه أيضًا وزير الخزانة ألكسندر هاميلتون فهو ماسوني ومن الآباء المؤسسين لدولة أمريكا. وجميع الرموز الموجودة على الدولار الأول من هرم وعين حورس والعبارات المكتوبة ترمز إلى الماسونية، وأهدافها في جعل الدولار هو من يقود حكم العالم على المدي البعيد وعلاقة تلك الرموز بالحضارة والتاريخ المصري كدولة تمثل المرتكز التاريخي وتتوسط جغرافية الأرض، ومنها سيكون تحقيق أهدافهم طبقًا لأحلامهم.
قبل أن تخرج الولايات المتّحدة منتصرةً من الحرب العالمية الثانية بعامٍ واحد، بدأت تعمل على إنشاء نظامٍ عالمي جديد وبالتالي إنشاء نظام عالمي اقتصادي جديد، تكون الولايات المتّحدة والدولار الأمريكي رأس الهرم فيه. وقد حصل ذلك عن طريق اتفاقية Bretton Woods سنة 1944م، حضرت هذه الاتفاقية 44 دولة من حول العالم، واستمر انعقاد المؤتمر لأكثر من 22 يومًا، تمّ فيه توقيع عدد كبير من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تنظم التجارة العالمية الدولية بالإضافة إلى تطبيق بعض الشروط والقيود عليها، أهمّ نتائج المؤتمر كان اعتماد الدولار الأمريكي كمرجعٍ رئيسي لتحديد سعر عملات الدول الأخرى؛ يمكنك أن تقول إنّ هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الرئيسية التي أدّت إلى تشكيل نظام الصرف الأجنبي وتشكيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتطوير والتعمير، وهي الاتفاقية الرئيسية التي رسّخت هيمنة الدولار الأمريكي على تعاملات العالم الاقتصادية، حيث صارت هذه الدول الـ44 ترجع إلى الدولار الأمريكي لتحديد قيمة عملاتها دوليًا، مما جعل الدولار بمركز الملك.
كانت الولايات المتّحدة تمتلك 75% من ذهب العالم لوحدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة على مستوى العالم المُغطاة بالذهب (بقية الدول تخلّت عن تغطية عملاتها بالذهب بعد حصول تضّخمات في اقتصاداتها)، مما دفع عددًا كبيرًا من دول العالم إلى العمل على تكديس الدولارات الأمريكية بهدف استبدالها بالذهب مستقبلًا كاحتياطي، وصار عدد كبير من هذه الدول يستخدم عملة الدولار كاحتياطي النقد الأجنبي.
وهكذا تحقق حلم الماسونية بالسيطرة على الاقتصاد العالمي. ولكن تطورًا مهمًا حصل لاحقًا.
حرب فيتنام وإلغاء تغطية الدولار الأمريكي بالذهب.. خاضت الولايات المتّحدة حرب فيتنام من العام 1956م– 1975م، وكالمعتاد، احتاجت الولايات المتّحدة إلى المزيد من الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ولكن الدولارات لم تكف، لأن الذهب الموجود في الولايات المتحدة (بل والعالم) لم يعد كافيًا ليغطّي الدولار الأمريكي، لم يعد بالإمكان طباعة المزيد من الدولارات لأنّ الذهب الموجود لم يعد كافيًا لتغطيتها، وبالتالي قامت الولايات المتّحدة بتجاوز الحد الأعلى المسموح من الدولارات المطبوعة، وقامت بطبع دولارات غير مغطاة بالذهب دون أن تُعلِم أحدًا بذلك.
ولكن الأزمة الكبرى حصلت عندما طالب الرئيس الفرنسي تشارل ديجول عام 1971م بتحويل الدولارات الأمريكية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ذهب (طالب بتحويل 191 مليون دولار إلى ما يقابلها من الذهب، وكان سعر الأونصة 35$)، عملًا باتفاقية Bretton Woods التي تسمح بذلك؛ أدّى هذا الأمر إلى عجز الولايات المتّحدة لاحقًا عن تحويل أي دولارات أمريكية إلى الذهب، مما دفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى إصدار بيان في عام 1973 يلغي فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب، عُرفت لاحقًا باسم Nixon Shock أو صدمة نيكسون.
كانت صدمة حقيقية للدول على مستوى العالم، إنّها خدعة تمّ خداع العالم بأسره بها، فبعد أن كانت تعمل على مرّ السنوات لتكديس الدولار الأمريكي كاحتياطي للنقد الأجنبي لتستبدله بالذهب عندما تريد، أصبحت الآن غير قادرة على ذلك، والأسواء من كلّ ذلك هي أنّها كانت لا تزال مجبرة على التعامل بالدولار، لأنّها لا يمكنها التخلّي عنه بعد أن قامت بتكديس كلّ هذه الدولارات في الاحتياطي النقدي الأجنبي وإلّا ضاعت أدراج الرياح. قد يتساءل أحدهم: ولماذا لا تقوم هذه الدول بفكّ الارتباط من الدولار وإلغاء التعامل به؟ لأنّ الأسطول الأمريكي الذي يجوب العالم ليس موجودًا لحراسة فراغ، فالقوة العسكرية هي من تحمي القوة الاقتصادية. وهكذا، تحوّل الدولار إلى أضخم عملة نقدية احتياطية أجنبية.
وفي تلك الفترة جاءت الخطة الماسونية لإنقاذ انهيار أهدافها وأحلامها المتمثل في انهيار الدولار، في عام 1974، وبعد فترة قصيرة من أزمة النفط العالمية، توصلت إدارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون مع الحكومة السعودية، لتسعير كل صادرات السعودية النفطية بالدولار. شملت الصفقة في حينها شراء السعودية سندات خزينة أمريكية.
وبسبب ثقل هذه الخطوة، سار كثير من الدول على إثر السعودية، وأصبح العالم يسعر البترول بالدولار، وعليه احتفظ كثير من الدول باحتياطات أجنبية بالدولار لشراء النفط وشراء سندات الخزينة والاستثمار في الغرب واستيراد كثير من السلع، والخدمات الأجنبية، وعليه تم خلق نظام عالمي بثوب اقتصادي بيد أمريكا "الماسونية" ليحكم ليس فقط إدارات الحكومات بل جميع شعوب الأرض، لأن الطاقة هي ما تمد تلك الشعوب بالحياة والتواجد، ومن تلك الخطوة جاءت هيمنة أمريكا علي دول العالم وقيام أساطيلها العسكرية بالتحرك في العالم لحماية تلك العلاقة ما بين الدولار والبترول، وأن أي تغيير في هذه المعادلة سيعني أمورًا أعمق تتعلق بالشق الجيوسياسي وتتعدى الجانب الاقتصادي.
والأحداث الجارية الآن في العالم من متغيرات جميعها تهدف إلي فصل الدولار عن الطاقة، عندها بكل تأكيد سيتراجع الدولار وينزل من علي عرش ملك العملات ومعه ستضيع كل أهداف الماسونية وأحلامها، فالبداية ستكون من عند السعودية، حيث تستقبل الأسواق الآسيوية مجتمعة حسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لعام 2020، نحو 77% من صادرات النفط السعودية، وبناء على هذا الواقع، تسعى الدول المصدرة للنفط، ومن ضمنها السعودية وروسيا وغيرهما، لخلق علاقات استراتيجية مع الصين وبقية دول آسيا الكبرى، لضمان وصول نفطها الخام لهذه الأسواق الحيوية، فقد أعلنت شركة أرامكو السعودية مؤخرًا عن اتخاذ قرار استثماري في شراكة لبناء مصفاة ومجمع بتروكيماويات في الصين في خطوة يتوقع أن تبني علاقة استراتيجية بين الطرفين في قطاع الطاقة، فتلك الأسواق الآسيوية بقيادة الصين تستخدم 60% من تعاملاتها التجارية في الطاقة بعملة الدولار، وحسب التسريبات فإن هناك اتفاقيات في الطريق بين السعودية والصين باستخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية وذلك سينطبق علي تجمع دول البريكس الذي يدرس سك عملة موحدة للتعاملات التجارية.
وهكذا سيكون سقوط الدولار ومعه سيسقط النظام العالمي القائم بقيادة أمريكا بكل تشابكاته المالية والسياسية، وسيكون هناك واقع آخر يحكم دول العالم، هذا ما قرأته مصر على لسان رئيسها عن مستقبل الدولار وأنه سيكون تاريخًا من الماضي، وعندها ستسقط كل مخططات الماسونية ضد مصر، وعلي رأس تلك المخططات سد النهضة وحالة الفوضى في ليبيا.