«أزمة الرأسمالية الديمقراطية».. كتاب يُعيد النظر في علاقة السياسة بالاقتصاد
يطرح مارتن وولف؛ الكاتب الاقتصادي البارز في صحيفة الفاينانشيال تايمز، عددًا من الأسئلة في كتابه الجديد الذي يحمل عنوان "أزمة الرأسمالية الديمقراطية" تتعلق ببداية تراجع اقتران الديمقراطية بالرأسمالية، وأسبابه، وما يتعين فعله للخروج من هذه الوضعية.
يُنظر إلى وولف باعتباره واحدًا من أكثر الأصوات حكمة في القضايا الاقتصادية العالمية، وفي كتابه الجديد يحاول فهم أسباب تراجع الديمقراطية الليبرالية، وتزعزع الروابط التي تجمع الأسواق المفتوحة بانتخابات حرة ونزيهة، حتى لدى أبرز الديمقراطيات المعاصرة؛ الولايات المتحدة وإنجلترا.
الرأسمالية والديمقراطية
يشير المؤلف في كتابه إلى أنه في جميع أنحاء العالم، تزعم الأصوات القوية أن الرأسمالية أفضل بدون ديمقراطية، فيما يجادل آخرون بأن الديمقراطية أفضل بدون الرأسمالية، ومن ثم فإن هذا الكتاب هو رد قوي على الرأيين.
على الرغم من أنه يقدم تقييماً عميقاً وواضحاً لسبب توتر هذا الاقتران ما بين الديمقراطية والرأسمالية، فإنه يوضح لماذا يُعد انفصال الرأسمالية عن الديمقراطية كارثة للعالم، ومدى حاجة كل منهما إلى الآخر حتى لو وجدا صعوبة في التعايش معًا.
يلفت وولف إلى أنه على الرغم من كل عيوب الرأسمالية الديمقراطية، فإنها تظل النظام الأفضل، مجادلًا بأن المواطنة ليست مجرد شعار أو فكرة رومانسية وإنما هي الفكرة الوحيدة التي يمكن أن تنقذ العالم، فلن يتحقق الانسجام بين الحرية السياسية والاقتصادية بدون الإيمان المشترك بالصالح العام.
ويوضح وولف أن لا الديمقراطية ولا الرأسمالية يمكنهما الاستمرار دون الآخر، منوهًا بأن الإصلاح ضروري لتقويم هذه العلاقة.
ارتباط الاقتصاد بالسياسة
يشير الكاتب أيضًا إلى أن تنامي عدم المساواة أدى إلى تآكل الثقة في الأنظمة السياسية والاقتصادية، ما أدى إلى صعود الشعبوية التي يرى أنها ولّدت سياسات سيئة للغاية، وهو ما دفعه إلى إعادة التفكير في بعض الافتراضات القديمة وفي آرائه السابقة حول كيفية ارتباط الاقتصاد بالسياسة.
يتحدث الكتاب عن صعود ما يسميه "شعبوية البلوتو" التي سعى فيه المستفيدون من النظام المنحرف والذين اكتسبوا ثروة هائلة إلى نفوذ سياسي للحفاظ على مكانتهم.
ويحذر وولف، وهو ابن لاجئين من ألمانيا النازية، من الرضا عن الذات منوهًا بأن المجتمعات المستقرة يمكن أن تتجه نحو البربرية في ظل ظروف معينة، فما نعتبره مجتمعات مستقرة ومتحضرة وذات ثقافة عالية يمكن أن ينهار تحت ضغط كاف.
ويجادل الكاتب بأن الديمقراطيات السليمة تحتاج إلى طبقة وسطى قوية ونشطة وواثقة من نفسها، تقدّر الاستقرار وتدرك أنهم بحاجة إلى اقتصاد داعم بشكل معقول ولديهم الثقة لتنظيم أنفسهم بشكل فعال في السياسة.
يقول وولف: “لقد عرفنا منذ آدم سميث، قبل 250 عامًا، أن تنظيم السوق يحتاج إلى سياسة منافسة وسياسة ضريبية عادلة وإلى تنظيم، وقد صار هذا صعبًا لأن الأشخاص الذين يمتلكون الثروة، اكتسبوا أيضًا الكثير من المكانة”.
ويتابع: “تهدف الديمقراطية بالطبع إلى منع ذلك، بفصل السلطة عن الثروة، وهذا هو التحدي الكبير المتمثل في جعل الديمقراطية تتماشى مع الرأسمالية”.