٢٥ يناير.. عيد قديسين الوطنية
من يقرأ التاريخ ومن يفك طلاسم كلماته ومن يقتحم كواليس سطوره، يعلم جيدًا أن مصر كمؤسسات دولة قد انهارت من تسعينيات القرن الماضي، وأصبحت مزيجًا بين الفساد والإرهاب، ولكن كان هناك حائط صد ضد الانهيار الكامل، ذلك الحائط هو جهاز الشرطة بكل تشكيلاته وأفرعه الأمنية.
فقد تحمل ذلك الجهاز العبء الأكبر لمساوئ أنظمة الحكم السابقة، ففي التسعينيات حيث انتشار وتفاقم ثقافة الإرهاب والفساد نتيجة ضعف رؤية نظام الحكم القائم حينذاك نحو مواجهة علمية وعملية سليمة، وهنا كان دور جهاز الشرطة العظيم لمواجهة ذلك الفكر وتلك الثقافة ومنعهما من التمدد والاتساع وابتلاع مؤسسات الدولة، وفي هذا السياق قدم في تلك المواجهة الكثير من الأبطال الشهداء والكثير من الجهد والوقت وعلي حساب استقرار حياتهم الأسرية والاجتماعية
وكان لقطاع أمن الدولة "الأمن الوطني" هذا الجهاز العظيم الذي أعتبره أعظم قطاعات الدولة المصرية في العصر الحديث الدور البطولي الوطني التاريخي فيما فعله في الحفاظ علي أمن واستقرار الوطن، وعظمته تتجلي أيضًا في أنه الجهاز والقطاع الوحيد الذي ما زال إلي وقتنا هذا يحتفظ بلمعانه الوطني دون اختراق من الإرهاب أو الفساد، فظل خارج بيروقراطية الفساد الذي أصبحت الحاكم لكل مفاصل الدولة، ولذلك أصبح العدو اللدود للإرهابيين والفاسدين.
وظهر ذلك جليًا في خراب 25 يناير 2011 وما قام به الإرهابيون وأعوانهم من بلطجية الفساد والتسيب، بمحاولة كسر هيبة جهاز الشرطة عن طريق الاعتداء الإرهابي علي مقراته، وكان لقطاع أمن الدولة النصيب الأكبر من ذلك الاعتداء في محاولة لكسر هيبته وهز ثقة المواطن فيه.
وتحمل جهاز الشرطة ورجاله الكثير والكثير من أجل الحفاظ علي الوطن في تلك الحقبة السوداء في تاريخ الوطن، والتي هي وليدة ما تمخض عنه نظام مبارك وجاء نظام الإخوان الإرهابي الذي هو وليد سياسة نظام السادات وما بعده مبارك ليجلسوا علي كرسي حكم مصر، وكان من أولويات أهدافهم محاولة اختراق جهاز الشرطة بعد تغيير القوانين والأعراف التاريخية الحاكمة لهذا الجهاز العظيم، لكن صمود رجال الشرطة الشرفاء، ومساندة الوطنيين المخلصين منعوا وعطلوا ذلك.
لكن ما نجح فيه الإرهاب والفساد بعد خراب 25 يناير هو تفريغ للكثير من الكفاءات العظيمة الوطنية التي هي الأعظم في العالم داخل قطاع امن الدولة ونقل الكثير منهم إلي أعمال أخري خارج الجهاز، وقد تلاحظ إلي وقتنا هذا منذ خراب يناير هو تحييد وتهميش دور هذا الجهاز العظيم في مواجهة الثقافة الإرهابية مباشرة في الشارع المصري وداخل مؤسسات الدولة، وتقليص تأثيره في التدخل في الكثير من الملفات وهنا الجواب علي السؤال الذي يطرحه الكثيرون لماذا أصبح الشارع المصري بلا ضابط أو رابط، فكفي أن تدخل إلي مواقع التواصل الاجتماعي لتقرأ ما يكتبه الإرهابيون والمتطرفون ضد نظام الحكم وضد الدولة المصرية، وكفي أن تراقب تاجرا أو متجرا لتلاحظ الفجور في زيادة الأسعار بدون خوف أو تردد.
وبكل أمانة وطنية والتي أطرحها دائما في كتباتي ومقالاتي الكثير من مشاكل المواطن المصري في وقتنا الحالي السبب فيه هو تقليص دور تواجد قطاع أمن الدولة العظيم في الشارع المصري، هنا تمدد فجور الفساد والإرهاب بشكل لم يسبق له مثيل.
ولا ننسي دورهم العظيم في مساندة ثورة ٣٠ يونيو وتواجدهم في الشارع لحفظ أمن المواطنين وأيضا ما ترضوا له عقب تلك الثورة من أحداث إرهابية.
فتحية وطنية لرجال جهاز الشرطة الأبطال وروح كل شهيد وتحية مصرية أيضا لأسرة كل شهيد فالكلمات لا تفي حق هؤلاء الرجال الذين هم قديسون الوطنية المتجردون الذين يبذلون ويعطون بدون مقابل من أجل استقرار الوطن وأمنه.