«الدستور» تحقق في بيزنس مادة مناهج البحث.. مكتبات تبيع الأبحاث للطلاب
تحاول وزارة التربية والتعليم إيجاد وسائل أكثر تطورًا في منظومة أداء الامتحانات، فبدلًا من أدائها بشكل تقليدي يقوم الطالب بالاستعاضة عن الامتحان في أحد المواد ببحثٍ علمي، من المفترض أن يقدمه بنفسه في أحد الموضوعات من خلال مادة المشروعات البحثية، وهي مادة لطلاب صفوف النقل بدءًا من الصف السادس الابتدائي، والتي تعد إحدى مواد الرسوب والنجاح حاليًا، إلا أنها لا تضاف للمجموع، ويقدم الطلاب مشروعًا بحثيًا في الفصلين الدراسيين الأول والثاني.
وسيجري الطلاب مشروع البحث في مجموعات، بتقسيم طلاب الفصل إلى مجموعات وستختار وزارة التعليم أفضل 10 أبحاث في كل صف دراسي على مستوى المدرسة، لاختيار أفضل 3 مشروعات بحثية وتكريم أصحابها.
إلا أن هناك بيزنس تقوم به المكتبات من خلال تقديم تلك الأبحاث كاملة وجاهزة للطلاب دون أي جهد بحثي منهم بمقابل مادي، وهو ما يتنافى مع هدف الوزارة في تنمية القدرات البحثية لدى الطلاب.. "الدستور" كشفت خبايا ذلك البيزنس وتأثيره على الطلاب.
"الدستور" تكشف بيزنس الأبحاث.. السعر يبدأ من 25 جنيه حتى 50 جنيهًا
بمجرد البحث عن أماكن عمل الأبحاث في المكتبات وجدنا عشرات منها توفر تلك الخدمة، سواء كانت بشكل فردي من طالب واحد أو مجموعة من الطلاب دون أي جهد من الطالب سوى دفع المال وطباعة البحث وتسليمه إلى المدرسة.
في منطقة شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وجدنا إحدى المكتبات التي لا تعلن عن تلك الخدمة، ولكنها تؤديها في الخفاء، ووصلنا إليها من خلال أحد السماسرة، وبالذهاب إلى المكتبة وجدنا أنها تنفذ البحث الواحد بمبلغ 25 جنيهًا.
وقال مسؤول المكتبة إن الأبحاث لديهم موجودة وجاهزة لكل طلاب المرحلة الابتدائية في موضوعات مختلفة: "الطلاب مش لاقيين وقت إحنا بنخفف عليهم وياخدوا البحث جاهز".
وأضاف: "إحنا بنفهم الطالب لما يجي ياخد البحث النقاط الرئيسية اللي فيه عشان يبقى عارف إيه اللي مكتوب لو تم اختباره فيه ولو اتسأل".
وبيّن أن لهم فرع آخر في شبرا البهو في محافظة المنصورة به الأبحاث جاهزة ومطبوعة للطلاب، ويقوم بها طلاب جامعات وهو مكون من 10 ورقات.
وفي مدينة أكتوبر، تواصلنا مع مكتبة أخرى لعمل الأبحاث والتي تخصصت في إنتاج أبحاث جماعية للطلاب، ولا يكلف الأمر شيء سوى دفع الأموال فقط من قِبَل الطلاب من أجل إعطاء البحث.
ذهبنا إلى المكتبة لعقد اتفاق معها وقال المسؤول لـ"محررة الدستور": "البحث الواحد لو فيه ثلاث طلاب كل واحد بيدفع 15 جنيه لوحده يعني كلهم 45 جنيه للبحث الواحد، وبيكون جاهز وبيتحط عليه أساميهم كلهم وبيعدي من غير ما حد يعرف".
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تواصلنا مع مكتبة أخرى، أوضح المسؤول بها أن سعر البحث الواحد يصل إلى 50 جنيهًا، مضيفًا: "لو تمام ممكن أعرف موضوع البحث أسماء الطلاب المشاركين واسم المدرسة والفصل والإدارة".
وبيّن أنهم ليس لديهم مقر ولكن يعملون أون لاين فقط لأن تلك التجارة ممنوعة، مضيفًا: "متوفر إرسال البحث pdf وحضرتك تطبعيه في أي مكتبة قريبة من حضرتك".
أولياء أمور: "نستعين بالمكتبات لإجراء البحث بسبب عدم قدرة أبنائنا"
وبالفعل يلجأ كثير من أولياء الأمور إلى إجراء الأبحاث في المكتبات منهم أمجد إسماعيل، أحد أولياء الأمور، ووالد طالب بالصف الرابع الابتدائي، محافظة بني سويف، الذي قال: "تكليف طلاب صفوف النقل بإعداد المشروعات البحثية بشكل إلزامي للنجاح بالسنة الدراسية أمر غير مرغوب فيه، ولم سكن محبب لكثير من الطلاب، وخاصة إن كانت تلك الموضوعات التي بجب على الطالب تناولها في مشروعه البحثي تفوق القدرة الإدراكية للطالب".
وأوضح إن ابنه تكلف بعمل موضوع خاص بالتغيرات المناخية، وإنه لم يدرك ما تحمله تلك الكلمات من مغزى، كما وتم التكليف به منذ أيام قلائل، والذي يفترض تفعيله منذ بداية العام الدراسي لإمكانية تدريب الطلاب حول كيفية إعداد تلك الموضوعات ومناقشتها، ومن ثم نظرًا لضيق الوقت المتبقي للاستعداد لامتحانات نهاية نصف العام الدراسي، ومن ثم تم اللجوء إلى إحدى المكتبات بالمنطقة لإعداد هذا المشروع البحثي.
واستكمل: "يرجى إعادة النظر في تنفيذ هذا القرار الوزاري بشكل يتثنى لجميع طلاب صفوف النقل الاستفادة الكبرى منه، لأن تلك المشروعات البحثية ستسهم فيما بعد بشكل قوي في تنمية مهاراتهم المختلفة كالقدرة على الإلقاء وغيره من المهارات".
بينما ترى أمل منصور والدة طالب في الصف الثاني الاعدادي، أن الأبحاث مرهقة ومكلفة للطلاب، معبرة عن غضبها من تفعيل منظومة المشروعات البحثية لطلاب صفوف النقل بالمدارس التعليمية: "ملوش جدوى من تفعيله في وقت متأخر من العام الدراسي".
وأوضحت إن المشروعات البحثية قد تؤتي ثمارها إن تم تفعيلها بالشكل الأمثل، حيث كان من المفترض قيام كل مجموعة مكونة من 5 طلاب بالاشتراك في عمل مشروع بحثي يتناول موضوع متعلق بآخر التطورات التي قامت بها الدولة المصرية، ومن ثم مناقشتها.
وتابعت: "لم تتم المناقشة المتوقعة بل ولجأ الطالب إلى المكتبات لشراء أبحاث جاهزة، معلقة: "الطالب مش هيستفيد أي حاجة لأنه أصلُا مش بيبص فيها حتى، الموضوع ده مش أحسن حاجة، غير إن السناتر والمكتبات استغلوا الموضوع ده ورفعه سعر البحث الواحد لـ٦٠ جنيه".
وطالبت والدة الطالب "محمود" في ختام حديثها بتأجيل تنفيذ تلك المشروعات البحثية للفصل الدراسي الثاني، أو إلغاء تلك المشروعات البحثية هذا العام ومن ثم البدء في تفعيلها وتنفيذها بالعام الدراسي القادم، حتى تستعد طلبة صفوف النقل التعليمي للقيام بها بأنفسهم وكيفية الاستفادة منها من خلال المناقشة الفاعلة.
سهير محمد، ولي أمر من محافظة القاهرة، قالت إن وزارة التربية والتعليم قامت بإصدار قرار إنشاء المشروعات البحثية لطلاب صفوف النقل بالمدارس التعليمية، بدءً من الصف السادس الابتدائي حتى المرحلة الثانوية، خطوة هامة ستسهم بشكل كبير في تنمية القدرات الإدراكية والمعلوماتية للطالب.
وتتابع: "هدفت الوزارة من إنشاء تلك المشروعات البحثية بتلك المراحل التعليمية من أجل خلق مساحة من النقاش بين المعلم والطلاب، بالإضافة إلى بث روح التعاون في تكوين المجموعات وحث الطلبة على التفكير والبحث عن المعلومة عن طريق مصادر مختلفة".
واستكملت: "تفعيل المشروعات البحثية في منتصف شهر ديسمبر في ذلك الوقت الضيق سيؤثر بالسلب على الطالب، لأنه في تلك الأيام القلائل يستعد لخوض امتحانات نهاية الفصل الدراسي وهذا سيؤثر على مدي تركيزهم".
وأضافت: "أنا ابني في الصف الخامس الابتدائي ومطلوب منه يعمل بحث عن العاصمة الإدارية، وبيبقي في مواصفات معينة ولقينا سنتر بجانب المدرسة بيبيع أبحاث للطلبة فخليت ابني وزميله في المجموعة يشتروا بحث من السنتر بـ٥٠جنيه".
الوزارة تضع الضوابط
وكانت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، قد كشفت عن ضوابط تطبيق مادة المشروعات البحثية على صفوف النقل، موضحة أنه تحدد موضوعات الأبحاث من خلال قائمة يعدها موجه أول التربية الاجتماعية ويتم اختيار موضوع البحث لكل مجموعة من تلك القائمة بمعرفة المعلم رائد الفصل بالتعاون مع معلم المادة ويفضل أن تناقش المشروعات والإنجازات المتعلقة بالدولة المصرية وكذا التحديات التى تواجهها وطرق مواجهة تلك التحديات وربطها بالمادة الدراسية المقررة على الطالب.
وتابعت الوزارة أن طلاب الفصل الواحد يتم تقسيمهم إلى مجموعات لا تقل عن 3 ولا تزيد على 5 طلاب وتتم جميع الأعمال المتعلقة بالأبحاث بالمدرسة لضمان مشاركة الطلاب الفعلية وتنمية مهاراتهم البحثية وبث روح التعاون ويقوم معلم رائد الفصل بمناقشة الطلاب والتعرف على مدى التعاون بين أعضاء المجموعة وتوزيع المهام عليهم والمصادر التي تمت الاستعانة بها والتحديات التي واجهتهم وكيف أمكنهم التغلب عليها.
وأوضحت وزارة التربية والتعليم والتعليم، تتقدم كل مجموعة بمشروعين بحثيين طوال العام الدراسي يسلم البحث الأول قبل امتحانات الفصل الدراسي الأول بأسبوعين والبحث الثاني قبل امتحانات الفصل الدراسي الثاني بأسبوعين.
خبير تعليمي: "الأبحاث تحولت إلى بيزنس والطلاب لا يستفادوا"
وعن ضرر ذلك الأمر على الطلاب، قال على فارس، الخبير التعليمي والباحث في تطوير منظومة التعليم العام والفني، إن المشروعات البحثية التي حددتها وزارة التربية والتعلم لصفوف النقل بدءً من الصف السادس حتى الصف الثاني الثانوي، هى خطوة فاعلة تسهم في الارتقاء بفكر الطالب ومساعدته في الاطلاع على التطورات التي تحدث حوله، ومن ثم يصبح عنصرًا وعدًا ومنتجًا بأفكاره وآرائه المختلفة".
وتابع: "المشروعات البحثية تتم من خلال تقسيم الطلاب إلى مجموعات لا تقل عن 3 ولا تزيد عن 5 طلاب بحيث كل مجموعة تقوم باختيار موضوع البحث يدور حول المشروعات والإنجازات المنطلقة بالدولة المصرية على مدار السنوات الأخيرة الماضية كإنشاء العاصمة الادارية، ومدينة العلمين، وما قامت به الدولة في قضية التغيرات المناخية وغيرها من الموضوعات الهامة، ومن ثم ربطها بالمواد الدراسية المقررة".
وأكد الخبير التعليمي والباحث في تطوير منظومة التعليم العام والفني، أن هذا القرار الخاص بتفعيل منظومة المشروعات البحثية لصفوف النقل لم يؤت ثماره المرجوة، فقد تحول الأمر إلى سبوبة للمكتبات والسناتر التعليمية، موضحًا إن هذا القرار كان مؤرخًا في 29 سبتمبر 2022، ولكن لم بصل بعد إلى المدارس إلا في منتصف شهر ديسمبر الجاري، ومن ثم لم يسعف الوقت الطلاب في تنفيذ تلك".
وأضاف: "استغلت السناتر والمكتبات هذا الوضع مستهدفةً تحقيق مكاسب مالية من طلاب المدارس، فقامت بإعداد نماذج بحثية وبيعها للطلاب تسهيلًا لهم، وقد تفاوتت أسعار بيع تلك الأبحاث المعدة من قبل تلك المنشآت ووصلت سعرها إلى 50 جنيهًا".
واستطرد: "كان من المفترض قيام رائد الفصل بتجميع الأبحاث المعدة من قبل الطلبة ومناقشتها معهم، ومن ثم يتم تسليمها إلى أخصائي المدرسة، والعمل على اختيار الأفضل من بين تلك الموضوعات البحثية، ومن ثم تصعيدها إلى مديرية التربية والتعليم: "الطالب يقدم بحثين بحث قبل نهاية نصف السنة وقبل نهاية امتحانات آخر العام الدراسي".
واختتم: "تأخر تنفيذ وتطبيق هذا القرار في المدارس، والكثير من الطلاب لا يحضروا إلى المدارس استعدادًا لدخول امتحانات نهاية نصف السنة الدراسية، ومن ثم لم يكن تنفيذ وتفعيل تلك المنظومة على أكمل وجه".