دلال محمود: السلاح السري للإخوان يكشف أساليب الجماعة في اختراق المجتمعات
صدر حديثًا عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية كتاب بعنوان "السلاح السري للإخوان.. اختراق المجتمع المدني"، والذي حرّرته وشاركت فيه مدير برنامج الأمن وقضايا الدفاع بالمركز؛ دلال محمود، بصحبة عدد من أبرز الباحثين في شئون الجماعات الإسلامية.
يقدم الكتاب أجوبة لتساؤلات حول كيفية توظيف الإخوان للمجتمع المدني واختراقهم له، وما حققوه عبر ذلك من انتشار وتأثير تنامى عبر السنوات، فضلًا عن استشراف الباحثين لمدى الحضور المتوقع للجماعة في بعض المجتمعات التي لفظتها.
العُنف ليس السلاح الوحيد للإخوان
تُبين محمود، في حديثها مع "الدستور"، أن معظم الكتابات عن جماعة الإخوان ركزت في السنوات الأخيرة على موضوع السُلطة والعنف وذلك عقب تجربة الجماعة بعدد من البلدان مثل مصر وتونس، وما أظهروه من العنف في أثناء تلك السنوات، ما جعله موضوعًا محوريًا ومُلحًا.
وتضيف: “رغم أهمية موضوع العنف، شعرنا بوجود فجوة ما تتعلق بالجانب الأكبر من تاريخ الإخوان وتحديدًا كيفية انتشارهم وتغلغلهم في المجتمع، ففي السنوات الأخيرة صرنا نكتشف تبني كثير من الناس في الدوائر المقربة إلى فكر الإخوان، فكان السؤال حول الأساليب التي استطاعت من خلالها الجماعة الانتشار والتأثير والتغلغل في فكر المجتمعات بهذه الصورة إلى حد امتلاكهم القدرة التنظيمية التي استطاعوا بها القفز على الثوار وتحقيق مكاسبهم الخاصة من الثورة”.
وتتابع محمود: “وجدنا أنه رغم الصدام مع الجماعة في فترة مثل الخمسينيات والستينيات فإنهم ظلوا كامنين وتسللوا إلى داخل المجتمعات إلى أن جددوا نشاطهم مرة أخرى، مما كفل لهم البقاء بعد الصدام”.
وتستنتج من تتبع تاريخ انتشار الجماعة إلى أنها تعتمد على الانتشار في المجتمع لضمان بقائها وفرض الاستجابة لتوجهاتها، ومن ثم فإن الكتاب الذي حمل عنوان “السلاح السري للإخوان" يكشف أن العنف ليس هو السلاح الوحيد للجماعة لأنه يظل مرتبطًا بحدث ما، ولكن بقاءهم مرتبط بالتغلغل في المجتمع وهذا هو الخطر الأكبر الذي مكّن الجماعة من الاستمرار فيما مضى.
المجتمع في فكر الإخوان
يبدأ الكتاب بتتبع أفكار جماعة الإخوان عبر الكتابات الأصيلة لهم لدى روادها الأوائل؛ سيد قطب وحسن البنا، وتُظهر إحدى الدراسات التي ضمها الكتاب أن مفهوم المجتمع المدني لم يرد في كتابات مفكري الإخوان، الذين تعاملوا مع المجتمع باعتباره مفعولًا به فإما أنه يجهل وعليهم توعيته أو أنه لا يتجاوب معهم فيصبح مجتمعًا كافرًا يحق لهم الوصاية عليه.
كما ترصد دراسة أخرى أحد أوجه توظيف المجتمع لتحقيق مآرب الجماعة عبر دراسة أساليب تعامل التنظيم الدولي للإخوان مع المجتمعات المختلفة والمرونة التي تبديها الفروع المختلفة للجماعة وفق كل مجتمع.
تشير محمود إلى أن قيادات الإخوان يغلب عليهم التعامل بمنطق الوصاية مع المجتمع، فهو لا يعرف دينه كما يجب أو خاضع لسلطة غير عادلة أو دينية وفق منطقهم، ما يمنحهم الحق في توجيهه وتوظيفه لتحقيق أهدافهم التي يختلط فيها الشق الديني بالشق السياسي.
وتضيف: تُعلن الجماعة أن هدفها هو صحيح الدين الذي لن يتحقق إلا إذا وصلت إلى الحكم لأنها الوحيدة التي تعرف صحيح الدين من وجهة نظرهم، وهو ما يعمق فكرة توظيف المجتمع من قبل الإخوان والمتبع منذ مرحلة سيد قطب وحتى الآن.
الإخوان في المنطقة العربية
يُسلط الكتاب أيضًا الضوء على حضور الإخوان في المنطقة العربية، وبالتركيز على مصر، فتقدّم دراسة أعدها هاني نسيرة؛ الأكاديمي المتخصص في الحركات الإسلامية، توضيحًا لأساليب تعامل الإخوان مع المجتمع المصري منذ نشأتهم في العام 1928 وحتى اليوم.
تُبين الدراسة أن استغلال الجماعة للمجتمع لم يتوقف على مدار تاريخهم، وإن اختلفت أساليب التوظيف، فتارة اعتمدوا على استغلال مشكلات المجتمعات واستغلال الاتحادات والنقابات وغيرها من أماكن ومنصات، وتارة أخرى كانت تحركهم فكرة الانتقام من المجتمع، وهو ما ظهر في مصر بعد 2013، ففي هذه الفترة وبعد أن رأى الناس للمرة الأولى ممارسة الجماعة الفعلية للسلطة ولفظوهم، اختلفت أدوات الإخوان في التعامل معهم في طبيعتها.
ويرصد الكتاب أيضًا تجربة الجماعة في الأردن عبر دراسة أعدها الباحث في الحركات الإسلامية أحمد سلطان، ليقدم وصفًا بانوراميًا وتأصيلًا لحضورهم وتواصلهم مع الإخوان في مصر، أخذًا في الاعتبار الطبيعة الملكية للنظام في الأردن، ومن ثم يقدّم تعريفًا مهمًا حول ظهور الإخوان في الشارع السياسي الأردني.
فضلًا عن ذلك، يقدم الباحث في الحركات الإسلامية منير أديب دراسة حول الوجود الإخواني في الخليج منذ بداياتهم وارتباطه بهروبهم من مصر والطبيعة الخاصة لتغلغلهم في المجتمع الخليجي.
تُشير محررة الكتاب إلى أن الخليج كان في مرحلة ما منطقة آمنة للإخوان ولكن لم تستمر هذه الحالة في كل الأوقات، إذ حدث تصادم بين الإخوان والحكام في المنطقة بعد اكتشاف أهداف الجماعة ونواياها، وهو ما جعل المجتمعات تتعامل معاهم بشكل آخر.
وفي السياق ذاته، تُبرز دراسة أخرى أساليب توظيف الجماعة للمجتمع المدني في دول شمال أفريقيا، عبر تتبع انتشار الجماعة في هذه البقعة وانتشار التيارات المتشددة وأوجه التشابه والاختلاف بين هذه الدول في التواجد الإخواني.
جماعة الإخوان في المجتمعات الغربية
تشير دلال محمود إلى أن الكتاب يُلقي الضوء على وجود جماعة الإخوان في المجتمعات الغربية وأساليبهم في التسلل إلى المجتمع المدني، بالتركيز على بعض الحالات مثل جماعة الإخوان في بريطانيا، والارتباط التاريخي بين نشأة الإخوان وبريطانيا، واللغط حول الروابط الأولية فيما بينهما.
تقول محمود: “من الغريب أن مع انتكاسة التنظيم الخمسينيات والستينيات في مصر، كانت بريطانيا الملاذ الأول للجماعة وهناك استطاعت تكوين جالية كبيرة وتحقيق تواجد مؤثر وشبكة من العلاقات في شتى المجالات، وخصوصًا مع شبكات صنع القرار”.
وتسلط دراسة أخرى الضوء على الوجود الإخواني في ألمانيا وفرنسا والنمسا لتقدم تأصيلًا واضحًا لتحركات الإخوان خاصة في فرنسا التي بدأت في اتخاذ خطوات واضحة لمقاومة التوجهات الخفية للإخوان بعد أن ظهرت تداعياتها في الأفق.
وفي السياق، تحاول دراسة أخرى الوقوف على شبكات المصالح التي تربط ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الإخوان وشكل الحضور الإخواني في الولايات المتحدة، فضلًا عن محاولة استشراف مستقبل تواجد الإخوان في الولايات المتحدة مستقبلًا لا سيما بعد التضييق عليهم في معظم الدول الأوروبية.