لماذا تقدموا هم وتراجعنا نحن؟
ربما يكون الواقع الذي أريد الإشارة إليه تحت مسمي آخر بخلاف عنوان المقال وهو "لماذا نهضوا هم وسقطنا نحن" أو "لماذا تصعد الأمم من القاع للقمة وسقطنا نحن من القمة للقاع".
العلم هو مربط حصان الإجابة عن السؤال، فمن خلال العلم كانت مصر إمبراطورية مجد الأجداد ومن خلال العلم أيضًا سقطت مصر الأحفاد، لم نتطرق إلي مجد الماضي البعيد، بل بالعلم بني محمد علي وأسرته مجد مصر القريب، وجاء نظام السادات، ومن خلال العلم أيضًا أسقط مصر في وحل الضعف والوهن والضياع، فكيف هذا؟ العلم يتمحور داخل كلمات سطور المناهج ومن خلال حروف تلك الكلمات يتم توطين ثقافي داخل الشخصية، هكذا فعل مخطط السادات الجهنمي بأن سلم مناهج التعليم ليد أيديولوجية خارج الهوية المصرية، ومع مرور السنوات حدث التهجين والتجنيس الثقافي داخل مكون تلك الشخصية، والتي أصبحت واقعًا الآن يحكم الحالة المصرية.
ولن يكون هناك نهوض للحالة المصرية إلا من خلال نفس نهج مخطط السادات، وهو تسليم كلمات المناهج إلي يد أصحاب الهوية المصرية، ليتم استرجاع مكون تلك الهوية داخل الشخصية "وإن كنت أري مخططًا كبيرًا جدًا متعمدًا يهدف إلي تفريغ مصر من هويتها بيد ما تم تهجينه من خلال كلمات تلك المناهج، فأنا متابع جيد لما يحدث في منظومة التعليم، لأني متيقن بأنه لا تغيير للحالة المصرية إلا من خلال تلك المنظومة، وتلاحظ لي أن كل الفعاليات والأطروحات والمقترحات التي تطرح للنهوض بالتعليم لا تتناول أو تقترب من كلمات المناهج، هنا المخطط الشيطاني الذي سيقضي علي مصر فهل القيادة السياسية بصمتها علي هذا المخطط تبارك استمراره وتمدده داخل سطور مناهج التعليم؟".
ومن مصر إلي المملكة العربية السعودية، ومن مناهج التعليم ومؤسسات الدولة التي هي تكوين مصري منذ ستينيات القرن الماضي، وبداخل ذلك التكوين عاشت المملكة حالة تراجع واختفاء ثقافي وعلمي رغم قوتها الاقتصادية، إلا أن العلاج بدأ فعليًا عندما بدأت المملكة الخروج من ثوب كلمات مناهج السادات وتغييرًا كليًا لمكونات مؤسسات الدولة التي كانت تلبس الثوب المصري، "وعندما أذكر السادات لا أقصد الشخص بل أقصد سياسة الحكم التي تم زرعها بفعل فاعل داخل الحالة المصرية، تلك السياسة خارج دائرة الهوية المصرية، وبالطبع هي من أحد مخططات ومؤامرات العدو الذي استغل صفات وسمات شخصية السادات ليحركها نحو ذلك المخطط لتدمير مصر ووصولها إلي الوضع الحالي".
منذ عدة سنوات قررت المملكة الخروج من العباءة المصرية التي كانت تشكل الكثير من مكونات الدول العربية في التكوين المؤسسي أو الثقافي أو العلمي، وفي سبيل ذلك أرسلت الكثير من أبنائها لبعثات تعليمية إلي الخارج، وبالتوازي كانت تقوم ببناء مؤسسي لمنظومة التعليم على أحدث الأساليب العلمية، وعندما حان الوقت كانت المملكة مع القدر السعيد بقدوم ابنها الشاب والزعيم التاريخي للمملكة سمو الأمير محمد بن سلمان الذي قرر ألا تعيش المملكة داخل جلباب الحالة المصرية المتهالك، فقام بتطهير كلي لمنظومة التعليم ليس من الإخوان والوهابيين فقط، بل أيضًا نسف كامل لكل المناهج التي صنعت الكثير من حالة الوضع العربي الراهن المتمثل في الرجعية والضعف، وقرر استبدال كلمات المنهج إلي سطور العلم والحداثة والإبداع والتمييز والإنسانية.
ولكن كان الأهم هو ما قام به من تغيير كامل للحالة السعودية عندما قرر غلق المنافذ الثقافية والمالية للإرهاب والفساد، وتخلص من بيروقراطية المؤسسات المتهالكة بتكوين مؤسسات حديثة علي يد شباب الثورة الرقمية وتحويل المملكة كليًا إلى الحوكمة والرقمنة، والتي أصبحت من خلالها تنافس القوي الكبرى في المراتب الأولي في تلك الإدارة، والآن تحولت الرياض في غضون سنوات قليلة إلى عاصمة العلم والنور ومرتكز الثقافة والاقتصاد والسياسية، وأصبحت أيضًا صاحبة القرار الموقر سياسيًا علي الساحة العالمية.
ومن المملكة إلي مصر هناك العكس تمامًا في كل محاور التكوين الشخصي والمؤسسي، وستظل مصر علي حافة الانهيار والضياع ما دامت موجودة داخل ثوب سياسة أيديولوجية السادات وربيبه حسني مبارك، وكتبنا عشرات المقالات وأشرنا إلى الكثير من الحلول العاجلة وبعيدة المدي، وكان أهمها أن يتم إطلاق يد جهاز الأمن الوطني العظيم في المؤسسات المصرية وإعطاؤه الصلاحية الكاملة للجم سعار ما يحدث من انهيار في الحالة المصرية من فساد وإرهاب لأنه الجهاز الوحيد المؤهل لذلك، ومع ذلك الاقتراح تكون هناك استراتيجية عمل طويلة المدي داخل كلمات مناهج التعليم وإحلال وتجديد لمكونات مؤسسات الدولة، ولا ننسي ردم مستنقع الانفجار السكاني الذي سيبتلع الجميع إن لم تتخذ القيادة السياسية إجراءات صارمة بشأنه، من أجل الوطن نكتب ومن له أذنان للسمع فليسمع قبل فوات الأوان.