الغاضبون فى كابلان
إسرائيل فى عقدها الثامن، الزمن الذى سقطت فيه ممالك اليهود السابقة، من عاشوا فى المملكتين الأولى والثانية، لم يفكروا فى سيناريو تختفى فيه ممالكهم، فى حين كان الشعور هو أن كل شىء سيظل، لم يتخيلوا أن الممالك تنهار، لم يعرفوا أن الدول يمكن أن تختفى، هذه إحدى الذرائع التى تستخدمها المعارضة الإسرائيلية فى حملة التحريض ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، يقولون إن «الملك بيبى»، مثلما يحب مؤيدوه أن يلقبوه، سيكون هو المسئول عن السقوط الثالث لمملكة اليهود، هؤلاء بكوا فى شارع كابلان «مكان الاحتجاجات» على ضياع الدولة التى عرفوها!
كان أسبوعًا ساخنًا فى إسرائيل، الدراما فى كل مكان، سمعنا عن الهجمات والصواريخ والاقتحامات، لكن الملف الأكثر سخونة كان «الإصلاحات القضائية»، والغضب الإسرائيلى حيالها، هؤلاء يولون أهمية للإصلاح بقدر ما يهتمون بالهجمات فى القدس. لم تُنسهم الهجمات ولا الـ١٠ إسرائيليين الذين قتلوا فى أسبوعين المعركة القضائية «بالنسبة للإسرائيليين هذا رقم كبير».
أثار اقتراح الحكومة بمراجعة النظام القضائى الإسرائيلى احتجاجًا جماهيريًا فى بعض أجزاء المجتمع الإسرائيلى، حيث ادّعى البعض أنه قد يؤدى ليس فقط إلى حرب أهلية ولكن إلى زوال الديمقراطية.
الإصلاحات التى اقترحتها الحكومة إجمالًا هى: تغيير تشكيل لجنة الاختيار القضائى بحيث يكون للائتلاف الأغلبية، مطالبة ما بين ٨٠٪ و١٠٠٪ من قضاة المحكمة العليا بالموافقة من أجل جعل تشريعات الكنيست غير دستورية، تنفيذ بند التجاوز الذى من شأنه أن يسمح للكنيست بنقض المحكمة والمضى قدمًا فى التشريع الذى قال القضاة إنه غير دستورى، وجعل القوانين الأساسية فى مأمن من المراجعة القضائية، بغض النظر عن محتواها، وإلغاء قدرة المحاكم على إصدار قرارات من قبل الحكومة، تقليص دور النائب العام والمستشارين القانونيين الحكوميين من خلال جعل وضع آرائهم القانونية غير ملزمة والسماح لمسئولى الدولة بالحصول على المشورة القانونية الخاصة بدلًا من ذلك.
وحسب بيان صادر عن باحثين من منتدى أساتذة القانون الإسرائيلى من أجل الديمقراطية، فإن «هذه المقترحات فى المجمل تخنق استقلال القضاء، وتبطل الفصل بين السلطات بين فروع الحكومات، وتزيل سيادة القانون وتضر بالديمقراطية، وبشكل واضح تمنع محاربة الفساد.. المعارضون وصفوا الإصلاحات التى تريدها حكومة نتنياهو بأنها تشبه ما حدث فى المجر، ويقارنون بين خطوات نتنياهو وخطوات رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان خلال العقد الأخير».
الطرفان «حكومة نتنياهو والمعارضة» يستخدمان الديمقراطية كذريعة للهجوم على الآخر.. بنيامين نتنياهو، الذى يندفع بسبب غضبه من جهاز القضاء ويحاول النجاة من المحاكمة، يقوم بإصلاحات قضائية يقول إنها ستقود إلى الديمقراطية، بينما ترى المعارضة أنها انقلاب على النظام، وتصف تحركاته بأنها تهدم الديمقراطية، ونتنياهو وشركاؤه يرون الاحتجاجات ضدهم أنها انقلاب على الديمقراطية، بيد أن حكومته نجحت بإرادة الإسرائيليين.
من السهل الادعاء بأن الدعوات للإصلاح القضائى هى لعبة نتنياهو للتهرب من المحاكمة، أو بسبب الإحباط من قبل زعيم حزب شاس، آرى درعى، بعد قرار المحكمة العليا باستبعاده مؤخرًا من منصب وزير بسبب إدانته بالاحتيال الضريبى، لكن الحقيقة أن المناقشات حول التغيير القضائى موجودة منذ أوائل التسعينيات عندما قام رئيس المحكمة العليا أهارون باراك «بتغيير قواعد اللعبة».
هناك مساران؛ الأول أن الإصلاحات التى حققتها هذه الحكومة يمكن إلغاؤها وتعديلها مرة أخرى فى الحكومة التالية «إذا كانت يسارية»، والثانى أنه ربما يعيد الائتلاف التفكير فى موقفه، ويُخضع عملية الإصلاحات للتداول والمشاركة مع المعارضة، وتكون الحكومة على استعداد للاستماع للانتقادات والتعديل. لكن كفى صراخًا فى شارع كابلان عن الديمقراطية، فالديمقراطى بحق كان سيحارب من أجل ديمقراطية للجميع فى بلاده، المعارضون الآن لخطة نتنياهو لم يتحركوا لإنصاف الديمقراطية مع الفلسطينيين، لكن مع نتنياهو يحاربون بكل ثمين من أجلها.