"لست هناك ولست هنا".. كتاب يدرس "الهوية" عند إدوارد سعيد ومحمود درويش
تدرس الباحثة سعاد العنزي في كتابها "لست هناك ولست هنا.. تشكيلات هوية ما بعد الاستعمار في أعمال إدوارد سعيد ومحمود درويش"، الصادر حديثًا عن "دار نينوى" مفهوم الهوية كما تمثل لدى الكاتبين الفلسطينيين البارزين إدوارد سعيد ومحمود درويش.
ويتناول الكتاب أعمال الناقد الأدبي الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد والشاعر الفلسطيني محمود درويش بالتركيز على تمثيل كل منهما لموضوع الهوية، ومقارنة وجهتي نظريهما حول مختلف جوانب هويتهما كعربيين فلسطينيين من جهة وكمواطنين عالميين على الجانب الآخر.
دور التجارب الذاتية في تشكيل الهوية
سعت الكاتبة إلى دراسة مفهوم الهوية لدى الكاتبين؛ اللذين لديهما من المشتركات ما يجعل دراستهما ثرية، بالنظر إلى الظروف التي أدت إلى المأساة الفلسطينية من جانب وسياق الحركات الفكرية والاجتماعية اللاتي عاصراها في العالم العربي من جانب آخر، فضلًا عن تجاربهما الذاتية، للوصول إلى أسباب تصوراتهما الخاصة عن الموضوع.
ولا تنفصل رؤية الكاتبين عن تجاربهما الخاصة في علاقتهما بالوطن، فبالنظر إلى درويش تلفت الكاتبة إلى تجربة التهجير التي شكلت علامة في كل أعماله الشعرية، فربط فيها تجربته الخاصة من المعاناة عبر الزمان والمكان بكتاباته، كما أنه جلب بعدًا عالميًا إلى عمله بإعطاء صوت للمهاجرين الذين عاشوا في الشتات.
وكذلك فإن الكاتبين استفادا من تجربتيهما مع الصدمات للتعبير عن الذكريات المكبوتة للشعب الفلسطيني، إذ سلطت الدراسة الضوء على دور الذكريات الثقافية عن الماضي في تشكيل التصورات العامة والفلسطينية على وجه الخصوص للحقائق.
ومن الجوانب الذاتية التي ترى الكاتبة أنها عززت من رؤية الكاتبين للهوية الذاتية؛ تجربة المرض التي كتبا في ضوئها أعمالهما، فقد حفز المرض "سعيد" على إنتاج سيرته الذاتية، كما أن أعمال درويش الإبداعية جاءت في ضوء انتظاره لجراحة القلب وتعافيه منها. تلك التجارب قادت إلى تبني كل من سعيد ودرويش موقفًا يتمثل في التسامح والتعايش المشترك طوال حياتيهما الشخصية.
الوطن شرط الوجود الإنساني
تتعرض الكاتبة لجانب من تمثيل موضوع الهوية عند الكاتبين ممثلة في فكرة الوطن، فالكاتبان اعتبرا الوطن شرطًا لوجودهما الإنساني، مع رفضهما النزعات القتالية التي ظهرت بين الفلسطينيين مجادلين بضرورة استكشاف جميع الوسائل البديلة الممكنة لتحقيق سلام دائم على أساس تسوية عادلة.
وفي أعمال مثل "قضية فلسطين" و"بعد السماء الأخيرة: حيوات فلسطينية" دافع إدوارد سعيد عن حق الفلسطينيين في العودة إلى موطنهم الأصلي بدلا من العيش لاجئين في أنحاء العالم، لكن بحثه تضمن الكشف عن التحريف في روايات تاريخ المنطقة وتحليل الطرائق التي أثر بها هذا الخطاب سلبا في إحساس الفلسطينيين بالهوية.
أما محمود درويش؛ شاعر المقاومة الفلسطينية فلم يدافع على نحو أعمى عن القضايا الفلسطينية لكنه بحث في التاريخ للكشف عن أوجه التحيز في الخطاب التاريخي والتي عملت على تشويه الواقع المعاصر للعرب، هذا إلى جانب عمله على رفع مستوى الوعي بالقضايا الفلسطينية وبقاء الهوية الوطنية موضوعًا متكررًا في مسيرته.